أثارت حلقة نقاش نشرها عبد الخالق كلاب، الباحث في التاريخ، استضاف من خلالها خبيرَ المخطوطات محمد المسيح، تناولا فيها حقيقة وجود وطبيعة ما يُسمّى “قرآن بورغواطة” الأمازيغي على ضوء المصادر والكتابات التاريخية، (أثارت) غضبَ “المرصد المغربي لمناهضة التطبيع” الذي خرج ببيان دعا من خلاله إلى تحريك المتابعات القضائية ضد ترويج “الأفكار التخريبية”، معتبرا أن “السكوت عن هذا التلاعب المنظّم بالدين والهوية يُشكّل تواطؤا صريحا مع مشروع استعماري جديد يسعى إلى تفكيك المغرب من الداخل”.

وذكر المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، الذي يترأسه أحمد وايحمان، أن التصريحات المتضمَّنة في الحلقة “تمسّ جوهر العقيدة الإسلامية وتعتدي صراحة على ثوابت الدين الرسمي للمغاربة”، من قبيل الادعاء بوجود “قرآنات” متعدّدة وأنبياء بعد النبي محمد، مستنكرا ما وصفه بـ”العبث الممنهج بالمقدّسات الدينية والأمن الروحي للمغاربة”.

واعتبر البيان ذاته أن “هذه السلوكيات تندرج في سياق مشروع صهيوني أوسع تم التحذير منه منذ سنوات، يقوم على محاولة تفكيك الهوية الجامعة للمغاربة وضرب الإسلام والعروبة في العمق، عبر تسويق بدائل دينية زائفة تمهيدا لزعزعة المرجعية الإسلامية الجامعة، وتبرير التطبيع والاختراق الثقافي والفكري”، حسب تعبيره، مندّدا بـ”محاولات توظيف الأمازيغية كغطاء لأجندات صهيونية استعمارية تسعى إلى ضرب وحدة البلاد ومقوماتها الدينية والحضارية”.

في رده على اتهامات خدمة أجندة “التطبيع” داخل المجتمع المغربي، قال عبد الخالق كلاب، باحث في التاريخ، في تصريح لهسبريس، إن “الحلقة مع السيد محمد المسيح، باعتباره خبيرا في الخطاطة والمخطوطات، كانت حول ‘قرآن بورغواطة’ وما قيل وكتب عنه في المصادر التاريخية”، مضيفا أن “المسيح كانت له قراءة حول هذا الموضوع على ضوء تخصّصه”.

وأضاف أن “قرآن بورغواطة كتبه صالح بن طريف البرغواطي باللغة الأمازيغية، وهو ابن طريف الذي كان أحد زعماء الثورة المورية التي قضت على الوجود الأموي بالمغرب. ووفقا للمصادر التاريخية، يضمّ هذا الكتاب 80 سورة، وهناك بعض الشذرات منه مترجمة إلى العربية، منها ما ورد في كتاب ‘المسالك والممالك’ لأبي عبد الله البكري، وأخرى في كتاب ‘الاستبصار في عجائب الأمصار’ لمؤرخ موحدي، وبالتالي تؤكّد المصادر والوثائق التاريخية فعليا وجود هذا الكتاب”.

وتابع كلاب بأن “الخلاف يبقى حول ما إذا كان مجرد ترجمة للقرآن الكريم أم قرآنا مستقلا، لكن باعتماد مقاربة علمية تاريخية نجد أن هناك سورة من هذا الكتاب تتحدث عن العلم الذي كان موجودا في إمارة بورغواطة آنذاك، كما أن ابن حوقل الذي زار المغرب أكّد أن الناس كانوا يقرؤون القرآن الكريم الذي أُنزل على النبي محمد، ويؤولونه ويفهمونه على ضوء ما جاء في ‘قرآن بورغواطة’، وبالتالي يظهر أن الأمر لا يتعلق بترجمة للمصحف بل بكتاب مستقل عنه”.

وأشار إلى أن “هناك من يبني فكرة أن هذا ‘القرآن’ وحيٌ أُنزل على صالح بن طريف؛ كونه من الأنبياء، وأن هناك عدة كتب أخرى ظهرت في عدد من المناطق، بما في ذلك بلاد الحبشة، ما بين القرنين الخامس والعاشر الميلادي”، مشدّدا على أن “الهدف من إثارة هذا الموضوع ليس زعزعة إيمان أو عقيدة المغاربة، لأن الدين الإسلامي أكبر بل أقوى من ذلك، بل فقط طرح أفكار ومناقشتها ومقارعتها بأفكار أخرى، إما تزكّيها أو تدحضها، وهذا هو منطق التفكير السليم وليس التخوين”.

وأبرز الباحث ذاته أن “ما صدر على لسان ما يسمى مرصد مناهضة التطبيع ليس سوى هذيان ومحاولة لتجييش الرأي العام المغربي، بل والتحريض على التصفية الجسدية عبر استغلال الدين، لأن المسلم الحقيقي والمؤمن القوي يجب أن يتقبّل جميع الأفكار ويناقشها، خاصة إن لم تكن من وحي الخيال وتجد لها إرهاصات في عدد من الوثائق التاريخية التي يُستدلّ بها وتُعتمد كمصادر في مواضيع أخرى”.

ورفض المتحدث ذاته “فرض وصاية على الدين الإسلامي أو استغلاله لتجييش مشاعر العامة من الناس”، مؤكدا أن “الذين يقومون بمثل هذه الأفعال، كما مرصد مناهضة التطبيع في هذه الحالة، لا يهمهم لا الدين ولا عقيدة المغاربة ولا حتى وطنهم، والدليل أنهم التزموا الصمت عندما اعتمد مجلس الأمن قرارا تاريخيا حول الصحراء المغربية، ولم يفرحوا مع المغاربة الذين خرجوا إلى الشوارع تعبيرا عن سعادتهم بهذا القرار”.

وخلص إلى أن “الإسلاميين واليساريين العروبيين إنما يستغلّون الدين والقضية الفلسطينية لتصفية حساباتهم مع الدولة المغربية والهجوم عليها وضرب هويتها الحقيقية لصالح هويات دخيلة، بل ويستاؤون أن يسمعوا كلمة ‘مغربي أمازيغي’، ويحاولون توظيف الدين وكل شيء لتبرير هذا الاستلاب”، لافتا إلى أن “موضوع ‘قرآن بورغواطة’ موضوع بسيط يُناقش على أسس علمية ومنهجية، لكن اختاره هؤلاء مطيّة للظهور مجددا على الساحة بعدما تجاوزهم التاريخ وانكشفت عورتهم الفكرية التي لا تدين بالولاء لتراب هذا الوطن، ولذلك كان يجب أن يصنعوا حدثا لتسجيل الحضور ليس إلا”.

المصدر: هسبريس

شاركها.