في بيت متواضع بمنطقة التمسية القروية ضواحي مدينة أكادير، وبين جدران تختزن ملامح الفقر وقلة الإمكانيات، بزغت موهبة شاب لم تستطع الظروف القاسية أن تكبح طموحه الرامية إلى تسهيل تنقلات المكفوفين.
أنور بوحميد، البالغ من عمره 18 ويتابع دراسته في السنة الثالثة إعدادي، كشف في حديثه مع جريدة “”، أنه لم يكن متفوقا دراسيا، لكنه وجد نفسه منذ نعومة أظافره مولعا بالإلكترونيات، إذ يفكك الأجهزة القديمة ويعيد تركيبها.
ورغم قساوة الظروف، استطاع أنور أن يبتكر عصا ذكية موجهة للمكفوفين، مشروع ساقه الشغف، وحركته رغبة صادقة في خدمة فئة تحتاج إلى الدعم والمساندة.
هذه العصا الذكية، التي صممها الشاب أنور بأنامل لم تتلق أي تكوين تقني، تعتمد على لوحة “أردوينو” وحساس لقياس المسافات بتقنية الموجات فوق الصوتية، لتصدر إنذارا صوتيا فور اقتراب المستخدم من حاجز ما، مما يساعد المكفوف على التنقل بأمان واجتياز الطريق دون اصطدامات.
ويؤكد أنور في تصريح خص به “العمق”، أن هذه العصا قادرة على الكشف عن أي حاجز على مسافة 30 سنتيمترا، ما يمنح المستخدم وقتا كافيا لاتخاذ احتياطاته.
لم يكن هذا الابتكار وليد لحظة عابرة، بل امتدادا لسنوات من التجارب البسيطة في البيت، فقد سبق لذات الشاب أن توصل إلى عدة ابتكارات أخرى، من بينها جهاز لاستخراج الكهرباء من الماء المالح، لكنه لم يحظ بفرصة الانتشار بسبب ضعف الإمكانيات التقنية.
ويطمح أنوار إلى تطوير عصاه الذكية بإضافة حساس للحفر والدرج، وكاميرا للتعرف على العوائق وإرسال تنبيهات صوتية عبر سماعات الأذن، وتزويدها بنظام للتعرف على الوجوه لمساعدة المكفوف على فهم محيطه بشكل أكبر.
لكن طموح الشاب أنور يصطدم دائما بواقع مر، لا حاسوب، ولا تجهيزات، ولا دعم، فقط رغبة تتجاوز حدود الفقر.
ورغم ذلك، يصر أنور على المضي قدما، معلنا استعداده لإطلاق حملة تمكنه من تصنيع عدد كبير من هذه العصا وتقديمها للمكفوفين في مختلف المناطق، إيمانا منه بأن التكنولوجيا يجب أن تكون في خدمة الإنسان قبل كل شيء.
موهبة أنور، هي نموذج آخر يؤكد أن الإبداع لا يختار مكانا ولا بيئة ليبرز فيه، وأن الهامش في المغرب يخفي طاقات كبيرة تحتاج فقط إلى من يسمع صوتها ويؤمن بقدرتها.
المصدر: العمق المغربي
