نرايس يكرم “وجوه الحي المحمدي”
احتضن فضاء عبد الهادي بوطالب بالمكتبة الوسائطية التابعة لمؤسسة مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، السبت، حفل تقديم وتوقيع إصدار بعنوان “الحي المحمدي وجوه وأمكنةمحكيات ومرويات” للكاتب حسن نرايس.
شكلت هذه الفسحة الثقافية مناسبة حاول من خلالها عدد من الأساتذة والباحثين إلى جانب صاحب الكتاب إبراز المعالم الكبرى التي أطرت وحكمت إنتاج هذا الأخير كسردية ذاتية حضرت فيها عناصر البوح والحكي، ومحاولات النبش في ذاكرة جغرافيا إنسانية لها عراقتها التاريخية في ذاكرتنا الجمعية مثل الحي المحمدي بالدار البيضاء.
تمثلت الأرضية التي حركت نقاشات هذه الفسحة القرائية حول كتاب حسن نرايس في ثلاثة محاور؛ أولها أن القيمة الرمزية والنوعية لهذا الإصدار قد احتلت هامشا مهما في أحاديث هذا اللقاء، ككتابة، حاول من خلالها نرايس الانتصار عبر محكياتها السردية لزخم الذاكرة الوطنية والثقافية والشعبية التي ينطق به الفضاء التاريخي للحي المحمدي كمجال تمكن من أن يؤثث لنفسه حضورا من نوع خاص داخل اللاوعي الجمعي الوطني للمغاربة.
واعتبرت المداخلات أن إصدار نرايس لهذا الكتاب علامة على وفاء جيل من أبناء الحي المحمدي لذاكرة هذا الحي وقيمه الوطنية والثقافية التي رسمها على مر تاريخه الوطني والجمعي الشعبي، وهو ما تقاطع مع إشارات أكدت هي الأخرى أهمية الاستحضار أو عملية الاستنطاق الأفقي التي قام بها نرايس لمساحات من ذاكرة فضاءات وأمكنة وشخوص ساهمت في تشكيل الزخم الإنساني وفعل الإنتاج متعدد المجالات بالحي المحمدي.
كما أجمع المتدخلون على أن هذا المعطى منح هذه السردية المكتوبة عمقا نوستالجيا ممزوجا بنفس توثيقي سردي.
أما المحور الثاني الذي بدا كمحرك رئيسي آخر لنقاشات هذه اللحظة القرائية، فارتبط بمحاولات المتدخلين سبر أغوار معالم المتن السردي والحكائي الذي طبع في عموميته الإصدار الجديد الذي ظهر أنه انطلق من بؤرة رئيسية عنوانها عمق التجربة الوجودية التي عاشها صاحب الكتاب نفسه داخل دروب وأزقة الحي المحمدي، معانقا منذ طفولته الأولى عوالم الدهشة والسؤال حول سرديات كانت تبدو مألوفة إلا أنها حملت في مضمونها المعيشي عمقا هوياتيا جمعيا حول قضايا الحياة والموت والتحديات الاجتماعية.
وحاول نرايس أن يتعايش مع هذه القضايا، بل ويتمرد على سلطتها في أحايين كثيرة، حسب ما نطقت به أنفاس هذه النقدية القرائية للكتاب، التي أكد البعض أن زخم تجربة الكتابة عند المؤلف وقدرته الخاصة على التقاط التفاصيل وعرضها فيما بعد بكتابة يلتقي فيها نسبيا السرد بالحكي والنفس الساخر، محددات كانت وراء النجاح النسبي لنرايس في بناء سردية كتاب “الحي المحمدي وجوه وأمكنة”.
وعزز الكاتب نجاحه ذاك بمحدد العيش والانصهار الوجداني مع أماكن وشخوص بعينها داخل تراب الحي المحمدي كدرب مولاي الشريف ومسيد سي سعيد، مرورا بإعدادية المستقبل، وصولا إلى ثانوية عقبة بن نافع كفضاءات تعليمية عرفت عند أجيال من تلامذة الحي المحمدي بأسماء حراسها دلالة على ما كان لهؤلاء من سلطة مرجعية وقيمية.
واستحضرت القراءة النقدية حضور أمكنة ووجوه في سرديات كتاب نرايس كعلامات نطقت بحركة اجتماعية وثقافية وحتى سياسية ميزت تاريخيا مجتمع الحي المحمدي خلال الخمسينات والستينات والسبعينات من القرن العشرين، مثل ساحات الفرجة الشعبية الشهيرة وقاعات السينما التي لا تزال أسماؤها حاضرة في الذاكرة الثقافية الجمعية المغربية، خاصة سينما السعادة.
بالإضافة إلى سرد محكيات لسير شخوص خاصة مثل “العربي السيرور” و”مجنونة الحي المحمدي” كعلامات شاهدة هي الأخرى عن تناقضات اجتماعية حكمت بإنتاجها إرهاصات صراعات معيشية لساكنة قدر لها مجاليا، منذ عقود التأسيس الأولي لذاكرتها الجمعية وهي متعددة الانتماء الهوياتي القبلي لأغلب ربوع المغرب، أن تعيش شخوص منها خبرها نرايس تجارب وجودية جد خاصة في بحثها عن محاولات للعيش، حسب ما يستشف من أحاديث اللقاء نفسه.
كما وقفت على دلالة البورتريهات ذات الحمولة الأدبية النصية التي خص بها حسن نرايس داخل كتابه ثلاثين شخصية من أعلام الحي المحمدي المنتمين لمجالات متنوعة، أمثال الممثل محمد مفتاح والقاص حسن برما والراحل العربي الزاولي ومحمد السوسدي أحد رواد فرقة المشاهب، وآخرين وأخريات ظهر أن محدد انتقائهم الموضوعي من طرف الكاتب نفسه كان هو شرط المعايشة والتعارف معهم عن قرب والقرابة العمرية.
أما المحور الثالث الذي برز كأرضية أخرى لنقاشات هذا اللقاء الثقافي، فارتبط باستشراف ممكنات تثمين هذا المنجز السردي الحكائي والتوثيقي الذي قام به نرايس عبر هذا الكتاب لجزء من ذاكرة الحي المحمدي، حيث ذهب النقاش في اتجاه تأكيد أهمية هذا المؤلف واللقاء الذين يعبران عن إرادة حقيقية للتعريف بالوجه الثقافي الآخر والقيمي لمدينة اقتصادية كالدار البيضاء
كما شكل اللقاء مناسبة لدعوة باقي الكتاب والباحثين والمهتمين بالتنقيب في ذاكرة الحي المحمدي كتراث مغربي للبناء على الأرضية الفكرية والبحثية التي أسس لها نرايس داخل منجزه السردي، مع توسيع آفاق البحث الممكن في محكيات وأمكنة وشخوص جديدة ربما طبعت هي الأخرى بسردياتها المعيشية مساحة مهمة من ذاكرة حي شعبي كالحي المحمدي بالبيضاء له نصيب في بناء الذاكرة المغربية الجمعية على أصعدة عدة، وفق ما جاهر به حسن نرايس وبوشعيب فقار وعبد الله الشيخ في مداخلاتهم.
المصدر: هسبريس