هدم المنازل يفجر احتقانا سياسيا بالرباط.. متضررون يتهمون السلطات بـ”تهجيرهم قسرا خارج القانون”

في مشهد يعكس تصاعد التوتر بين السلطات وسكان العاصمة المغربية، تواصلت عمليات الهدم والترحيل ونزع الملكية في مدينة الرباط، وسط اتهامات بـ”التعسف وخرق القانون” من قبل السلطات.
سكان متضررون أوضحوا أنهم يتعرضون لضغوط وصفوها بـ”غير القانوني”ة، مشيرين إلى أنهم “لن يغادروا ولو هدمت المنازل فوق رؤوسهم”، فيما يتهم منتخبون عن فيدرالية اليسار السلطات بفرض “قرارات غامضة وإجبار الملاك والمستأجرين على الإخلاء دون تعويضات عادلة أو سند قانوني واضح”.
جاء ذلك خلال ندوة صحفية نظمها منتخبو فيدرالية اليسار الديمقراطي بمجلس مدينة الرباط، وهم فاروق مهداوي وعمر الحياني وهند بنعمرو، لمناقشة تداعيات عمليات الهدم والترحيل ونزع الملكية التي تشهدها المدينة، وذلك اليوم الاثنين بنقر الخزب بالرباط.
وقال فاروق مهداوي إن الوضع في الرباط عنوانه “المجهول”، معتبرا أن السلطات “تمارس البطش والتسلط” في حق السكان، كما حصل في دوار العسكر، حيث تم “هدم البيوت على ساكنيها دون سند قانوني، وفي منتصف السنة، بما يشكل انتهاكا صارخا لحقوقهم”.
واعتبر مهداوي، أن هذه العمليات لا تقتصر على هذا الدوار فقط، بل تمتد إلى أحياء أخرى، مثل حي المحيط، حيث يتم حسب قوله “الضغط على السكان لإجبارهم على الرحيل في خرق واضح للقانون، مشيرا أن عمليات الهدم ومصادرة العقارات لا تخضع لقانون نزع الملكية بل هي اعتداء على الملك الخاص”.
وأشار إلى أن مبدأ “المنفعة العامة” الذي يتم الاستناد إليه في عمليات الهدم، “أصبح غطاء لتجاوزات خطيرة”، قائلًا: “ما يجري في حي المحيط ليس له أي سند قانوني، ولا أحد يوضح لنا حقيقة ما يحدث هناك”.
وأضاف المتحدث أن السكان يُجبرون على “التوقيع على وثائق مجهولة، وسط تعتيم كامل على عملية الهدم، مقابل 13 ألف درهم للمتر الواحد في ما يتعلق بالعقارات المحفظة، و10 آلاف درهم للمتر الواحد للعقارات غير المحفظة”.
وأكد مهداوي أن الدولة تملك الحق في نزع الملكية وفق القانون 7.81، مع إمكانية إبطال هذا الحق إذا ثيت أن الأمر لا يتعلق بمنفعة عامة كما حدث بناء على أحكام قضائية سابقة، مشددا على أن هذه الإجراءات يجب أن تخضع لضوابط قانونية صارمة.
وأضاف: “المشكل أننا لا نتحدث هنا عن اتفاقات ودية، بل عن فرض أسعار بيع محددة من طرف السلطة، وهو ما يتعارض مع مبدأ أن العقد شريعة المتعاقدين”، واصفا ما يجري بـ”الغطرسة والامشروعية”، حيث يتم تهجير السكان دون تعويض عادل، وهو ما اعتبره انتهاكًا للحقوق الأساسية للمواطنين.
وتابع المتحدث: “نحن لسنا ضد التنمية، لكن شريطة أن تكون رهينة باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا ما لا يتم، فما يجري هو خرق سافر للقانون، وانتهاك لحقوق الإنسان”، مشيرا إلى أن ما يجري بحي المحيط سيتواصل، وسيصل لأحياء للعكاري، وقصر البحر، ويعقوب المنصور، والتقدم.
ونبه مستشار فريق فيدرالية اليسار الديمقراطي، إلى أنه “ينبغي التمييز بين تصميم التهيئة ومخطط توسيعت الشوارع، الذي تم المصادقة غليه بالجماعة وما يجري الآن بعدد من الأحياء”.
وفيما يخص المستأجرين، كشف مهداوي أن باشا منطقة حسان “يمارس ضغوطًا كبيرة على المكترين لإجبارهم على الإفراغ”، معتبرا أن السلطات تستخدم “أدوات غير قانونية مستعينة بأعوان السلطة، لإخراج المستأجرين من مساكنهم دون أي تعويض أو مراعاة لظروفهم الاجتماعية”، مشيرا إلى أن بعض هؤلاء السكان قضوا أكثر من 50 عامًا في مساكنهم، قبل أن يجدوا أنفسهم في الشارع بلا مأوى.
المتضررون يرفضون الهدم
من جهتهم، عبر المتضررون عن غضبهم من هذه العمليات، مؤكدين أنهم يرفضون مغادرة منازلهم تحت الضغط، وقال أحد السكان المتضررين: “السلطات تمتنع عن إعطائنا أي سند قانوني لمصادرة أملاكنا، وتكتفي بالقول إن الأمر جاء من جهات عليا”، وهو ما يعزز الشكوك حول شرعية هذه القرارات.
وأكدت متضررة أخرى أنها لا تزال تدفع ثمن أقساط منزلها، ومع ذلك وجدت نفسها مهددة بالترحيل، مشيرة إلى أن السكان يرفضون المغادرة لأنهم يرون أن عملية التفويت “تتم لصالح الخواص وليس من أجل المنفعة العامة كما تدعي السلطات”.
وعبر أحد السكان عن موقف أكثر تشددًا بقوله: “كرامتنا وكبرياؤنا هو ما نملك، ولن نغادر ولو هدمت المنازل فوق رؤوسنا”، في إشارة إلى استعدادهم لخوض معركة طويلة من أجل الحفاظ على حقوقهم.
أما فيما يخص المستأجرين، فقد كشف أحد المتضررين أنه يعيش إلى جانب عائلات تستأجر منازل منذ أكثر من 70 عامًا، معتبرًا أن طردهم بهذه الطريقة يعد “انتهاكا لحقوقهم التاريخية”، خاصة في غياب أي حلول بديلة تضمن كرامتهم.
هذا وطالبت فيدرالية اليسار الديمقراطي بالعاصمة الرباط، بوقف فوري للهدم، وفتح تحقيق في “الصفقات المشبوهة”، وإشراك السكان في القرارات، مُحذرة من توسع الأزمة إلى أحياء كيعقوب المنصور، عن نيتها كشف وثائق تثبت التجاوزات خلال ندوة صحافية قريبة، داعية المجتمع المدني والصحافة للضغط لوقف “الاستثناء العقابي المُطبق على الرباط”.
وبحسب بلاغ الرسمي لفيدرالية اليسار بالرباط، فإن السلطات لم تكتفي بانتهاك حقوق الملاك، بل تجاهلت الأوضاع الإنسانية للسكان، موضحة أن عمليات التهجير تمت خلال شهر رمضان، وفي منتصف الموسم الدراسي، ودون مراعاة وضع المسنين والمرضى، ما تسبب في وفاة شخصين جراء الصدمة النفسية حسب شهادات السكان.
وأكدت فيدرالية اليسار في بلاغها أن عمليات الهدم، تتنكر للقانون 7.81 الذي ينظم نزع الملكية، إذ لم تُنشر مراسيم المنفعة العامة، أو تُشكل لجان تقييم عادلة، بل تم فرض الأسعار وإجبار الملاك على التوقيع لدى موثقين تابعين للسلطة، منددة بما اسمته إفراغا القسري للمستأجرين بعضهم قضى 50 عامًا في نفس المحل دون تعويض أو سند قضائي، ما يكرس “احتكار الدولة للعنف ضد الفئات الهشة”.
وفي محاولة للحصول على موقف رسمي من جماعة الرباط بشأن هذه الاتهامات، راسلت جريدة “”، عمدة المدينة فتيحة المودني للاستفسار عن مدى صحة ما ورد في بلاغ فيدرالية اليسار وتصريحات المستشار الجماعي، إلا أنها لم تتلقَّ أي رد إلى حدود نشر هذا المقال.
المصدر: العمق المغربي