شكل موضوع “الإفراج المقيد بشروط: نحو مقاربة متوازنة بين توسيع فرص الإفراج وتقليل المخاطر” محور ندوة نظمتها بطنجة، أمس الإثنين، وزارة العدل بشراكة مع المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب (DIGNITY).

وكانت الندوة، التي شارك فيها ممثلون عن وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة وسلطات إنفاذ القانون والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، والمؤسسة التشريعية وخبراء مغاربة ودنماركيون وممثلو المجتمع المدني، مناسبة للنقاش وبحث نطاق تفعيل آلية الإفراج المقيد بشروط، ودورها في التخفيف من اكتظاظ المؤسسات السجنية وتأهيل وإعادة إدماج السجناء.

في هذا السياق أبرز وزير العدل، في كلمة تلاها بالنيابة عنه مدير الشؤون الجنائية والعفو ورصد الجريمة، هشام ملاطي، أن آلية الإفراج المقيد تستند إلى مجموعة من المرجعيات الوطنية والدولية أهمها دستور المملكة المغربية، خاصة ما أرساه من مبادئ الحكامة الجيدة للمرافق العمومية، وتمتيع السجناء بكافة الحقوق والحريات المخولة لهم دستوريا، وكذلك التوجيهات الملكية المتعلقة بالبعد الاجتماعي للعدالة وحماية السجناء المحرومين من الحرية.

في هذا الصدد ذكر الوزير بمضامين الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة القضائية يوم 29 يناير 2003، وبالتوجيهات الإستراتيجية للوزارة المرتبطة بتنزيل خلاصات الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، ولاسيما ما يرتبط بضرورة مراجعة السياسة الجنائية وإصلاح سياسة التجريم والعقاب والارتقاء بأداء العدالة الجنائية.

وقال المسؤول الحكومي ذاته إن آلية الإفراج المقيد جاءت نتيجة تطور الفكر الجنائي لدور العقوبة في التأهيل الاجتماعي وإعادة الإدماج، معتبرا أنها وسيلة تهذيبية وتشجيعية لمكافأة المحكوم عليهم من ذوي السلوك الحسن، وآلية فعالة للتخفيف من اكتظاظ المؤسسات السجنية، وتجسد اعتماد سياسة عقابية مرنة تتماشى مع التوجهات الجديدة في اعتماد بدائل للعقوبات السالبة للحرية.

من جهتها أبرزت فاطمة الزهراء بنسعيد، رئيسة شعبة الإجراءات الجنائية وحقوق الإنسان بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، مساهمة المجلس في تنسيق المجهودات الكبيرة المبذولة من قبل جميع المتدخلين في المسارات الإجرائية للعقوبات السالبة للحرية، في سبيل تنزيل الرؤية الملكية السديدة الرامية إلى أنسنة العقوبة والارتقاء بها إلى آلية للإصلاح والتأهيل لإعادة الاندماج الاجتماعي.

واعتبرت بنسعيد أن اختيار موضوع هذه الندوة دليل على الانشغالات الراهنة بمتطلبات وآليات التخفيف من اكتظاظ المؤسسات السجنية، مبرزة في هذا الصدد الجهود المضاعفة التي تبذلها لجنة الإفراج المقيد بشروط وما تحققه من نتائج بالنظر إلى تعقد المسطرة.

من جهته اعتبر رئيس قطب الدعوى العمومية وتتبع تنفيذ السياسة الجنائية برئاسة النيابة العامة، أحمد والي علمي، أن تفعيل آلية الإفراج المقيد يعد عاملا يساهم، إلى جانب عوامل أخرى، في التخفيف من حدة الاكتظاظ الذي تعاني منه بعض المؤسسات السجنية، مبرزا أن رئاسة النيابة العامة، التزاما منها بأولوية تعزيز الحقوق والحريات المكفولة دستوريا، اتخذت مبادرات ملموسة وانخرطت، بتعاون مع باقي الشركاء، لمعالجة مختلف الإشكالات العملية أو القانونية التي تهم الشأن السجني بالمغرب.

أما حسن حمينة، مدير الضبط القضائي بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، فأبرز الطفرة النوعية التي عرفها الملف المتعلق بالإفراج المقيد بشروط، معتبرا أن عدد المفرج عنهم في هذا الإطار، وإن كان ضئيلا بالنظر لإجمالي الساكنة السجنية، فهو يعتبر “إنجازا رمزيا مهما جدا”.

وأورد حمينة أن من مزايا الإفراج المشروط الأثرين الإدراكي والوجداني، موضحا أن الأثر الأول يتمثل في تشجيع المعتقلين على الاندماج داخل المؤسسات السجنية وضمان حسن سلوكهم، بينما الأثر الوجداني يتمثل في إيصال رسالة بأن المجتمع والوطن يمنحان فرصة ثانية للمعتقل لفتح صفحة جديدة والاندماج كعضو منتج داخل المجتمع.

من جانبه اعتبر المنسق العام لمؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، عبد الواحد جمالي الإدريسي، أن إصلاح المحكوم عليه بحكم سالب للحرية من خلال هذه الآلية الجديدة يدفعه للخروج “من الاتكالية إلى الاعتمادية” والانخراط في البرامج الإدماجية والتأهيلية، وترجمة ذلك بالامتثال للنظم والقوانين وتهذيب سلوكه بما يتفق والقيم والفضائل النبيلة في المجتمع، موضحا أن هذه “الآلية تجعل المحكوم عليهم في منزلة بين المنزلتين، لا هم بسجناء بالكامل ولا مفرج عنهم كليا، وتساهم في دمجهم في عالم الحرية والإنتاجية”.

أما مديرة القسم القانوني بالمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب، تيريز رايتر، فنوهت بالتقدم الكبير الذي أحرزه المغرب في هذا المجال بعد اعتماد تشريعات جديدة رفعت من معدلات الإفراج المقيد بشروط، معتبرة أنها آلية “بالغة الأهمية للمجتمع ومنظومة العدالة”، لكونها تساهم في تقليل معدلات العود إلى الجريمة وتساعد في إعادة الاندماج في المجتمع.

وبعد حفل افتتاح الندوة، الذي تميز بعرض شريط تعريفي بآلية الإفراج المقيد بشروط، تم تنظيم جلسات علمية حول “الإفراج المقيد بشروط وتوسيع فرص الإفراج”، و”الإفراج المقيد وتحدي ضبط المخاطر”.

المصدر: هسبريس

شاركها.