السؤال العريض الذي يفرض نفسه بإلحاح على كل متتبع للشأن التنموي هو: لماذا نفق تيشكا بالضبط؟ لماذا كل هذا الرهان الوطني على مشروع يبدو ظاهريًا مجرد بنية تحتية تربط بين مراكش وورزازات، ولكنه في العمق يتجاوز بكثير حدود الطريق والممر الجبلي؟ الحقيقة أن نفق تيشكا هو مشروع حياة وتنمية وعدالة مجالية قبل أن يكون مجرد أشغال هندسية ضخمة. إنه تجسيد لرؤية مغربية جديدة في التعامل مع الفوارق المجالية، وتصحيح اختلالات تاريخية أثرت على مسار تنمية الجنوب الشرقي لعقود طويلة.

فالجنوب الشرقي لم يكن يومًا فقيرًا في الإمكانات، بل كان فقيرًا في الربط الترابي. تضاريس قاسية، طرق ملتوية، ومرتفعات خطرة جعلت الطريق بين مراكش وورزازات واحدًا من أصعب المسالك الوطنية. وفي كل خريف وشتاء، كانت المنطقة تتعرض لعزلة تامة بسبب الانهيارات والصقيع وتساقط الثلوج. هذا الوضع لم يكن مجرد صعوبة تنقل، بل كان عائقًا حقيقيًا أمام الاستثمار، والتجارة، والخدمات الاجتماعية، وفرص الشغل. كانت المنطقة تدفع ثمن الجغرافيا من رصيد التنمية، وتتحمل كلفة باهظة نتيجة الفارق الكبير بين المغرب المركز والمغرب العميق.

من هنا يكتسب نفق تيشكا مكانته كاختيار وطني استراتيجي، يهدف إلى إعادة إدماج هذه الجهة الحيوية في الدورة الاقتصادية الوطنية، وتجاوز تلك القطيعة الترابية التي رافقت تاريخ المنطقة. إنه المشروع الذي سيُعيد رسم الخريطة التنموية للمغرب، عبر توطيد الربط بين جهات المملكة، وتقليص الفوارق، وتحقيق العدالة المجالية التي أكد عليها جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده في غير ما مناسبة.

إن ما يجعل هذا المشروع ذا قيمة مضافة استثنائية هو أثره الاقتصادي المنتظر. فالنفق ليس مجرد طريق أسرع بين جهتين، بل هو رافعة حقيقية للاستثمار. تقليص المسافة الزمنية بين مراكش وورزازات، وتخفيض تكاليف النقل واللوجستيك، سيفتح أمام الجنوب الشرقي آفاقًا جديدة للاستثمارات الوطنية والأجنبية. قطاعات السياحة، والفلاحة الواحية، والطاقة الشمسية، والمعادن، والصناعات التحويلية ستجد في هذا الممر الجديد بيئة أكثر جاذبية واستقرارًا. المنطقة التي كانت تُصنَّف ضمن المجالات المحدودة الولوج، ستتحول إلى مجال مفتوح ديناميكي، قادر على خلق الثروة وتوفير فرص الشغل، ورفع تنافسية الجهة على الصعيد الوطني.

وما يزيد من أهمية هذا المشروع أنه سيعيد رسم الخريطة الاقتصادية للمغرب، عبر توزيع أفضل للمشاريع والفرص، وتخفيض الضغط عن محور الدار البيضاءالرباططنجة الذي يحتكر معظم الأنشطة الاقتصادية. إن إنجاز نفق تيشكا هو مساهمة في بناء مغرب يسير بسرعة واحدة، وليس مغربين بسرعتين؛ مغرب لا يستمر فيه المركز في الجري إلى الأمام بينما تظل الأطراف تكافح للحاق به.

لكن البعد الإنساني والاجتماعي لهذا المشروع لا يقل أهمية. فالطرق ليست مجرد بنى تحتية جامدة، إنها حياة يومية، وفرص، وعلاقات إنسانية. الطريق المؤدية إلى الجنوب الشرقي ظلت لعقود رمزًا للخطر والصعوبة، وما كان يُفترض أن يكون طريقًا للتنمية كان في كثير من الأحيان طريقًا للمعاناة. الأسر التي تضطر للتنقل من أجل العلاج أو الدراسة أو العمل، والتجار الذين ينقلون بضائعهم، والطلبة، والموظفون… كل هؤلاء عانوا لسنوات من صعوبة هذا الممر الجبلي. إن إنجاز نفق تيشكا هو في جوهره قرار إنساني، يضمن الأمان في السفر، ويقرب المسافات بين العائلات والمناطق، ويعيد للساكنة شعورًا بالارتباط الحقيقي بباقي جهات الوطن.

وإذا كان الحديث عن التنمية المستدامة يرتكز على ضرورة بناء اقتصاد قوي ومندمج، فإن هذا الاقتصاد لا يقوم دون ربط ترابي ذكي. كل المشاريع الكبرى التي تُخطط لها جهة درعة تافيلالتمن مناطق صناعية، ومجالات لوجستيكية، ومشاريع سياحة بيئية، وتنمية الفلاحة الواحية، والطاقات المتجددةتظل محدودة التأثير إذا ظل الولوج إلى الجهة مرهقًا ومعقدًا. الطريق ليست تفصيلًا تقنيًا، بل هي شرط لازم لنجاح أي مخطط تنموي. لذلك يشكل نفق تيشكا المدخل الحقيقي لكل رؤية مستقبلية للجهة، والأساس الذي ستُبنى عليه باقي المشاريع.

إن هذا المشروع ليس استثمارًا في الحجر، بل في الإنسان. ليس استثمارًا في الطريق، بل في العدالة والمساواة. وليس رهانًا تقنيًا فقط، بل رهانًا سياسيًا وتنمويًا على مغرب متوازن في كل جهاته. إنه إعلان واضح بأن زمن الفوارق المجالية يجب أن ينتهي، وأن التنمية لم تعد حكرًا على الجهات القريبة من المركز.

وعندما نطرح سؤال: لماذا نفق تيشكا بالضبط؟ فالإجابة تتشكل اليوم بوضوح: لأنه طريق نحو مغرب متكامل، حيث تصبح الجغرافيا عنصر قوة وليس عائقًا، وحيث تصبح الجهات كلها جزءًا من حركة تنموية واحدة لا تتخلف فيها أي منطقة عن الركب. إنه بوابة نحو مستقبل تنموي أكثر توازنًا وإنصافًا، ومفتاح لفتح المجال أمام أجيال جديدة من المشاريع التي ستغير ملامح الجنوب الشرقي لعقود قادمة.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.