نحو خارطة طريق سياحية واعدة: تحليل لرؤية الحكومة في تطوير القطاع السياحي
عرفت جلسة المساءلة الشهرية لمجلس النواب، التي عُقدت يوم الاثنين 27 يناير 2025، تقديم السيد رئيس الحكومة لكلمة شاملة حول التوجهات الاستراتيجية الكبرى للسياسة السياحية في بلادنا. تميزت الكلمة بإثارة معطيات وتفاصيل دقيقة، ورسمت رؤية مستقبلية طموحة تعكس إدراكاً عميقاً لدور السياحة كعامل محوري في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا. في هذا المقال، نقدم تحليلاً معمقاً لأبرز مضامين هذه الكلمة، مع إبراز الأبعاد الاستراتيجية التي تضمنتها.
1. الإنجازات الكبرى: حصيلة تتحدث عن نفسها بلغة الأرقام
في كلمته سلط رئيس الحكومة الضوء على إنجازٍ وطنيٍّ لافت، حيث حققت المملكة رقماً قياسياً في عدد السياح الوافدين خلال عام 2024، بتسجيل 17.4 مليون سائح، متجاوزة بذلك الأهداف المتوقعة لعام 2026. هذا الإنجاز لم يكن وليد الصدفة، بل جاء ثمرةً لجهودٍ حكوميةٍ مُمنهجةٍ ومُخطَّطةٍ بعناية، تمثلت في إطلاق مخطط استعجالي بقيمة 2 مليار درهم في أعقاب جائحة كورونا، بالإضافة إلى تنفيذ “خارطة الطريق السياحية 20232026” التي تم تخصيص ميزانية ضخمة لها بلغت 6 مليارات درهم.
كما أبرزت الكلمة الدور الحيوي الذي يلعبه قطاع السياحة في دفع عجلة النمو الاقتصادي، حيث ساهم بشكل مباشر في خلق 25 ألف فرصة عمل جديدة خلال العام الماضي، إلى جانب تحقيق زيادة ملحوظة بنسبة 20% في عدد الليالي السياحية مقارنةً بعام 2023، مما يعكس ديناميكية هذا القطاع وقدرته على تعزيز التنمية المستدامة.
2. رؤية متكاملة لتطوير القطاع السياحي:
تتميز مقاربة الحكومة لتطوير السياحة المغربية برؤية شمولية متكاملة، تتجاوز النهج التقليدي المقتصر على تأهيل الفنادق فقط، لتشمل أبعاداً استراتيجيةً أوسع وأكثر تأثيراً. وقد أبرزت الكلمة المحاور الرئيسية التي تقوم عليها هذه الرؤية، والتي تتمثل في:
+ تعزيز النقل الجوي: من خلال إبرام شراكات استراتيجية مع كبرى شركات الطيران العالمية، وزيادة عدد المقاعد الجوية المتاحة بنسبة 30% خلال عام 2024، مما يعكس حرصاً على تسهيل وصول السياح إلى المملكة من مختلف أنحاء العالم.
+ الترويج الرقمي للسياحة: عبر إطلاق حملات إبداعية مثل “المغرب أرض الأنوار”، التي استهدفت الأسواق الدولية لجذب الزوار، بالإضافة إلى حملة “نتلاقاو فبلادنا” التي تهدف إلى تعزيز السياحة الداخلية وتشجيع المغاربة على اكتشاف كنوز بلادهم.
+ تنويع المنتجات السياحية: من خلال إدماج السياحة الثقافية والرياضية في الاستراتيجية الوطنية، لا سيما مع استضافة المغرب لفعاليات كبرى مثل كأس الأمم الإفريقية 2025 وكأس العالم 2030، مما يعكس تنوعاً غنياً في التجارب السياحية التي يقدمها المغرب لزواره.
هذه المقاربة المتكاملة تعكس وعياً عميقاً بأهمية السياحة كقطاع استراتيجي قادر على تعزيز مكانة المغرب كوجهة عالمية رائدة.
3. التركيز على التنمية المستدامة والعدالة المجالية:
جاءت الكلمة لتؤكد أن السياحة ليست مجرد محرك للنمو الاقتصادي فحسب، بل هي أيضاً أداة فاعلة لتحقيق التنمية الاجتماعية وتعزيز العدالة المجالية. وقد تجسد هذا التوجه من خلال إطلاق برنامج “GO سياحة”، الذي يهدف إلى دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة العاملة في القطاع، مع التركيز على تطوير السياحة في المجالات الجبلية والنائية. هذا البرنامج يسعى إلى تمكين هذه المناطق من لعب دور أكبر في خلق فرص للعمل، وتحسين جودة الحياة لساكنتها، مما يعكس التزاماً حقيقياً بتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة تعم مختلف أرجاء المملكة.
4. الرؤية الاستراتيجية للحكومة والبرامج السياحية الطموحة:
كلمة رئيس الحكومة السيد عزيز أخنوش عكست رؤيةً ثاقبةً لقيادةٍ حكوميةٍ تدرك أن نجاح قطاع السياحة لا يرتكز فقط على تطوير البنية التحتية، بل يتطلب أيضاً تعزيز التعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص، وإطلاق مشاريع مبتكرة تسهم في الارتقاء بالقطاع، مع التركيز بشكل خاص على العنصر البشري باعتباره ركيزة أساسية. ومن خلال برامج طموحة مثل “أفق التميز”، الذي يهدف إلى إعادة تأهيل مؤسسات التكوين المهني، وبرنامج “CAP Hospitality” لتطوير مؤسسات الإيواء السياحي، تسعى الحكومة إلى بناء جيل جديد من الكفاءات المهنية القادرة على مواكبة التطورات المتسارعة في هذا القطاع الحيوي.
على سبيل الختام: نحو أفق سياحي مشرق
نؤكد ما أكده قبلنا رئيس الحكومة أن السياحة المغربية ليست مجرد قطاع اقتصادي، بل هي ركيزة أساسية في مشروع التنمية الشاملة برؤية طموحة تمتد حتى عام 2030، واستراتيجية متكاملة تشمل تعزيز البنية التحتية، وتحفيز الاستثمار، وتطوير الموارد البشرية، ومنه.. يبدو أن المغرب يسير بثبات نحو تحقيق مكانة ريادية كوجهة سياحية عالمية.
النبرة الواقعية التي دمغت أسلوب رئيس الحكومة في هذه الكلمة، إلى جانب طرحه لرؤية واضحة ومتماسكة، يعكس فهماً عميقاً للتحديات والفرص المحيطة بالقطاع، ويبعث برسالة تفاؤل وتطمين إلى جميع الفاعلين والمواطنين، بأن المستقبل يزخر ببرامج واعدة وإنجازات كبيرة في هذا المجال الحيوي الذي يلامس حياة الجميع.
المصدر: العمق المغربي