ندرة المياه تطلق تخوفات خبراء مغاربة من تأثير العجز على الأمن الغذائي
يعيش المغرب وضعا صعبا بسبب توالي سنوات الجفاف وندرة التساقطات، الأمر الذي أدى بالعديد من المناطق إلى مواجهة صعوبات في تأمين حاجياتها من المادة الحيوية في عز شهر دجنبر، الأمر الذي يمثل وضعا غريبا في المملكة يستدعي دق ناقوس الخطر إزاء هذا الموضوع الحساس.
ويبدو أن الجو الصحو سيواصل بسط سيطرته على أجواء معظم مناطق المملكة خلال الأيام المقبلة، إذ تتوقع المواقع العالمية المتخصصة في رصد ونقل التوقعات الخاصة بالمناخ ألا تعرف البلاد تساقطات، بسبب المرتفع الجوي المستقر بالمنطقة، الذي يمنع وصول أي اضطرابات جوية محملة بالأمطار إلى المغرب والدول المجاورة.
وفي تعليقه على الوضع، يرى عبد الحكيم الفلالي، أستاذ باحث في علم المناخ، أن ما نعيشه اليوم من إجهاد مائي “لا يرتبط بمشكل الجفاف الذي عرفه المغرب في السنوات الثلاث الماضية فحسب، بل السبب الرئيسي هو عدم نجاعة سياستنا الفلاحية التي تستهلك 87% من الموارد المائية، بالموازاة مع مشكل الهدر المائي مع استمرار هيمنة السقي التقليدي”.
وأضاف الفلالي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن ما سماها “سرقة المياه”، سواء المياه السطحية أو مياه الفرشات الباطنية، ساهم في الوصول إلى هذا الوضع، لافتا إلى أن %91 من الآبار غير مرخصة، بالإضافة إلى الإكراه المتعلق بالاختيارات الفلاحية، من دون إغفال المشاكل القانونية، إذ أشار إلى أن “النصوص التنظيمية لقانون الماء 36.15 لم تخرج جميعها إلى حيز الوجود بعد”.
وأقر الخبير عينه بأن “الجفاف بالمغرب بات معطى هيكليا، لكن ما نعيشه اليوم من إجهاد مائي هو انعكاس طبيعي للسياسات والطرق الخاطئة التي ندبر بها مواردنا”، مؤكدا أن “وقع الجفاف يزداد بشكل أكبر على المغرب لكون المساحات الزراعية البورية تمثل 87%، ما يجعل الإنتاج الفلاحي يرتبط بالتساقطات المباشرة، وما يرافق ذلك من تداعيات ترتبط بارتفاع الأسعار وتراجع نسبة النمو الاقتصادي، وتراجع فرص الشغل”، بالإضافة إلى “تحفيز النزوح الريفي، بالموازاة مع شبح العطش الذي أضحى يهدد العديد من المجالات المغربية”.
كما اعتبر الفلالي أن “تخصيص نص الخطاب الملكي لموضوع الماء خلال افتتاح السنة التشريعية قبل أزيد من سنة يترجم من جهة عمق الأزمة، ويعطي أفقا جديدا تظهر من خلاله بوادر التكيف مع التغيرات المناخية”، مبرزا أن “حرص الملك محمد السادس على تتتبع المخطط الوطني للماء هو الذي يضمن إمكانية التصدي للعجز المائي؛ وهو ما يمكن الاستدلال عليه من خلال حجم الاستثمارات في هذا القطاع، من محطات تحلية مياه البحر، ومواصلة سياسة السدود، والاستمطار الاصطناعي، والاقتصاد في الاستهلاك، وإعادة النظر في الاختيارات الفلاحية”، حسب رأيه.
من جهته، أكد محمد بنعبو، الخبير في المناخ والبيئة، أن “المغرب يسجل اليوم أرقاما جد متدنية على مستوى حقينة السدود والأحواض المائية”، وزاد: “نتكلم عن أرقام تسجل لأول مرة على الصعيد الوطني”، مرجعا ذلك بالأساس إلى “السنوات المتوالية من الجفاف التي عاشتها المملكة منذ سنة 2018”.
وأضاف بنعبو في تصريح لهسبريس: “منذ 2018 ونحن نعيش على إيقاع تنازلي على مستوى التساقطات المطرية والثلجية”، مردفا: “ونحن على بعد أيام من فصل الشتاء لم تستقبل المملكة بعد الكميات الكافية التي يمكن أن تغطي العجز المائي الذي يتفاقم سنة بعد أخرى، ما يخلق فجوة بين الكميات الكافية من الماء والطلب المتزايد عليه”.
وسجل المتحدث ذاته بدوره أن “الفلاحة لوحدها تستهلك حوالي 87 بالمائة من الموارد المائية للمملكة، بالإضافة إلى مجموعة من القطاعات الحيوية التي تعتمد بشكل كبير على الماء”، وزاد موضحا: “إذا قمنا بإطلالة خفيفة على ميزانية 2024 في الشق المتعلق بالماء فقد سرعت من إيقاع الانفتاح على الموارد المائية التقليدية، والاستمرار في بناء السدود من أجل تخزين المياه التي تستقبلها المملكة طيلة أيام السنة”.
وتابع الخبير عينه: “تحلية مياه البحر تبقى من الروافد والحلول الإستراتيجية التي تعتمد عليها المملكة من أجل توفير العرض المائي”، مبرزا أن “محطة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء التي ستبدأ فيها الأشغال قريبا من شأنها تغطية العجز المائي الذي يعاني منه الحوض المائي لأم الربيع، الذي يغطي مجموعة من المدن، كالدار البيضاء وسطات والجهة الكبرى، بالإضافة إلى العجز المائي الذي يعرفه الحوض المائي لأبي رقراق”.
وأشار بنعبو أيضا إلى أن “الربط المائي مشروع إستراتيجي كبير لتحويل فائض المياه التي تصب مباشرة في البحر أو المحيط نحو الأحواض المائية الكبرى التي تعرف عجزا مائيا طيلة السنوات الماضية”.
وسجل الخبير ذاته أن “المغرب في قمة المناخ الأخيرة بالإمارات العربية المتحدة استطاع أن يبرم شراكات واتفاقيات مع الدول الصديقة من أجل تقاسم الخبرات والتجارب في هذا المجال”، مشيرا إلى أن “التحدي المناخي يلقي بظلاله على مجموعة من الدول بحوض البحر الأبيض المتوسط، التي تربطها شراكات عميقة وخصائص جغرافية ومناخية كثيرة، وتوحيد الجهود والرؤية يبقى من الحلول الإستراتيجية”، ولافتا إلى أن المملكة المغربية “تسير في هذا الاتجاه من أجل تحقيق مؤشرات الأمن المائي والغذائي على المستوى الوطني”.
المصدر: هسبريس