استبق النظام الجزائري دعوات التظاهر والخروج إلى الشوارع، اليوم الجمعة، التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، في إطار حركة “جيل زد 213″، بإنزال أمني كثيف في العاصمة الجزائر، حسب ما أفاد به متابعون للشأن الداخلي الجزائري. وقد رافق ذلك إشاعة جو من التخويف عبر التلميح إلى وجود “أيادٍ خارجية” تقف وراء هذه الدعوات، مع إقحام متعمد لاسم المغرب.
وعمد النظام الحاكم في هذا البلد المغاربي، عبر أذرعه الإعلامية، إلى توجيه رسالة واضحة إلى المتظاهرين المحتملين مفادها أن أي حراك شعبي جديد لن يُنظر إليه كمطالبة مشروعة بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتأزمة؛ بل سيُصوَّر على أنه مؤامرة خارجية مدعومة لضرب استقرار البلاد، ستواجه كسابقاتها بصرامة من الأجهزة الأمنية.
وظهرت ملامح هذه المقاربة الاستباقية في منشور لوكالة الأنباء الجزائرية، الثلاثاء الماضي، مباشرة بعد بروز هذه الدعوات؛ فقد اعتبرت أن “الدعوات التي ضخمتها وسائل الإعلام المغربية لا تندرج في إطار مطالب اجتماعية بحتة.. بل هي محاولة للنيل من تماسك الجبهة الداخلية الجزائرية”، على حد تعبيرها، مدعية أن “الجزائر، خلافا لجارتها، تعتمد نموذج الدولة الاجتماعية التي لا تزال توفر شبكات حماية قوية للأسر، ورعاية صحية وتعليما مجانيين.. وتُصنَّف ضمن البلدان الأكثر تقدما في إفريقيا في مجال التنمية البشرية”.
من جانبه، اعتبر النائب البرلماني الجزائري عبد الوهاب يعقوبي أن “الدعوات، التي أطلقها شباب ’جيل زد‘ على مواقع التواصل الاجتماعي، تعكس رغبتهم في التعبير عن آرائهم، خاصة في عصر التواصل الرقمي”.
وأبرز يعقوبي، في تصريح لوكالة “سبوتنيك” الروسية، أن “جزءا من هذه الدعوات حقيقي ومنبثق من الشباب الجزائري، الذي يشعر بالإحباط والرغبة في التعبير”.
وأضاف النائب البرلماني الجزائري ذاته أن “هناك أيضا مبادرات مُنسَّقة أو ممولة من جهات خارجية تحاول استغلال أدوات التواصل الاجتماعي للتحشيد، سواء بهدف اختبار ردود الفعل الأمنية والسياسية، أو خلق مطالب عامة قد تُستخدم كورقة تفاوض، أو لإثارة الانقسام والتشكيك في مدى سيطرة الدولة. أما في الحالة الخارجية؛ فقد تهدف هذه التحركات إلى التأثير على صورة الجزائر دوليا وإضعاف الداخل من الداخل”.
وأشار يعقوبي إلى أن “بعض الجهات الأجنبية تحاول استغلال الأوضاع الداخلية في الجزائر لإحداث توتر أو الترويج لسرديات إعلامية ضد الاستقرار الوطني”؛ لكنه شدد في الوقت ذاته على أن “وجود مثل هذه المحاولات لا يبرر تجميد الحريات أو فرض الصمت على الرأي الشعبي”.
في المقابل، أكد شوقي بن زهرة، الناشط السياسي الجزائري المعارض، أن “السلطات لم تنتظر حتى تتشكل أي تجمعات أو تتحرك دعوات التظاهر؛ بل لجأت إلى إنزال أمني كثيف في قلب العاصمة لمنع أي تحرك شعبي محتمل”.
وأضاف بن زهرة، في تصريح لهسبريس، أن “مشاهد الانتشار الأمني، سواء من خلال عناصر بالزي الرسمي أو مدنيين منتشرين في شوارع العاصمة، صارت مألوفة كل يوم جمعة تقريبا، حيث تشهد العاصمة عادة وقفات احتجاجية؛ غير أن حجم القوات المنتشرة هذه المرة كان أكبر بكثير من المعتاد، بالتزامن مع دعوات الاحتجاج على وسائط التواصل الاجتماعي”.
وأوضح الناشط السياسي الجزائري المعارض أن “أجهزة النظام لم تكتف بتشديد القبضة الأمنية على العاصمة؛ بل عمدت أيضا إلى بث الرعب في صفوف المواطنين، معيدة العزف على سمفونية المؤامرة والأذرع الخارجية، وبالتحديد المغرب، وهو أسلوب مفضوح بات وصفة جاهزة يلجأ إليها النظام كلما اشتد عليه الخناق داخليا”.
وتابع المتحدث عينه: “لم يستطع هذا النظام تطوير آليات تبريرية أخرى، ويستمر في استغفال الشعب الجزائري عبر توجيه الاتهامات الجاهزة للخارج وللمغرب، كما حدث خلال حرائق الغابات التي اجتاحت عدة مناطق في الجزائر، أو عند بروز حركة ’مانيش راضي‘ على مواقع التواصل الاجتماعي، التي وُصمت هي الأخرى بأنها مرتبطة بأجندات خارجية تهدف إلى ضرب استقرار الجزائر، وكأن البلد فعلا مستقر والمواطن البسيط لا ينقصه شيء”.
وأبرز الناشط السياسي الجزائري المعارض إلى أن “النظام يسعى إلى القضاء على كل مظاهر الاحتجاج مهما كانت أهدافها، والدليل منعه حتى للاحتجاجات المؤيدة للقضية الفلسطينية التي يدّعي أنه يحمل مشعلها”.
واختتم بن زهرة تصريحه لهسبريس بالقول إن “الجزائريين يعيشون حالة من الصمت المفروض والخوف من الخروج إلى الشوارع بسبب التهم الجاهزة والأحكام السجنية الطويلة التي باتت تلاحق كل من يجرؤ على المشاركة في أي شكل احتجاجي”.
المصدر: هسبريس