يشارك الفيلم المغربي “موفيطا” للمخرج معدان الغزواني ضمن فقرة بانوراما السينما المغربية في الدورة الـ22 لمهرجان مراكش الدولي للفيلم، التي ستقام من 28 نونبر إلى 6 دجنبر المقبل.

وأثار الفيلم الذي عرض لأول مرة في المهرجان الوطني قبل أسابيع اهتمام النقاد، إذ وصفه الناقد فؤاد زويريق بأنه “لوحة إنسانية بديعة تتجاوز الحكاية لتغوص في عمق الوجود الإنساني”، مؤكدا أنه من أكثر الأعمال المغربية نضجا من حيث الرؤية والمعالجة البصرية.

ويرى زويريق، أن العنوان بحد ذاته مدخل دلالي للفيلم، فـ”موفيطا” (Mauvais temps)، تعني “الطقس السيئ”، لكنه لا يشير هنا إلى أحوال الجو، بل إلى أحوال الوجود الإنساني نفسه، فالعاصفة ليست في السماء، بل في الداخل،والمطر، والريح، والغيوم كلها رموز للاضطراب النفسي، ولانكسار الأمل في مجتمع مأزوم فقد توازنه الإنساني.

وقال زويريق، إن المخرج الغزواني، يفتح فيلمه بهذه الدلالات على سؤال الكرامة والعيش، في عالم تختلط فيه الحاجة بالوجع، والمكان بالذات، حتى يصبح فقدان المأوى أو المرحاض رمزا لفقدان الكرامة نفسها، مشرا إلى أن المشاهد يدرك منذ البداية أن الفيلم لا يروي قصة تقليدية، بل يعرض لوحة إنسانية ترصد مآسي أسرة فقيرة تواجه قسوة العيش وانسداد الأفق.

وأضاف زويريق، أن الحكاية في ظاهرها بسيطة، إذ تحكي قصة أسرة فقيرة مكونة من أب (عبد النبي البنوي)، وأم (هاجر كريكع)، وطفلين، تقيم في بيت ضيق تتقاسمه مع شقيق الأب الذي يطالب بحقه في المنزل ويقسمه بجدار يفصل حتى بين المرحاض والأحلام.

يفقد الأب وأسرته مكانهم لقضاء الحاجة، فيبدأ صراع يومي مهين بحثا عن مأوى مؤقت، ويحاول الأب العمل لتوفير ثمن بناء مرحاض جديد، لكنه في النهاية يعجز عن ذلك، لينكسر داخله كما انكسرت الجدران التي تحيط به.

وتابع زويريق، أن هذه القصة، “بسيطة في طرحها، عميقة في رموزها”، لأن المرحاض في الفيلم ليس مرفقا منزليا بل رمزا للكرامة الإنسانية، وفقدانه لا يعني فقط ضياع جزء من البيت، بل سقوط الإنسان من مرتبة الكائن المحترم إلى مرتبة الكائن المهان، لذلك، يصبح السعي لبناء المرحاض شكلا من أشكال المقاومة، ومحاولة لاستعادة ما تبقى من إنسانية الأب والأسرة، وفق تعبيره.

ويبرز زويريق، كيف تتحول الأسرة الصغيرة في “موفيطا” إلى مرآة لمجتمع بأكمله يعيش التهميش، حيث يختزل الوطن في بيت متداع، والكرامة في جدار، والحلم في مرحاض، فالأب الذي يفشل في إعالة أسرته ليس مجرد شخصية درامية، إنه تجسيد لرجل فقد دوره الاجتماعي، وفقد معه احترامه لذاته، أما الزوجة التي تهجره، فليست متمردة بقدر ما هي ضحية أخرى في دائرة الإحباط، بينما الطفل، بعينه البريئة، يصبح الشاهد على هذا الانكسار الجماعي.

واعتبر الناقد، أن الطفل هو “جوهر العمل وضميره”، إذ من خلاله نرى العالم بعين البراءة التي لم تتلوث بعد، إذ أن مشهد القفص الذي يضع فيه الطفل بيضة على أمل أن يأتي الطائر، يختصر فلسفة الفيلم كلها: انتظار الأمل في فضاء لا يحتضن الحياة، والطائر الذي لا يأتي رمز للمعنى المفقود، والبيضة وعد لم يولد بعد.

وأردف زويريق، أنه بهذا المشهد البسيط والعميق، يحول المخرج الخيال الطفولي إلى استعارة عن جيل ينتظر غدا أفضل وسط واقع بئيس.

وأشاد فؤاد زويريق، بأداء الممثلين، وخصوصا عبد النبي البنوي وهاجر كريكع، لما أظهراه من صدق وعمق دون افتعال، إذ أن تشخيصهما اعتمد على الصمت والنظرة، وعلى الكسر الصوتي الذي يقول أكثر مما يقوله الحوار، أما الطفل محمد مروا، فكان بالنسبة إليه “ضمير الفيلم وبوصلته الأخلاقية”، بينما شكل “كريبو” تجسيدا لحالة الانفصال بين الواقع والعقل.

وخلص الناقد فؤاد زويريق إلى أن فيلم “موفيطا” لا يبحث عن الصراع التقليدي بين الخير والشر، بل عن الصراع الداخلي بين الإنسان وذاته/ مشاهد قليلة، قد تبدو عابرة، تختزن مأساة مجتمع بأكمله.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.