نهاية خط السير
لطالما طرقت هذه الكلمات أذن كل مسافر على متن القطار، وذلك عند السفر من مدينة إلى أخرى، بل حتى داخل المدينة عندما تكون وسيلة النقل مثلا هي “الترام”، فعند سماع كلمة “ترمينوس” يستعد الركاب للنزول و مغادرة “الترام”، ومناسبة هذا الحديث عن السفر هو انتقال المرحوم عبد الواحد الراضي إلى دار البقاء، وهذا كذلك يعتبر نوع من انواع السفر لكن لا يمكن متابعة أحداثه بالعين المجردة، ببساطة فهذا غيب أخبر عنه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، لقد قال إن القبر قد يكون روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار حسب عمل المقبور ، لهذا لن أتحدث عن ثروة الرجل و أملاكه من باب ” اذكروا أمواتكم بخير “، من جهة أخرى كل ذلك ليس إلا متاع الغرور و زخرف الحياة الدنيا الفانية ، ولو علم الناس خطورة ما بعد الموت لكان تعاملهم مع المال بشكل مغاير، المهم أن الرحلة تبدأ مباشرة من محطة القبر تحث الأرض، ثم تبرز أحداث هذه الرحلة من جديد فوق الأرض يوم العرض، حيث تكون المحطة ما قبل الأخيرة في الرحلة العجيبة، والتي يجتمع فيها كل المسافرين من عهد آدم عليه السلام إلى آخر مسافر تقبض روحه ، وبعد المكوث مدة طويلة في هذه المحطة العظيمة و الرئيسية ، تبدأ بعد ذلك إجراءات التدقيق في هوية المسافرين و أعمالهم كلها حيث لا تغادر منها صغيرة ولا كبيرة ، ثم تأتي بعد ذلك أهم مرحلة في الرحلة وهي الفرز النهائي للمسافرين حسب أعمالهم ، و التي يتم تحديد وجهة سفر كل فريق حسب النتيجة المحصل عليها بعد الحساب ، الفريق الأول من المسافرين السعداء يكون نهاية خط سير الرحلة عندهم هي جنة عرضها السماوات والأرض ، و ياله من “ترمينوس ” نعيم دائم و فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، والفريق الثاني من الأشقياء يكون نهاية خط سير الرحلة عندهم في قعر جهنم مع العذاب الدائم و الأبدي ، و الأكيد أنهم لن يشعروا بالملل فهم برفقة كبراء القوم قارون و هامان و فرعون وكل المترفين، لكننا نرجوا لسي عبد الواحد السلامة والعافية ، لقد شبه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم حياة الناس في هذه الدنيا ، برجل مسافر جلس تحث ظل شجرة ثم تركها متوجها إلى الله ، وهذه حقيقة الحياة الدنيا فماهي إلا محطة عبور عش ما شئت سبعين عام أو ثمانين أكثر أو أقل ، كل ذلك لا يعد إلا مجرد استراحة مسافر ثم تكمل السير إلى الله ، حيث الحياة أبدية حقيقية لا موت بعدها إما حياة في نعيم دائم أو عذاب دائم ، لقد سبق لي ان كتبت مقال بمناسبة هلاك ملكة بريطانيا “إيليزابيث” الثانية ، التي جلست على كرسي الحكم لمدة قياسية أي حوالي 70 سنة ، كذلك سي عبد الواحد له رقم قياسي عالمي حيث سكن في البرلمان حوالي نصف قرن و نيف ، المهم فإذا كانت وفاة ملكة بريطانيا العظمى تشكل موعظة و إنذار لكل حاكم على وجه الأرض ، فإن وفاة سي عبد الواحد قد تشكل موعظة و إنذار كذلك لمن هو دون ذلك المنصب السامي ، مثلا موعظة لرئيس حكومة أو برلمان أو لوزير نائب او لرئيس جهة .. ، لهذا على أصحاب هذه المناصب الرفيعة التأمل جيدا في مصير ونهاية سي عبد الواحد ، و الرسالة واضحة لمن أراد ” إعادة التربية للمغاربة “والذي ظن أن المال وحده كاف للسيطرة على الناس ، عودة إلى محطة القبر التي تشكل انطلاق الرحلة إلى الدار الآخرة ، فعند ما يتم وضع سي عبد الواحد في ذاك المكان الضيق الموحش و المظلم ، حيث لا “مكرفون” ولا ماء معدني فوق الطاولة ولا صحافة ولا أغلبية ولا معارضة ، الرجل وحيد معزول تماما عن العالم يتم استنطاقه من طرف ملكين ، ونظرا لخطورة هذه المرحلة الحاسمة في الرحلة إلى الدار الآخرة ، فإن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم طلب منا الدعاء للميت بان يثبت الله منطقه عند السؤال ، نحن نعلم أن الأستاذ عبد الواحد له تجربة كبيرة في الأسئلة بنوعيها الكتابية و الشفوية ، لأنه كان يترأس جلسات البرلمان لعدة سنوات ، لذلك فهو يعرف طرق صياغة الأسئلة و طرق تعامل رئيس الحكومة أو الوزير مع هذه الأسئلة ، لكن اليوم الوضع مختلف لا يوجد سؤال كتابي يمكن لسي عبد الواحد الجواب فورا عند سماع السؤال الشفوي ، فهي أسئلة محددة وعلى الجواب أن يكون دقيقا كذلك ، بعد هذا الإمتحان الإجباري يمكن لجميع المسافرين الجلوس في انتظار ساعة الخروج من جديد ، لكن هناك فرق بين من يجلس مرتاح ومن هو معذب إلى وقت البعث حيث تبدأ رحلة أخرى ….
المهم كلامي هذا موجه لمن يعتقد بحياة بعد الموت و نعيم القبر وعذابه خلاصة من يعتقد باليوم الآخر ، ومن لا يعتق بذلك اتمنى له حياة طويلة أبدية فوق الأرض..!!
عندما قال الله عزوجل : “..كل نفس ذائقة الموت..” اعلم أيها المسكين ان الأمر جد ولن يكون هناك استثناء لأحد ، وعلى كل مسؤول ان يعد جوابا عندما يسأل عن حقوق الناس..
مسرور المراكشي يقول يا بالمعطي لا تحزن رغم “الحݣرة”و قهر الغلاء وقلة المال بيننا و بينهم سورة “الهمزة” (..ويل لكل همزه لمزة..
المصدر: العمق المغربي