بحلول موسم البرد، تعود إلى الواجهة معاناة ساكنة المناطق الجبلية مع ضعف التزوّد بمصادر الطاقة، في مشهد يتكرر كل سنة من دون حلول جذرية. ففي دواوير نائية، لا تزال الأسر تكابد من أجل تأمين حاجاتها الأساسية من التدفئة، وسط ارتفاع أسعار الحطب وقنينات الغاز، وانقطاع متكرّر للتيار الكهربائي في بعض المناطق التي لم يشملها الربط المستدام.
ورغم البرامج الوطنية في مجال الكهربة القروية والتنمية المستدامة، إلا أن مظاهر الهشاشة الطاقية لا تزال قائمة، ما يثير تساؤلات حول مدى نجاعة السياسات العمومية في الاستجابة لحاجيات الساكنة الجبلية في فترات التقلبات المناخية.
تعاني هذه المناطق، التي تمتد عبر سلاسل جبال الأطلس والريف، من ضعف في البنيات التحتية الطاقية، وغياب شبكات توزيع فعّالة تضمن التزوّد المنتظم بالكهرباء أو الغاز، خاصة خلال أشهر الشتاء القاسية. وفي ظل انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر، تضطر العديد من الأسر إلى الاعتماد على وسائل تقليدية للتدفئة، كالحطب والفحم، رغم مخاطرها الصحية والبيئية. ويجد الفاعلون المحليون أنفسهم في مواجهة تحديات مركّبة، تتعلق بصعوبة التضاريس، وتشتت التجمعات السكانية، وغياب دعم كافٍ لبرامج النجاعة الطاقية الموجهة للفئات الهشة.
للإحاطة بالموضوع، تواصلت هسبريس مع فاعلين جمعويين ومصادر مؤسساتية مواكِبة للوضع في عدد من المناطق الجبلية، حيث تم رصد عدد من المعطيات الميدانية المرتبطة بتأثيرات موجات البرد، وصعوبات التزود بالطاقة، ومدى فعالية التدخلات الموجهة للأسر المعوزة في هذا السياق.
وقال أحمد أوسعيد، فاعل جمعوي بجمعية “تازرزيت للتنمية المجالية” بخنيفرة، إن معطيات ميدانية أولية تُفيد بأن أزيد من 300 أسرة قروية في دواوير “آيت عمو”، “إمغراس” و”تيغزى” تواجه صعوبات كبيرة في التزود بمصادر الطاقة مع اقتراب موسم البرد. وأضاف أن معظم هذه الأسر لا تتوفر على تجهيزات تدفئة حديثة، وتعتمد بشكل كامل على الحطب الذي أصبح نادرا ومكلفا، خاصة بعد موجة الجفاف الأخيرة. وأكد أوسعيد أن الجمعية وثّقت حالات لأسر تقطع يوميا مسافات طويلة لجمع الحطب، داعيا إلى وضع برنامج استعجالي محلي لدعم هذه المناطق قبل انخفاض درجات الحرارة.
وذكر أوسعيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن عددا من المدارس الفرعية الواقعة في محيط هذه الدواوير تشهد بدورها صعوبات مرتبطة بالتدفئة، ما يؤثر سلبا على حضور التلاميذ واستمرارهم في الدراسة خلال فترات البرد القارس. وأبرز أن جمعية تازرزيت للتنمية المجالية رصدت في مواسم سابقة حالات تغيب جماعي بسبب انعدام وسائل التدفئة، خصوصا في فرعية “تافراوت” وفرعية ”إمي نولاون”، مؤكدا أن التلاميذ الصغار يكونون أول المتضررين في ظل غياب تدخلات عاجلة من السلطات.
وقال الفاعل الجمعوي أسعيد، في معرض حديثه لهسبريس، إن عددا من الدواوير الواقعة بنواحي خنيفرة، مثل “أيت بوخنوس” و”تامسلميت” و”أيت إدير”، تعيش في عزلة خانقة مع أولى التساقطات، بسبب تدهور المسالك الطرقية الترابية، وانعدام الربط الكهربائي في بعض المناطق إلى حدود اليوم. وأضاف أن انقطاع الطرق يعطّل ولوج سيارات الإسعاف، ويجعل نقل النساء الحوامل أو المرضى نحو المراكز الصحية مسألة معقدة. كما أشار إلى أن مجموعة من المدارس في هذه المناطق تفتقر لوسائل التدفئة، ما يضطر التلاميذ إلى الانقطاع عن الدراسة مؤقتا، مطالبا بإجراءات ميدانية استباقية تشمل تزويد الأسر بقنينات الغاز المدعّم، وتهيئة نقط العبور الحيوية، وتوفير وحدات صحية متنقلة تحسّبا لأي طارئ.
وتبقى خنيفرة، كما أبرز الفاعل الجمعوي أسعيد، واحدة من بين مناطق عديدة بمختلف جهات المغرب التي تعاني سنويا مع بداية موسم البرد من آثار العزلة والانخفاض الحاد في درجات الحرارة، خاصة بالمناطق الجبلية المرتفعة. وتشكل هذه الوضعية تحديا تنمويا واجتماعيا متكررا، يستدعي تدخلات موسمية ومواكبة ميدانية دائمة، من خلال برامج الدعم والإغاثة، كالقوافل التضامنية التي تشرف عليها مؤسسة محمد الخامس للتضامن، والتي تستهدف الأسر القروية المعزولة لتخفيف تداعيات موجات البرد القارس.
وقصد التشخيص الميداني للوضعية العامة التي تعرفها المناطق الجبلية مع بداية موسم البرد، تواصلت جريدة هسبريس الإلكترونية مع مصدر من داخل مؤسسة محمد الخامس للتضامن، الذي رفض الكشف عن هويته نظرا لطبيعة عمله، مؤكدا أن عددا من المناطق التي تزورها المؤسسة سنويا تشهد وضعيات صعبة تتعلق أساسا بوعورة المسالك، وصعوبة التزود بالمواد الأساسية، وغياب البنيات الصحية الكافية لمواجهة الحالات المستعجلة.
وأشار المصدر ذاته إلى أن فرق المؤسسة تسجل خلال كل موسم حالات متكررة لأسر بدون وسائل تدفئة، وأطفال يقطعون كيلومترات وسط الثلوج للوصول إلى مدارسهم، فضلا عن احتياجات كبيرة لمواد غذائية وأغطية، لافتا إلى أن التحدي الأكبر يبقى في ضمان الاستجابة السريعة بالتنسيق مع السلطات المحلية والمصالح الصحية والعسكرية.
وأوضح المصدر ذاته أن فرق المؤسسة خلال معاينتها الأخيرة ببعض المناطق الجبلية في أقاليم خنيفرة وميدلت والحوز، رصدت احتياجات متزايدة في صفوف الساكنة مع بداية انخفاض درجات الحرارة، مشيرا إلى أن بعض الدواوير، خاصة الواقعة على علو 1500 متر فأكثر فوق سطح البحر، تعيش على وقع العزلة التامة بسبب تراكم الثلوج وانقطاع الطرق والمسالك الجبلية.
كما أكد أن المؤسسة تعمل بتنسيق مسبق مع مختلف المتدخلين لتحديد لائحة المناطق ذات الأولوية، بناءً على مؤشرات الهشاشة الاجتماعية والولوج إلى الخدمات الأساسية، مضيفا أن عملية إيصال المساعدات تتطلب تعبئة لوجستية معقدة، تشمل وسائل نقل خاصة وأطقما متعددة الاختصاصات لضمان تغطية ناجعة للحاجيات.
وأكد المصدر ذاته أن مؤسسة محمد الخامس للتضامن تركّز في تدخلاتها على الجوانب الاستعجالية المرتبطة بموجات البرد، مثل توفير الأغطية، والمواد الغذائية الأساسية، والدعم الطبي الأولي، موضحا أن هذا التوجه يأتي نتيجة طبيعة التدخل الموسمي للمؤسسة، التي تُعبّئ مواردها من أجل الاستجابة لحاجيات آنية وسريعة في المناطق المتأثرة بالعزلة وتساقط الثلوج.
وأشار إلى أن اختيار هذه المجالات تحديدا يعود إلى دراسات ميدانية سابقة تُبيّن أن أبرز ما تواجهه الساكنة خلال هذه الفترة هو نقص الحماية من البرد والخصاص الغذائي، وهو ما يجعل المؤسسة تركز مجهودها على إنقاذ الأرواح وضمان الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم خلال فترة الأزمة.
المصدر: هسبريس
 
									 
					