مرة أخرى، عادت إشكالية تنخيل شوارع المدن لتثير امتعاض عدد من الفاعلين البيئيين بالمغرب من “غياب سياسة لتهيئة الحواضر تستحضر عدم تناسب النخيل مع طبيعتها وعدم إسهامه في توفير الظل والراحة والاستجمام أو في امتصاص ثاني أوكسيد الكربون، هذه الفوائد التي تستأثر بها الأشجار”.

حركة مغرب البيئة 2050 لاحظت تجدد هذه الإشكالية في الدار البيضاء؛ فقد التقطت “غرسا حديثا لنخيل الواشنطونيا” بأحد شوارع حي التيسيير بالقرب من شارع أولاد زيان. وقالت: “هذا الشارع كما كل شوارع الدار البيضاء ومدن المغرب يحتاج إلى الأشجار، بينما تم غرس النخل”.

وتساءلت الحركة باستنكار، على صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “لماذا؟ وأنتم تعرفون جيدا أنه يجب نبذ النخل بمدننا، وأن والي الدار البيضاء أقر بأنه يجب وقف غرس النخل!”.

جاء ذلك، أياما بعدما انتقدت الحركة إزالة الأشجار من شارع الميليا، بحي الرياض بالعاصمة الرباط. واعتبرت، في تعقيبها على الأمر، أن “السياسة الجديدة لتهيئة المدن الكبرى تسري عكس متطلبات الطوارئ البيئية والمدينة الذكية”، حيث هناك “توسيع الشوارع” و”تضييق الأرصفة” و”اقتلاع الأشجار المعمرة، ليس دائما بل غالبا”، مع “حذف المحور البيني، ليس دائما بل غالبا”، أيضا.

وقالت التنظيم المدني ذاته إنه سبق أن راسل جماعة الرباط، “قبل بداية أشغال تجديد الشوارع والبنيات التحتية من أجل الحفاظ على تراث الأشجار المعمرة والمحاور البينية”؛ لكن “يظهر أن الجماعة تريد الاشتغال لوحدها متجاهلة تنبيه وتحسيس الجمعيات المتخصصة في الميدان”.

إشكالية كفاءة

المصطفى العيسات، خبير في المجال البيئي والتنمية المستدامة والمناخ، قال: “إذا ما استثنينا مراكش وإفران والرباط، نجد أن باقي المدن المغربية تشكو غياب أهل التخصص الأكفاء في مجال التشجير والبستنة والهندسة الجمالية داخل المجالس الجماعية”.

وأضاف العيسات، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الكثير من المنتخبين بهذه المجالس لا يستحضرون أهمية الأشجار وجمالية المدن”.

وأوضح الخبير في المجال البيئي والتنمية المستدامة والمناخ أن “غرس النخيل في عدد من الشوارع الحضرية لا يخضع إلى أي ثقافة إيكولوجية سليمة، إذ إن هذا النوع من الأشجار كما غالبية تلك التي يتم تشجيرها لا تمنح لا منظرا جماليا ولا يستفاد منها بيئيا”، مردفا أنها “لا تساهم في امتصاص ثاني أوكسيد الكربون”.

ولفت المتحدث عينه إلى أن “الأشجار لم تحضر داخل شوارع المدن كما في السابق، فشارع النصر بالرباط مثلا كان مليئا بالأشجار التي توفّر الظّل والجمالية والراحة للمارة”، مشددا على أن “التغييرات في النمط الإيكولوجي التي تتعرّض لها المدن المغربية تؤثر أيضا على الحالة النفسية للساكنة”.

“دوافع قائمة”

من جانبه، رجّح مصطفى بنرامل، رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، أن “يكون الإصرار على تنخيل عدد من المدن التي لا يناسب النخيل خصوصياتها ناتجا عن آراء أحادية إما لأشخاص يريدون فقط تزيين المدينة كيفما اتفق، أو لغرض إطلاق صفقات ومنحها لشركات معينة أو أشخاص لا تربطهم بجمالية المدينة أو دور النباتات في مكافحة التغيرات المناخية أي علاقة”.

وقال بنرامل، ضمن تصريح لهسبريس، إن “المدن المغربية الواقعة على محور مراكش الكويرة يمكن أن يتم غرس النخيل في شوارعها وحدائقها”، مستدركا بأنه “على الرغم من ذلك، فإن هذه الشوارع تظل في حاجة إلى أشجار أخرى قادرة على التأقلم مع ارتفاع درجات الحرارة، ونقص التساقطات المطرية، بما أن لها دورا فعالا في امتصاص ثاني أوكسيد الكربون”.

أما المناطق المغربية الشمالية والجبلية والغربية، فإن غرس النخيل بمدنها يبقى، في منظور الخبير البيئي، “أمرا مرفوضا بالمطلق؛ نظرا لأن هذا النوع من الأشجار يعد دخيلا على الوسط الحضري”.

ولفت رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ إلى أن “مدن شمال وغرب المملكة تشهد كثافة سكانية كبيرة وتنقلا كبير بواسطة وسائل النقل”، مستنتجا أن “هذا يفرض تكثيف غرس الأشجار المورقة والملائمة، القادرة على لعب دور امتصاص ثاني أوكسيد الكربون وتوفير الظل والاستجمام والراحة للساكنة والزوار”.

المصدر: هسبريس

شاركها.