اخبار المغرب

نقاش مندوبية التخطيط و”منظمة التعاون” مفيدٌ لتدقيق البيانات

قال محمد عادل إيشو، أستاذ الاقتصاد بالمدرسة العليا للتكنولوجيا بخنيفرة، مختص في الاقتصاد القياسي، إن “النقاش الدائر، مؤخرا، بين المندوبية السامية للتخطيط (HCP) ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية(OCDE) بمناسبة نشر الدراسة الاقتصادية الأولى حول المغرب (البرنامج القُطري الثاني) يَحمل في طيّاته أهمية إستراتيجية، ليس فقط على مستوى التدقيق في البيانات، بل أيضًا على مستوى تعزيز الثقة الدولية في النظام الاقتصادي المغربي”.

وأورد إيشو في مقال له توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “رغم التزام المغرب بمعايير NSDD منذ عام 2005 فإن الثغرات الموجودة في بعض الفئات من البيانات، مثل معدلات الفائدة على سندات الدولة، مؤشرات البورصة، والقروض التجارية قصيرة الأجل، تشير إلى وجود هامش للتحسين”، مسجلا أن “هذه الفجوات ليست مجرد نقص في المعلومات، بل تمثل تحدياً حقيقيًا في ما يتعلق بتوفير صورة كاملة وشاملة عن الحالة الاقتصادية في البلاد”.

هذا نص المقال:

تُبرز هذه التحليلات التفاعل الحيوي بين تقرير منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) وردِّ المندوبية السامية للتخطيط (HCP) في المغرب. لقد استند تقرير OCDE بشكل كبير إلى البيانات الإحصائية المقدمة من قبل HCP، إذ تمت الإشارة إليها 31 مرة، ما يعكس الأهمية الكبيرة لهذه المؤسسة كمصدر رئيسي للبيانات الاقتصادية في المغرب. إن هذا العدد الكبير من الإشارات يؤكد اعتماد OCDE على المعلومات الصادرة عن المندوبية، ما يعزز مكانة هذه المؤسسة والثقة التي تحظى بها في الدوائر الدولية.

من خلال قراءتي لهذا الجدال يتضح أن تقرير OCDE أشاد في عدة مناسبات بدور HCP في تقديم بيانات اقتصادية موثوقة، وخاصة تلك المتعلقة بسوق العمل والظروف الاجتماعية.

يشير التقرير إلى جودة الدراسات التي يجريها HCP، مثل المسح الوطني للتشغيل والدراسات حول التفاوتات الاجتماعية، التي تسهم في فهم أكثر دقة للوضع الاقتصادي والاجتماعي في المغرب.

ورغم هذا التقدير أصدرت المندوبية السامية للتخطيط ردًا قويًا على تقرير OCDE، مصححة بعض المغالطات التي وردت فيه. أكدت HCP أن بعض البيانات التي أشار إليها التقرير لم تكن دقيقة. وفي هذا السياق شددت المفوضية على أنها تجري مسوحات شاملة ومنتظمة تغطي مختلف جوانب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، مثل المسح الوطني للتشغيل الذي يتم بشكل ربع سنوي، ومسح الأسعار الاستهلاكية الشهري.

ومن هنا يبدو أن المندوبية السامية للتخطيط لم تقف عند هذا الحد فقط، بل قامت بإجراء دراسات تتعلق بقضايا الساعة، مثل أهداف التنمية المستدامة والدخل، ما يعزز مصداقيتها في تقديم بيانات محدثة وشاملة.

لكن يبقى السؤال الأهم في هذا الحوار: هل يلتزم المغرب كليًا بمعايير النشر الدولية؟. في هذا الصدد أشارت المندوبية إلى أنها تلتزم بتطبيق معايير نظام المحاسبة الوطنية للأمم المتحدة، الذي يعد المعيار الدولي الأساسي لضمان مصداقية الحسابات الوطنية. كما أن المغرب يلتزم منذ عام 2005 بمعايير صندوق النقد الدولي لنشر البيانات، وهو ما يعكس التزامًا طويل الأمد بالشفافية في نشر البيانات.

ومع ذلك أعربت المندوبية عن استغرابها بعض الانتقادات التي طالت بيانات المحاسبة الوطنية، مؤكدة أن جميع البيانات والإحصاءات تُنشر بشكل دوري وفقًا للمعايير الدولية، مع احترام القوانين المتعلقة بسرية المعلومات وضمان خصوصيتها.

وباعتباري اقتصاديًا متابعاً لهذا الجدال أرى أن النقاش الدائر بين المندوبية السامية للتخطيط (HCP) ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) يحمل في طياته أهمية إستراتيجية، ليس فقط على مستوى التدقيق في البيانات، بل أيضًا على مستوى تعزيز الثقة الدولية في النظام الاقتصادي المغربي. ورغم التزام المغرب بمعايير NSDD منذ عام 2005 فإن الثغرات الموجودة في بعض الفئات من البيانات، مثل معدلات الفائدة على سندات الدولة، المؤشرات البورصية، والقروض التجارية قصيرة الأجل، تشير إلى وجود هامش للتحسين. هذه الفجوات ليست مجرد نقص في المعلومات، بل تمثل تحديًا حقيقيًا في ما يتعلق بتوفير صورة كاملة وشاملة عن الحالة الاقتصادية في البلاد.

علاوة على ذلك فإن هذا النقص في البيانات قد يثير بعض الشكوك لدى المستثمرين والشركاء الاقتصاديين، خاصة في بيئة دولية حيث البيانات الدقيقة والمحدثة تلعب دورًا رئيسيًا في اتخاذ القرارات المالية والاستثمارية. فمع انتشار الاقتصادات القائمة على البيانات يصبح من الضروري أن يسعى المغرب إلى تعزيز مستوى الوضوح والشفافية، حتى يتمكن من اجتذاب المزيد من الاستثمارات وتعزيز الثقة الدولية في مؤسساته.

إلى جانب ذلك فإن ما يزيد من أهمية هذه المسألة هو طبيعة الأسواق العالمية اليوم، إذ تعتمد بشكل كبير على توقعات دقيقة حول الأسواق المالية والفوائد والعوامل الاقتصادية الأخرى. وغياب بعض هذه البيانات قد يؤدي إلى تقييمات غير دقيقة للوضع المالي في المغرب، ما قد يؤثر سلبًا على مكانته في الأسواق العالمية.

وفي هذا السياق فإن الانتقال إلى معيار NSDD Plus ليس مجرد خطوة تقنية، بل هو خطوة إستراتيجية تعكس التزام المغرب بمواكبة المعايير الدولية المتقدمة. تبني هذا المعيار لن يسهم فقط في سد الثغرات الحالية في البيانات، بل سيعزز كذلك مصداقية النظام الإحصائي المغربي على المستوى الدولي، ويجعل من المغرب نموذجًا للشفافية والوضوح في المنطقة.

وبالإضافة إلى ذلك فإن تحسين آلية نشر البيانات لا يعزز الثقة بين الشركاء الدوليين فحسب، بل يسهم أيضًا في تحسين الإدارة الداخلية للبلاد. إذ إن توفر بيانات دقيقة ومحدثة بشكل مستمر يتيح للحكومة وصناع القرار متابعة التطورات الاقتصادية بشكل أفضل، واتخاذ قرارات أكثر دقة بناءً على معلومات حقيقية وموثوقة. وهذا من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي على النمو الاقتصادي وعلى الاستقرار الاجتماعي في البلاد.

في الختام أرى أن هذه الخطوة نحو تبني معايير NSDD Plus ستكون رافعة قوية لتعزيز مكانة المغرب كاقتصاد ديناميكي وشفاف، وتمنحه القدرة على المنافسة بشكل أقوى في الأسواق العالمية.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *