نحن وأحداث غزة

انبرى بعض الكتبة ليهاجموا موقف بلادنا من الأحداث في غزة، بل إن أحدهم كتب دون حياء ” صمت رسمي مخجل”، وهو في ذلك يضع نفسه في ذات الموقف والموقع الذي يوجد فيه خصوم بلادنا، ولأن المناسبة شرط، ولتوضيح هذه المغالطات الغارقة في التحامل، والتي تمتح من نفس الخطاب الذي يلوكه أعداء المملكة وخصوم وحدتها الترابية، فإنه بات من الضروري تسليط الضوء على بعض الجوانب التي لا يعيرها أولئك الكتبة والجهات التي يعملون لصالحها أهمية.
منهجا، يتعين التأكيد على أن المملكة المغربية لا تعتمد أسلوب ردود الفعل الآنية والمتسرعة في قضايا راهنة وتعرف تحولات متسارعة، بل إنها إختارت وبشكل سيادي أن تعتمد مقاربة تنهض على تقديم رؤية شاملة للوصول إلى حل نهائي للصراع قائم على حل الدولتين.
هذا الاختيار المنهجي هو الذي يفسر ربما إحجام الدبلوماسية المغربية عن الانسياق وراء ردود الفعل الآنية أو المتسرعة، وعلى ضوء ذلك أيضا يمكن فهم تصريح السيد وزير الخارجية مؤخرا، الذي قال بأنه لا يعلق على ما ينشر في الصحافة، وهذا أمر معقول لأنه لو إنشغل بالرد على ما يكتب في الإعلام لما وجد وقتا كي يقوم بعمله الأساس.
رجاحة هذا الاختيار المنهجي، تكمن في أننا إزاء صراع تتشابك فيه العديد من المصالح الإقليمية، والفاعلون فيه كثر، وتأتي في مقدمتهم إيران التي لا تخفي عدائها للمملكة ولمصالحها العليا، وفي مقدمتها قضية الصحراء المغربية.
وبالعودة إلى مضمون الموقف المغربي، فلا يمكن إلا لجاحد أن يتغاضى عن المواقف المشرفة والقوية التي اتخدها جلالة الملك محمد السادس، وهي مواقف سبق لي الوقوف عندها في مقال نشر على صفحات الأحداث المغربية، وهو قراءة تركيبية في الخطب والرسائل الملكية التي وجهها جلالة الملك بعد أحداث غزة، والتي أكد فيها جلالته أن القضية الفلسطينية في مستوى القضية الوطنية الأولى، وأنها أحد ثوابث السياسة الخارجية، واللافت هو الحضور الدائم والمركزي لمدينة القدس في الخطب والرسائل الملكية، والتي أكد جلالته غير ما مرة ضرورة توحيد الجهود لمواجهة الانتهاكات التي تتعرض لها، وعلاوة على ذلك لقد وضع جلالة الملك أربع أولويات ملحة، حيث دعا إلى وقف إطلاق النار، وحماية المدنيين، مع التأكيد على وجوب إرساء أفق سياسي للقضية الفلسطينية، والأهم هو التأكيد على أن مستقبل المنطقة لا يتحمل المزايدات الفارغة، ولا الأجندات الضيقة”.
بعد كل هذه المواقف التاريخية يخرج علينا بعض الكتبة دون حياء ليزايدوا على بلدهم، في قضية وقف العالم كله حائرا أمامها، وأمام إيجاد حل لها، إن مواقف المملكة المغربية منذ هجوم 7 أكتوبر، أكدت وجوب وقف إستهداف المدنيين والأعمال العسكرية الإسرائيلية الانتقامية، هذا بالإضافة إلى الدعوة إلى إحترام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
هذه المواقف المشرفة تمت بالموازاة مع عمل ميداني كبير يتم في هدوء سواء حينما تمكنت بلادنا من إدخال مساعدات لسكان غزة عبر طريق بري في عز المواجهات المسلحة، هذا بالإضافة إلى نجاح بلادنا في الإفراج عن أموال السلطة لدى إسرائيل، إن فلسطين بالنسبة للمملكة المغربية ليست للمتاجرة وليست للتراشق الإعلامي ولا للمزايدات، بل إن المملكة تعمل دوما على الأرض من أجل دعم الشعب الفلسطيني والتخفيف من معاناته.
أما عن علاقة بلادنا مع دولة إسرائيل فإن سياق استئناف العلاقات معها معروف ويهم المصلحة العليا لبلادنا، لذلك على المتاجرين بالقضية أن يتوقفوا عن المزايدات وعن الشعارات الفارغة التي لم تحرر شبرا من فلسطين منذ سبعون سنة، وهي الشعارات التي إستغلتها بالأمس بعض الأنظمة الشمولية لقمع شعوبها، وتستغلها اليوم بعض التيارات الدينية الساعية إلى الحكم عبر ما باتت تسمية طوفان عربي.
إن الأمن والإستقرار في المنطقة لن يتأتيان، وكما أكد على ذلك جلالة الملك في خطاب عيد العرش الأخير، دون اعتماد المفاوضات لإحياء عملية السلام، وهو ما يتطلب قطع الطريق على المتطرفين في أي جهة كانوا. إن الاستقرار كذلك لا يمكن أن يتم إلا في إطار حل الدولتين تكون فيه غزة جزء من أراضي الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وفق قرارات الشرعية الدولية.
المصدر: العمق المغربي