نقّاد يتصفحون رواية “مربع الغرباء” للشاوي وينبشون قبور ضحايا الماضي الأليم
قراءات في “مربّع الغرباء 1981″، أحدث روايات عبد القادر الشاوي، الأديب والمعتقل السياسي والدبلوماسي السابق، استقبلها المعرض الدولي للكتاب والنشر بالرباط، أمس السبت.
الروائي محمد أمنصور استحضر روايتي عبد الكريم غلاب اللتين تفصل بينهما عقود (“دفنا الماضي” و”لم ندفن الماضي”)، قائلا إن هذه الرواية الجديدة “تعود بنا إلى تجربة في بداية العهد الجديد”، الذي ظُن معه “أننا سنطوي الماضي”.
وأضاف أن “موضوع الرواية مفاجئ حول ما عشناه في تجربة العدالة الانتقالية كحلم انتهى بسرعة ولم نعد نتكلم في الموضوع، ظانين أن الأمر قد حسم”، مشيرا إلى أن الشاوي له “قدرة على قراءة الحاضر السياسي الذي لم تتباعد المسافة بيننا وبينه”، وعاد في هذا العمل إلى ما سماه وزير الداخلية الأسبق إدريس البصري “شهداء كوميرا” سنة 1981، والضحايا المدفونين في مكان ما محاط بنوع من السرية.
وتابع قائلا: “يهتم عبد القادر الشاوي بالانتقال من الدفن العشوائي للضحايا إلى الدفن الرسمي (…) ومن ظنِّ أننا دفنا الماضي إلى أننا لم ندفنه؛ فالأمر لم يحسم إطلاقا، وأسوأ من ذلك أن الضحايا الذين كانوا عظاما منسية، أخرجوا بشكل عشوائي لدفنهم، وكأننا نريد قتلهم مرة ثانية (…) للفعل في المرة الأولى طابع الجريمة، وفي المرة الثانية هو رمزيا جريمة من نوع آخر”.
وأردف “هذه ليست مجرد رواية سياسية، بل لها شجاعة النظر إلى أشياء تمر أمامنا ولم تُحسم، رغم بداهة الاعتقاد بأن الحسم قد تم”.
إذن هناك “دفن تكرر مرتين، في زمنين متباعدين، وبشكلين مختلفين”، و”المصالحة لم تحقق الإنصاف للضحايا الذين فقدوا حيواتهم بأكثر الطرق وحشية”، ثم لما تذكّرتهم “العدالة الانتقالية”، “استُخرِجت العظام بعشوائية، عبر جرافة، حولتهم إلى عظام مصطفة إلى جانب بعض”، في ظل “استعراض حقوقي سياسي لإنجاز الهيئة”، وطابع احتفالي بالدفن الجديد في مقبرة رخامية، لكنه “احتفال بماذا؟”.
وتساءل المتدخل “هل بهذه الطريقة الاختزالية تطوي الدولة أو النظام الماضي الأليم؟”، قبل أن يسطر على “عقم العملية المسرحية”، ووجود غموض “أراد تعويض الدم بالمال، والحياة بالمتحف”.
ثم استرسل قارئا سطور الرواية وما بينها “كنا شبه نيام: كيف للمصالحة أن تتم دون محاكمة الجلادين؟ وهل التعويض المالي يعوض على حقيقة الظلم والقتل وسفك الدماء؟ يوجد طابع فلكلوري وزائف للعملية ككل، وعدمُ فلاح المجلس أو الهيئة في ضبط الأرقام ومطابقتها مع واقع الحال (…)، فهل كانت الحقيقة فعلا هاجس الهيئة؟ ولماذا لم تحصل الأسر على رفاة ذويها إذن؟”.
رواية “مربع الغرباء” إذن، وفق أمنصور، “مثيرة في الموضوع، جريئة في طرحها، ولا تقول بالمباشر إن ما حدث من إعادة دفن لضحايا 1981 جريمة جديدة”، لكنها “تدفعنا إلى إعادة تأمل معنى الحفر مجددا، من مقبرة مجهولة إلى علنية، دون أن ترى العائلات والرأي العام: من هم؟ من القاتل متجدد الحضور الذي يصر على أن يودي بالرأسمال الرمزي للضحايا بعد سلب أرواحهم في سنوات الرصاص؟ لأن الحقيقة لا تزال ضائعة، والجراح لا تزال مفتوحة، ولأن الغرباء لا يزالون ضائعين في مربع”.
الروائي أحمد الكبيري ذكر، من جانبه، أن عبد القادر الشاوي وفي للكتابة التي لا تتحقّق فعلا إلا “عندما نكتب حول ما نعرفه حق المعرفة”، وهكذا منذ “كان وأخواتها” إلى “مربع الغرباء”، “يواصل نبشه وحفره في تيمتي الذات وما هو سياسي واجتماعي، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان داخل المغرب وخارجه”.
وتابع قائلا: “يتحدث الشاوي في نصه الروائي الإبداعي عن حدث واقعي سنة 1981، سماه بنعت حقير غيرُ المأسوفِ عليه وزير الداخلية الأسبق “شهداء كوميرة”””.
وزاد قائلا: “تولّد الوحشية الكبيرة لإطلاق النار على الناس في الشارع أحاسيس متضاربة في الذاكرة والمجتمع”، و”نخرج من الرواية بفكرة أنها تعتني بجرح مغربي عميق عشناه، وهناك تلميح لأشياء لم تنته (…) ولا جزم ألا يتكرر ذلك في المستقبل مع ارتفاع الأسعار والطبقات المسحوقة التي تلاقي الويلات”.
وقدمت الرواية، حسب قارئها، النخبة السياسية من خلال ثلاثَ نخب: “نخبة الاندفاع والهرولة إلى السلطة دون شرط أو قيد لتحقيق مصالحها وإيمانها بأن شيئا يتغير، وطبقة ممانعة، قليلةٌ جدا، تلاقي التهميش والإقصاء، والمتواطئون بالصمت والخذلان”.
عبد القادر الشاوي ذكر، من جهته، أن “أي كاتب بعدما ينتهي من روايته في مجال الإبداع، من المفروض أن يصمت قليلا، طمعا في الإنصات إلى نبض يصله من قارئ معين وقارئة معينة”.
ثم استرسل قائلا: “الخط السردي العام للرواية بسيط: مجلسٌ، وعمل داخله، وتيمة الإنصاف والمصالحة، التي تقود إلى اكتشاف مقبرة جماعية بالدار البيضاء في ثكنة الوقاية المدنية تحت متلاشيات كثيرة لثلاثة عقود، ثم تدشين مقبرة جماعية أيضا على نمط حديث وبها تنتهي الرواية”.
هكذا “بين المنطلق والرواية مجموعةٌ من الشخوص والأحداث والوقائع والاكتشافات والحالات والمواقف والأفكار”، مع توقف عند “اكتشاف المقبرة الجماعية، وإخراج العظام بطريقة مرتجلة تخالف حتى القواعد الناظمة الأساسية المعمول بها في اكتشاف المقابر الجماعية والتحقق من هويتها”، قبل أن يتساءل: “هل كان ذلك ضروريا؟”.
وتابع قائلا: “قصدي من الكتابة كان الحديث عن الذاكرة في علاقة بالنسيان، فهناك أحداث أليمة مفترضة عيشت. هناك جريمة، وسر لم يكتشف إلا بعد ثلاثين سنة، في سياق إعلان هيئة الإنصاف المصالحة، وبداية عهد قيل إنه سيكون مختلفا”.
ويرى الشاوي أن “الزمن أكبر خوّان إلى وقائعنا وأحداثنا وأجزاء من تاريخنا لأنه يرتبط بالتطور والتغير”، وكما هو حال كثير من الشعوب “نحن بدون تاريخ حقيقي، فالتاريخ يكتبه المنتصر”.
المصدر: هسبريس