شدد فاعلون بمناطق الجنوب الشرقي على وجود ترابط بين درجة الحرارة المرتفعة وبين قدرتها الواضحة على إبراز حجم الحاجة إلى مرافق استراتيجية ضرورية خلال مرحلة الحر، مسجلين أن “هذا الوضع المناخي القاسي سنويا في الصيف يكشف عن هشاشة البنية التحتية وضعف جاهزية الفضاءات العمومية للتكيف مع التغيرات المناخية”.

وأكد الفاعلون، أثناء تواصلهم مع جريدة هسبريس الإلكترونية، أن “العدالة البيئية والاجتماعية هي الأساس لبناء ثقة جديدة بين الدولة وبين سكان هذه المناطق التي لطالما كانت في قلب النسيان”، داعين إلى “اعتماد سياسات إنمائية منصفة، وتعزيز استثمارات تحسّن جودة الحياة وتقلص الفوارق المجالية في ظل تحديات مناخية متزايدة”.

“إرساء ثقافة جديدة”

قال صلاح باباشيخ، فاعل مدني من الجنوب الشرقي، إن جهة درعة تافيلالت تُعد من أكثر الجهات تهميشا على مستوى العدالة المجالية، رغم غناها بالكفاءات البشرية داخل المغرب وخارجه.

وأوضح باباشيخ، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن مناطق مثل زاكورة وورزازات وميدلت والرشيدية تعاني من ضعف في الدخل وندرة في البنيات الأساسية، على الرغم من أن أبناءها يشغلون مناصب مهمة في دول المهجر.

وأضاف المتحدث ذاته أن “هذه الجهة تواجه ظروفا مناخية قاسية، خاصة ارتفاع درجات الحرارة بشكل يفوق المعدلات الوطنية؛ مما ينعكس سلبا على الصحة العامة، والأنشطة الاقتصادية، وجودة الحياة”، مورِدا أن “قلة المرافق العامة وتوزيعها غير العادل يحرم فئات واسعة، خصوصا الأطفال والنساء وكبار السن، من وسائل الترفيه والحماية من آثار التغيرات المناخية”.

وشدّد الفاعل المدني سالف الذكر على “ضرورة توسيع شبكة المسابح والمراكز الرياضية والشبابية، وتجهيزها بأنظمة تكييف، وفتحها خلال الصيف، إما برسوم رمزية أو مجانا في المناطق الضعيفة”. كما دعا إلى “إحداث مراكز تبريد وراحة عمومية موزعة بشكل منصف، خصوصا في القرى والأحياء الهامشية، لتأمين الحد الأدنى من التوازن المجالي”.

ولفت إلى “أهمية تعزيز المساحات الخضراء وربطها بمشاريع للتشغيل المحلي، مع توفير فضاءات مظللة ومرافق بسيطة تخدم السكان وتوفر فرص دخل للشباب”، مشيرا إلى “تجارب ناجحة في مدن أخرى يمكن الاستفادة منها كنموذج”، كما لفت إلى “أهمية أن تلعب الجماعات الترابية دورا محوريا في إعادة توزيع هذه المشاريع بعدالة داخل أقاليمها”.

وطالب صلاح باباشيخ أيضا بـ”إحداث صندوق جهوي خاص بالتكيّف مع الحرارة، يُموَّل بشراكة بين الدولة والمجالس الترابية، ويهدف إلى تمويل مشاريع تضمن الحماية من آثار التغير المناخي”، وأكد أن “الاستجابة لهذه المطالب المستعجلة تمثل خطوة أساسية لتحقيق العدالة المجالية والإنصاف المناخي، وتعزز موقع الجهة كفاعل حقيقي في التنمية المستدامة”.

“تمييز إيجابي”

قال نجيب عبد الوهاب، فاعل مدني بالجنوب الشرقي، إن “لساكنة الواحات خصوصيات بيئية وثقافية تجعلها بحاجة إلى مقاربات تنموية شاملة، عقلانية ومستدامة في التعامل مع الموارد الطبيعية، لا سيما المياه والتربة”، مؤكدا أن “هذه المنظومات الهشة لم تعد تحتمل السياسات العشوائية أو الاستنزافية، خاصة في ظل تصاعد حدّة التغيرات المناخية التي باتت تُهدّد الاستقرار المجتمعي والبيئي للمنطقة”.

وأضاف عبد الوهاب، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس، أن “التأثيرات المناخية، إلى جانب السياسات الفلاحية الخاطئة، ساهمت في تفكيك أنماط عيش تاريخية كانت تضمن نوعا من التوازن بين الإنسان ومحيطه”، مشددا على أن “السكان المحليين الذين كانوا في السابق قادرين على التكيّف مع الظروف الطبيعية الصعبة أصبحوا اليوم محاصرين أمام مذبحة المناخ الجارية”.

وأشار الفاعل المدني إلى أن “الجنوب الشرقي ظلّ، لعقود، ضحية لسياسات تنموية إقصائية وغير منصفة، لم تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجغرافية والاجتماعية للجهة؛ مما جعلها عرضة لموجات التهميش والتفقير”، مؤكدا على “ضرورة إقرار تمييز إيجابي فعلي، لا في الخطاب فقط بل في القرارات والميزانيات، بهدف إنصاف هذه الربوع واستعادة التوازن المجالي المفقود، من خلال دعم البنية التحتية، التعليم، الصحة، والفلاحة البيئية”.

وأبرز المتحدث عينه أن “فصل الصيف يكشف عن هشاشة المرافق والخدمات، من مياه الشرب إلى التكييف إلى النقل؛ مما يدفع أعدادا متزايدة من السكان إلى الهجرة الموسمية أو الدائمة، وهو ما يعتبر شكلا من أشكال اللجوء البيئي الذي يتسارع سنة بعد أخرى”. ولذلك، شدد نجيب عبد الوهاب على أن مستقبل الجنوب الشرقي يحتاج إلى مشاريع حقيقية تُمكّن الناس من العيش في بيئتهم بأمان وكرامة وقدرة على الاستمرار”.

المصدر: هسبريس

شاركها.