مهنيو تدبير المعلومات والبيانات بالمغرب يطالبون الحكومة بخطة شاملة لإنقاذ القطاع
عبر المكتب التنفيذي للجمعية المغربية لتدبير المعلومات والبيانات، عن قلقه البالغ إزاء الأوضاع التي تعيشها المنظومة الوطنية للمعلومات والتوثيق والبيانات، عقب مرور عقدين على اتفاقية جنيف حول مجتمع المعلومات الموقعة غداة القمة العالمية حول مجتمع المعلومات، والتي نظمت برعاية أممية وما تلاها من آليات، خاصة خطة عمل تونس المعتمدة سنة 2005.
فبعد سنوات من الرصد والتتبع للإجراءات الحكومية بالقطاعات المعنية بالمعلومات والتوثيق والانتقال الرقمي، كشفت الجمعية أن “الأزمة الحالية انعكاس جلي لغياب تصورات حكومية لتدبير الرأسمال المعلوماتي الوطني، فضلا عن إخلال الحكومات المتعاقبة بالتزامات تقويم تعثرات الورش الذي أطلق مع بداية الألفية بقوانين ضعيفة غير ملمة بالقطاع الذي تبتغي تأطيره”.
وأشارت الجمعية في بلاغ لها، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، إلى “اختزال الورش في تهيئة واجهات مؤسساتية دون أدنى تفكير في الرافعات الحكاماتية ومدى إشراف الرأسمال البشري المؤهل على تنزيل وتتبع استراتيجية الدولة في المجال”.
مع تبني دستور 2011، وعوض تعويض الحكومات لعجزها في تملك الرهانات الإستراتيجية للقطاع باستثمار مقتضيات الديمقراطية التشاركية التي جاء بها دستور 2011، يضيف البلاغ، “سجلنا إصرارا حكوميا متجددا على التغييب الممنهج لصوت المهنيين في تركيبة عدة مؤسسات ولجان وطنية، كاللجنة الوطنية للولوج للمعلومة واللجنة الوطنية للتربية والعلوم والثقافة، واللجنة الوطنية للانتقال الرقمي والمجلس الوطني للأرشيف والأجهزة التدبيرية للمكتبة الوطنية”.
وسجل المصدر ذاته ما اعتبره “تعطيل مشروع المجلس الوطني للمكتبات العمومية ومراكز المعلومات، والذي أوصت منظمة اليونسكو الحكومة المغربية بخلقه منذ سنة 1986″، معتبرا أن ذلك يأتي “رغم أن هذا الإطار المكلف بالتتبع والتنسيق في دول أخرى، لو كان موجودا لما عرفت مجموعة من المؤسسات الحساسة ما عرفته و لاتزال من اضطرابات واختلالات، والتي تجاوزت أصداء بعضها حدود الوطن، للأسف، سنة 2018”.
فعلى مستوى البرنامج الحكومي الخاص بإصلاح القطاع العام، قالت الجمعية إن المهنيين استبشروا خيرا بما سبق أن أعلنت عليه الحكومة سنة 2021، لا سيما على مستوى تنزيل الرؤية الملكية الرامية لإعادة هيكلة المندوبية السامية للتخطيط.
وأضافت: “اعتبرنا ولازلنا التوجه مدخلا واعدا وجبت الإشادة المبدئية به، كمدخل مؤسسي واعد للوصول للإلتقائية المنشودة في السياسة الوطنية للمعلومات والأرشيف والبيانات، إلا أن الخطة ظلت طريق التنزيل في الأجندة الحكومية منذ الإعلان عنها قبل ثلاث سنوات”.
الجمعية التي تشير إلى كونها أكبر تنظيم مهني يجمع منتسبي قطاع التوثيق والأرشفة وهندسة البيانات بالمغرب، دعت الحكومة لأخذ ظاهرة تزايد ظاهرة هروب خريجي مدرسة علوم المعلومات من جيل هندسة البيانات واليقظة الإستراتيجية نحو بلدان أوروبية في السنوات الأخيرة بنسب مهولة على محمل الجد.
وشددت على أن لجوء منخرطينا لخيار “الهجرة المهنية” يأتي غالبا نتيجة صعوبة ولوجية سوق الشغل الوطني لهم، كما لا ينبغي أن ننسى أن الأمر يسائل جدوى و حاجة الدولة أصلا لمهندس البيانات، وفق تعبير البلاغ ذاته.
وفيما يخص السياسة الحكومية في البحث العلمي والتقني، دعت الجمعية الحكومة إلى “ضمان مشاركة وإشراك المهنيين في اقتراح الحلول لتحسين أداء المنظومة الوطنية للمعلومات، لا سيما على مستوى تجويد خدمات بنيات البحث الوطنية وتوظيف التكنولوجيا لضمان ولوجية الحق الدستوري في الثقافة والتعلم و الخدمة العامة الثقافية”.
كما طالبت وزارة التعليم العالي بـ”رفع الحكرة على المهنة والمهنيين، وذلك عبر هيكلة عمل مكتبات ومراكز توثيق وأرشيف الكليات والجامعات ضمن الهياكل الإدارية لتلك المؤسسات”.
وأسف البلاغ عن ما أسماه “استمرار التخبط والإهمال الحكومي وتآمر “غرباء” على مؤسسة المكتبة الوطنية منذ تقاعد المدير السابق إدريس خروز سنة 2016، و هو ما عرقل أداء المؤسسة للحد الأدنى من خدماتها لفائدة المواطنين والباحثين كولوجية الفهرس الوطني والموارد والتسجيل البيبليوغرافي للمنشورات لفائدة الناشرين في أجل معقول”.
وأضاف البلاغ: “أما استحقاقات تحيين القانون المنظم للإيداع القانوني وإعادة الهيكلة ومطلب تحديث الموقع الإلكتروني للمؤسسة المخترق سابقا والمتهالك ولزوم انخراط المؤسسة في السياسة الحكومية في مجال تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، فتلك استحقاقات إصلاحية بات المهنيون يشككون في مشروعيتها من فرط التجاهل الحكومي منذ سنة 2017”.
وبالنسبة للاستراتيجية الحكومية للأرشيف، دعت الجمعية الحكومة لضمان التزام مختلف الوزارات والمؤسسات العامة والجماعات الترابية بمقتضيات المنشور رقم 19/2018 الصادر بشأن تحسين شروط تدبير الوثائق الإدارية والأرشيف بالمرفق العام، وذلك عبر إصدار مرسوم حكومي ينص وجوبا على ضرورة توفر كل المؤسسات العمومية وإدارة الدولة على هياكل تدبيرية للأرشيف (مصالح، أقسام، مديريات).
واعتبرت أنه لم يعد مقبولا في مغرب 2024 أن تبقى مديريات بوزارات من قبيل وزارة الثقافة والانتقال الرقمي والتعليم العالي والأمانة العامة للحكومة ومؤسسات من قبيل مؤسسة التنمية الرقمية واللجنة الوطنية للتعليم والمكتبة الوطنية والوكالة المغربية لتنمية الصادرات والمعهد المغربي للإعلام العلمي والتقني وبعض مديريات المالية والخارجية، محرومة من خبرات وبروفايلات المتخصصين من خريجي علوم المعلومات والأرشفة وهندسة البيانات واليقظة الاستراتيجية.
وأعلنت الجمعية دعمها لخطة مركزة السياسة العامة للمعلومات والأرشيف والديجيتال، مشيرة إلى أنها مقتنعة من أن “هذا التوجه الإصلاحي كفيل أيضا بإخراج القطاع من دوامة التنافس “الميركونتيلي” الحزبي على كراسي تلك المؤسسات، عبر إلحاق مؤسسات المركز الوطني للبحث العلمي والتقني والمكتبة الوطنية وأرشيف المغرب بباقي مؤسسات القطاع على غرار المركز الوطني للتوثيق ومدرسة علوم المعلومات”.
واعتبرت أن التأطير التشريعي للإصلاح ينبغي أن يأخذ في الحسبان دائما ثابتة أن الهدف من تجميع كل تلك المكونات هو الوصول إلى سياسة وطنية منسقة ومنسجمة في المجال يعهد تنسيقها لمؤسسة التخطيط بالصيغة المحينة.
إلى ذلك، اعتبر البلاغ أن ما خرجت به الحكومة بداية 2017 بخصوص فكرة مشروع مكتبة الأرشيف الوطني ضمن مشروع “الرباط مدينة الأنوار”، يعد أحد مخارج الأزمة شريطة أن يخضع مضمونه لنقاش مهني هادئ ومسؤول مع كل من يهمه الأمر، مضيفة: “مقتنعون أن فشل المقاربات العمودية السابقة واقع ملموس يقر به أصحابها قبل غيرهم”.
المصدر: العمق المغربي