موقع إمي نفري بدمنات.. معجزة طبيعية تقاوم الإهمال وتنتظر تدخل المسؤولين
يقع موقع ” إمي نفري” على بعد حوالي 6 كيلومترات من مدينة دمنات وهو عبارة عن مغارة طبيعية تشكلت عبر ملايين السنين، تعلوها قنطرة فريدة من نوعها على المستوى الوطني على ارتفاع حوالي 1100 متر عن مستوى القاعدة العام، في ملتقى واد تيسيلت وواد مهاصر، وفي أسفل منها يوجد مجرى مائي بحوالي 80 مترا.
موقع أمي نفري من المؤهلات الطبيعية والسياحية التي تجذب السياح الأجانب والمغاربة على حد سواء خصوصا في فصلي الربيع والصيف لما تتوفر عليه من تنوع جيولوجي وبيولوجي، إذ كانت تضم في وقت سابق أكتر من 200 نوع من النباتات ساعدت على استقرار وتعشيش أنواع مختلفة ومهمة من الطيور النادرة.
ومع ذلك، يبدو أن الإهمال هو قدر هذا الموقع، حيث لم تشفع له قيمته التاريخية ولا دوره الهام في تشجيع السياحة الداخلية والخارجية، ولامساهمته في جلب الزوار من مختلف مناطق المغرب، في تدخل الجهات المسؤولة لتهيئته وإنقاذه من الضياع.
صورة قاتمة
وحول الموضوع، قال الدكتور في الجغرافيا و التهيئة بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، البكاري محمد، إن واقع التهيئة لموقع إمي نفري هو واقع “كارثي” بامتياز وينذر بانهيار القنطرة في القريب غير البعيد بسبب سوء الإستغلال و”الجهل” التام بأهمية الموقع والتكوينات الجيولوجية له، وخير دليل على هذا برامج التهيئة سواء المنجزة منها أو المقترحة.
وأضاف البكاري في تصريح لجريدة “العمق” إن ماشكلته الطبيعة لملايين السنوات هدمته هذه البرامج في أيام معدودة، مستدلا على ذلك ببناء جدار من الإسمنت لتعزيز حماية السياح الذي قال إن وجوده يشكل عائقًا لتجميع المياه خلال الأمطار، ولتفريغ المياه، قاموا بحفر ثقوب كبيرة في حائط الحماية، مما يؤدي إلى تدهور هذا الحائط من جهة وإنشاء شلالات عالية التدفق من جهة أخرى مما يزيد من سرعة تآكل التكوينات الصخرية للموقع وبالتالي حدوث انهيارات وانزلاقات أرضية.
وأشار المتحدث ضمن تصريحه إلى أن الجماعة الترابية لتفني قامت في وقت سابق بتفويت عقار فوق القنطرة الطبيعية لجهة قامت ببناء أكشاك تجارية من الخشب والإسمنت في تحد صارخ لقانون إدارة الحماية التي نصت عام 1949 بمرسوم منشور ب الرسمية عن ضرورة الحفاظ على القنطرة وعدم تغيير معالمها، وفي تحد أيضا لبعض جمعيات المجتمع المدني التي نددت بخطورة الوضع.
وقال إنه فوجئ خلال زياراته للميدان بأن أصحاب هذه المحلات التجارية حفروا خزانات الصرف الصحي والتي تتجاوز 3 أمتار مباشرة فوق القنطرة، مع العلم أن تسرب المياه العادمة يشكل خللا في النظام الجيولوجي والإيكولوجي للقنطرة، بل وأكتر من ذلك قاموا بتغيير مجرى الماء الذي يغدي التكوينات الجيولوجية (الصواعد والنوازل ) واستغلوه في عمليات الطبخ وتحضير الوجبات، وفق تعبيره.
وقال البكاري أيضا إن موقف السيارات بثقله وآليات الأشغال يعمق الأزمة، فالمسِؤول عن الأشغال قام بتبليط جنبات القنطرة بالإسمنت، مع أن بقاء القنطرة رهين بتسرب المياه المالحة لتغدية التكوينات الصخرية لذالك نتفاجأ كل سنة بانهيار أجزاء من القنطرة، مؤكدا على أن ما يحدث يدل على فساد وغياب مراقبة لتراث جيولوجي نادر قادر على جلب السياح وإنعاش المنطقة.
وفي نفس السياق، يرى الأستاذ السابق لمادة الاجتماعيات والمهتم بالبيئة، عبدالكريم المكاوي، أنه بالرغم من المجهودات المبذولة لحماية هذا الموقع الفريد ذو الأهمية البيولوجية والإيكولوجية إلا أنها تظل غير كافية، إذ لا يزال يعاني من العديد من المشاكل أبرزها الجفاف أو نذرة التهاطلات وما رافقها من حفر المزيد من الآبار وبالتالي تراجع مستوى المياه في الفراشات الباطنية بالمنطقة إضافة إلى تبليط وتزفيت سطح القنطرة، كل ذلك ساهم في توقف مرور المياه من فوق القنطرة و تراجع تغذيتها مما يؤثر سلبا على صلابتها وقوتها وسلامتها.
وأضاف المكاوي في تصريح لجريدة “العمق” أن التعرية النهرية تساهم في تآكل الأجزاء السفلى للضفة اليمنى لواد تسيلت فتتعرض صخورها للتشققات وتفقد توازنها وتتساقط صخور ضخمة وسط الواد مما يشكل خطرا على الزوار.
وأضاف أن تزايد حركة السير ومرور السيارات والشاحنات وخاصة ذات الوزن الثقيل من فوق القنطرة يهددها مع مرور السنين، إذ في أواخر أكتوبر 2017 شوهد تساقط أجزاء من النوازل وسط واد تيسيلت.
مشكل آخر أشار إليه المكاوي وهو توفر الموقع على نقط سوداء لرمي وتراكم النفايات وسط الأشجار والشجيرات والحشائش أو الأجراف المجاورة أو المجاري المائية وخاصة في بعض أجزاء الشلال.
ولفت أيضا إلى الصيد العشوائي لطيور المنطقة وخاصة الحمام وبعض أنواع الطيور الجارحة كالعوسق والعويسق والعقاب المسرولة باستعمال عدة وسائل كالحبال والسلاليم لبلوغ الأعشاش وهذا يشكل خطرا مزدوجا على الشباب من جهة وعلى ساكنة المغارة من مختلف أنواع الطيور.
تهيئة تحتاج كفاءات وموارد مالية
ولفت المتخصص في الجغرافيا و التهيئة، محمد البكاري، إلى أن تطوير البنية التحتية للموقع يتطلب من جهة حنكة ودراية ومكاتب دراسة متخصصة في التأهيل السياحي ومن جهة أخري يتطلب موارد مالية مهمة باعتبار أهمية الموقع، مما يفرض البحث عن موارد مالية بالعمل على جذب استثمارات سياحية تزيد من جاذبية المنطقة واشعاعها، وهو الذي يعتبر رهانا أساسيا للفاعلين الترابين بالمنطقة.
وفي حديثه عن الفاعلين وعن رهاناتهم وانتظاراتهم، تطرق جيوبارك مكون التي تعتبر من المؤسسات التي لا يجب إنكار دورها في تعبئة التراث الطبيعي لدمنات وتشجيعها على السياحة البيئية في دمنات. لكن تقييم عمله بالنسبة للقنطرة يعطينا فكرة على أنه بعيد عن الاحترافية والمهنية سواء في وضع الإعلانات أو إنجاز برامج التهيئة، وفق تعبير البكاري.
وأشار إلى المندوبية الإقليمية للسياحة باعتبارها فاعلا أساسيا في القطاع السياحي بدمنات خصوصا وأزيلال عموما، لأنها تتدخل بواسطة تنظيمها للمجال السياحي بتنفيذها للقرارات الحكومية التنظيمية، ومراقبة الأنشطة والمنشآت السياحية، وفق النصوص التشريعية، ومساعدة النقابات والمرشدين السياحين في تنظيم أنشطتهم، وتسيير مؤسسات التكوين، وغيرها من الأعمال المنوطة بهذه المؤسسة وهي بذلك تسهم في تنظيم القطاع السياحي وهو رهان من رهاناتها الى جانب تنمية القطاع السياحي وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إلا أن المندوبية في الحقيقة لم تظهر بصمتها بوضوح في دمنات، ومازالت مشاريعها ذات طابع تنظيمي بالأساس، وهو ما جعل تدخلاتها بالمنطقة ضعيفة، في حين تولي اهتماما كبيرا لباقي المناطق السياحية الأخرى التابعة للإقليم، وهو ما نتج عنه وجود شرخ كبير على مستوى تدخلاتها في كل منطقة، يضيف المصدر ذاته.
كما تحدث عن مركز التربية البيئية بدمنات الذي يعتبر فاعلا أساسيا في المحافظة على التراث الطبيعي لدمنات وتعريف الأجيال الصاعدة به وتحسسيهم بضرورة المحافظة عليه وهو مركز منجز من طرف جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب فرع دمنات وممول من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وقال البكاري إن من بين رهانات المركز هي التوعية والتحسيس بأهمية الموروث الطبيعي والبشري والتاريخي الذي تزخر به دمنات وذلك بخلق جولات للمواقع الأثرية والطبيعية.
وحمل البكاري المسؤولية لهؤلاء الفاعلين الذين لايتفاعلون مع بعضهم البعض، فكل واحد يشتغل في غرفة مغلقة أشبه بمتحف أو ضريح لاينفتح الواحد منهم على الأخر ماعدا في بعض الاتحادات الاستتنائية من أجل الاستفادة من سيولة الدعم، على حد ما جاء في تصريحه.
مقترحات للتأهيل وتحذيرات للمسؤولين
واقترح محمد البكاري لتأهيل موقع امنفري الرفع من نجاعة البنية السياحية، مشيرا إلى أنه بالرغم من أن إقامة بنية سياحية ذات جذب سياحي تتطلب مجهودات كبيرة خصوصا في المناطق الجبيلية المتسمة بوعورة تضاريسها وشدة انحدارها إلا أن هذا لا يعني أن إنشاءها يعتبر مستحيلا، لهذا وجب على كل الفاعلين العمل على بناء بنية سياحية مناسبة من أجل تسهيل عملية تنقل السياح وضمان راحتهم داخل تراب دمنات وضواحيها.
ودعا البكاري أيضا إلى تأهيل الشبكة الطرقية، وذلك بإصلاح مجموعة من الطرق بتعبيدها وتوسعتها من أجل ضمان تنقل مريح للسياح، وإقامة مجموعة من الطرق للربط المباشر بين المواقع السياحية لكيلا تبقى هناك حاجة لاستعمال الطرق العامة وبالتالي تجاوز الازدحام المحدث في أوقات الدروة المرورية.
كما شدد على ضرورة إحداث وإصلاح المسالك الطرقية الصغيرة التي تمر من غابة أغري إلى قنطرة إيمي نفري من أجل تسهيل عملية مرور السياح سواء بدراجاتهم الهوائية والنارية أو مشيا على الأقدام من أجل تسهيل تعرفهم على الموارد التراثية التي تزخر بها المنطقة، فضلا عن إقامة طريق مداري لتحويل حركات المرور فوق القنطرة مباشرة، واصلاح الطريق الجهوية رقم 304الرابطة بين دمنات ومراكش من جهة وبين دمنات وأزيلال من جهة أخرى من أجل تحسين الربط بين القطبين السياحيين.
كما أشار إلى ضرورة الرفع من جودة الخدمات الصحية، وتحسين الإنارة العمومية وشبكات الاتصال، وتطوير خدمات الايواء، وتنمية قدرات اليد العاملة في القطاع السياحي من خلال فتح مؤسسة للإرشاد السياحي بدمنات، وربط عملية الإرشاد بالمؤسسات السياحية وتنظيميها، وتكوين الفئات العاملة بالقطاع الفندقي وتوفير الشروط الملائمة لتحسين مناخ عملهم.
وقال إن تسويق تراث دمنات، وخاصة من خلال التسويق الإلكتروني، هو أداة فعالة في الجذب السياحي، متسائلا عما إذا كان محبو المناطق الجبلية والسياحة الجبلية يعلمون بوجود دمنات أو القنطرة الطبيعية إمي نفري بالتحديد.
وأشار في هذا الصدد إلى أن الشبكة العنكبوتية، التي جعلت العالم كقرية صغيرة، وألغت الحواجز والحدود الجغرافية، هي من الطرق الحديثة التي أصبحت موثوقة، نظرا لسرعة تلقيها إضافة، وبواسطتها يمكن للزبون مقارنة الأسعار وعرض الصور فائقة الجودة دون القيام بأسفار، كما انها وسيلة تمكن من زيادة الترويج السياحي؛ لأنه عابر للقارات ومكسرا للحواجز الجغرافية كونه يعتمد على الشبكة العنكبوتية.
وختم تصريحه بالقول إن المشاريع التي تريد أن تختزل المشروع التنموي في أرقام معينة إنما تهدر المال والجهد ويكون ذلك من باب من يضع العربة أمام الحصان، مؤكدا على أن أولى حلقات التنمية في أي بلد أينما كان وكيفما كان تكمن في بناء الإنسان الكفء المؤمن برسالته والمقتنع بمشروعه الحضاري والقادر على الانخراط فيه بكل اقتدار ومسؤولية، وفق تعبيره.
من جانبه، حذر الفاعل الحقوقي أيوب الحجاجي، من تهاون المسؤولين في اتخاذ الإجراءات المناسبة لإنقاذ الموقع قبل فوات الآوان، مؤكدا على أن استمرار المسؤولين في سياسة اللامبالاة لم يعد مقبولا.
وحمل مسؤولية ما يقع في هذا الموقع لكل المعنيين بالحفاظ على هذا الموقع من مجالس جماعية ومجلس إقليمي ومجلس الجهة وجيوبارك مكون.
وأضاف المتحدث “لا يعقل نهج سياسة الآذان الصماء والهروب للأمام أمام مطالب المختصين والمجتمع المدني الذين دقوا ناقوس الخطر مرارا وتكرارا بكون جفاف القنطرة والحالة التي صارت عليها سيؤديان إلا كارثة بيئية وخيمة العواقب”.
وختم الحجاجي تصريحه بالقول “لا بد اليوم لمسؤولي إقليم أزيلال ككل من البحث عن حلول حقيقية وواقعية من شأنها الحفاظ على نقطة الضوء السياحية الوحيدة بالمنطقة لنورثها لأبنائنا وللأجيال القادمة”.
طمأنة للساكنة واستعداد لتأهيل للموقع
رئيس جماعة تفني التي تقع قنطرة امنفري ضمن ترابها، قال إن الجماعة حريصة على تطوير الموقع وإنقاذه من الانهيار من خلال مجموعة من الخطوات بتنسيق مع المجالس المعنية، مشيرا إلى أن أشغال التهيئة انطلقت بالفعل والتي خصص لها 350 مليون سنتيم.
وأشار ضمن تصريح لجريدة العمق إلى أن برنامج التهيئة الحالي يتضمن تخصيص مرآب للسيارات بعيدا عن القنطرة الطبيعية منها تحويل مرآب السيارات إلى مكان آخر وإعادة المياه إلى القنطرة، مؤكدا استعداد مجلس جهة بني ملال على تهيئة الموقع خلال الأيام المقبلة.
وقال إن الأكشاك المتواجدة فوق قنطرة امنفري كانت موضوع قال إنها كانت موضوع مراسلات للجهات الوصية بتحرير هذا الملك المحتل بعد أن قرر المجلس عدم تجديد كراء هذه البقعة لمستغليها، مؤكدا على هذا الكراء هو إرث ورثه عن الرئيس السابق وانتهت الرخصة المسلمة للمستغل منذ شهور.
وقال إن الجماعة لن تقوم بكراء هذا المكان مرة أخرى وستجعله فضاء أخضر لحماية القنطرة الطبيعية وتزويد الأحجار الكلسية بالمياه.
المصدر: العمق المغربي