تستعد مدينة الصويرة لاحتضان مهرجان “كناوة وموسيقى العالم” الذي سينظم في الفترة ما بين 19 و21 يونيو الجاري، إذ يرتقب أن تتحول المدينة العريقة إلى مركز عالمي للتلاقح الموسيقي والحوار الثقافي.
يتخطى هذا الحدث حدود المهرجان التقليدي ليقدم تجربة روحية وإنسانية فريدة، يجتمع فيها معلمو فن كناوة، حماة التراث الروحي الأصيل، بنجوم الموسيقى العالمية في لقاء ساحر يمتد لثلاثة أيام.
ويهدف المهرجان إلى إثراء التبادل الثقافي وصياغة تجارب صوتية مبتكرة، في أجواء تمزج ببراعة بين عمق التقاليد الروحية وحيوية الشباب المعاصر. كما يسعى الملتقى إلى ترسيخ قيم الانفتاح والحرية الفكرية، متخذًا من لغة الموسيقى العالمية جسرًا للتواصل.
و يبرز مهرجان كناوة وموسيقى العالم بطابعه الإنساني الذي يتيح للجمهور عيش تجربة متكاملة تتشابك فيها الأبعاد الروحية والفنية والاجتماعية، مما يجعل من الصويرة وجهة عالمية للباحثين عن التميز والأصالة في آن واحد.
ويرتقب أن تنطلق فعاليات مهرجان كناوة بموكب افتتاحي بهيج يصدح بالإيقاعات والرموز التراثية، حيث يجوب جميع معلمي كناوة شوارع الصويرة في مشهد يعكس الفرح الشعبي والوحدة الروحية، ممهدًا الطريق لأجواء احتفالية تتميز بطابعها البهيج، الروحاني والعالمي.
يلي الموكب حفل افتتاح استثنائي على منصة مولاي الحسن، يضم كوكبة من النجوم العالميين، يتصدرهم المعلم حميد القصري، الرمز الحي للطقوس الكناوية المغربية، إلى جانب فرقة باكالاما السنغالية المتخصصة في إيقاعات ورقصات غرب إفريقيا التقليدية. كما تشارك الفنانتان عبير العابد وكيا لوم، لتنسجا خيوطًا صوتية متنوعة تمزج بين الروحانيات المغربية والإيقاعات التقليدية والموسيقى المعاصرة.
وكشف منظمو المهرجان، أن الأخير يزخر بتجارب موسيقية غنية، حيث يلتقي المعلم حسام كينيا بعازف الطبول الأمريكي ماركوس جيلمور من نيويورك في أداء مشترك فريد على آلة الكمبري. فيما يدخل مراد المرجان في حوار روحي عميق مع ظافر يوسف، رائد الجاز الصوفي.
وتبرز المشاركة النسائية من خلال أسماء حمزاوي وفرقة بنات تمبكتو، اللواتي ينسجن مع الفنانة المالية رقية كوني أغانٍ تجمع بين المقاومة والأخوة النسائية، المشبعة بالتقاليد والالتزام الاجتماعي.
ويقود المعلم محمد بومزوغ، حسب بلاغ توصلت “العمق” بنسخة منه، مشروعاً إبداعياً جديداً يضم كلاً من أنس شليح وألي كيتا وتاو إيرليش ومارتن غيربان وكوينتين غوماري وحجار العلوي، في مغامرة صوتية تربط بين المغرب ومالي وفرنسا. تمتزج في هذا العمل آلات البالافون والكمبري والنفخيات في تركيبة موسيقية تعكس روح التعاون والإبداع الجماعي.
ويشهد مهرجان الصويرة هذا العام حضوراً مميزاً لنجوم الموسيقى والشتات الأفريقي، حيث يلتقي النجم الصاعد سِيمَا فانك من الساحة الأفروكوبية بأسطورة الريغي الملتزم تيكن جاه فاكولي، إلى جانب الظاهرة النيجيرية في موسيقى البوب سي كاي، في لقاء استثنائي يجمع جمهوراً متنوع الأجيال.
وتحظى موسيقى كناوة بتمثيل قوي هذا العام على منصة الشاطئ، حيث يقدم الجيل الجديد من الفنانين عروضاً مميزة إلى جانب الأساتذة الكبار، مما يعكس تواصل الأجيال والحفاظ على التراث الموسيقي الأصيل.
ويؤكد المهرجان على هويته كمساحة للجرأة والابتكار، حيث يقدم فنانون مبدعون مثل فهد بنشمسي أند ذا لالاز، ديوعود، مشروع نِشطيمان، ذا ليلى، ورباب فيزيون مقترحاتهم الفريدة التي تجمع بين الجذور المحلية والتأثيرات المعاصرة، مع التزام صوتي قوي يميز أداءهم.
ويشارك في فعاليات المهرجان 350 فناناً، من بينهم 40 معلماً كناوياً، يقدمون 54 حفلاً موسيقياً على مدار الأيام الثلاثة المكثفة. تتنوع العروض بين الحفلات الكبرى في الهواء الطلق والعروض الموسيقية الوترية، إضافة إلى العروض في الأماكن التراثية، مما يوفر تجربة موسيقية متكاملة في أوقات مختلفة من النهار والليل.
التفكير في العالم بطريقة مختلفة: منتدى حقوق الإنسان
يشهد مهرجان “كناوة” عودة منتدى حقوق الإنسان في نسخته الثانية عشرة، والذي يركز هذا العام على موضوع “الحركيات البشرية والديناميات الثقافية”. سيجمع المنتدى، على مدار يومين، نخبة من المفكرين والمبدعين، منهم كتاب ومخرجون وعلماء اجتماع مثل: إيليا سليمان، أندريا ريا، واسكال بلانشار، فيرونيك تادجو، كريم بوعمراني، كاسي فريمان، فوزي بنسعيدي، ريم نجمي، وبارتيليمي توغو.
وسيتناول المشاركون العلاقات المعقدة بين الهجرة والسرد والإبداع الفني والهوية، في حوارات تهدف إلى تقديم رؤى جديدة حول هذه القضايا المعاصرة. سيمثل المنتدى فضاءً حراً للفكر، يقف عند تقاطع المعرفة والفنون والتجربة الإنسانية.
الاستثمار في المستقبل: نقل المعارف والإبداع
يعود برنامج “بيركلي في مهرجان كناوة والموسيقى العالمية” في نسخته الثانية، بالشراكة مع كلية بيركلي للموسيقى الأمريكية المرموقة، خلال الفترة من 16 إلى 21 يونيو، إذ سيوفر البرنامج فرص تدريب متقدمة لموسيقيين شباب من 23 دولة، إلى جانب فنانين معترف بهم دولياً. وقد صُمم البرنامج كمختبر حي للتعلم والتعاون الموسيقي، ويجسد القيم الأساسية للمهرجان المتمثلة في التوارث والتحدي والجرأة في التجريب الفني.
على نفس المنوال، سيؤدي إحداث “كرسي التقاطعات الثقافية والعولمة”، الذي يستند إلى مختبر للهجنات الثقافية ويُقام بالتعاون مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، إلى تنظيم مائدتين مستديرتين مفتوحتين للعموم خلال المهرجان.
سيقوم باحثون وفنانون ومفكرون باستكشاف الروحانيات المتقاطعة، وأصداء الطقوس الكناوية، وأشكال مزج الموسيقى المعاصرة.
ويتضمن البرنامج الثقافي للمهرجان مجموعة متنوعة من الأنشطة، منها لقاءات “شجرة الكلام”، وهو فضاء للحوار مستوحى من التقاليد الإفريقية العريقة. كما يُقام معرض “بين اللعب والذاكرة” في برج باب مراكش، بالإضافة إلى الحفلات الموسيقية في الشوارع والورشات المفتوحة للجمهور. تشكل هذه الفعاليات لحظات قيمة تتيح للزوار الانغماس في الأجواء الثقافية للمهرجان بعيداً عن زحمة العروض الرئيسية.
المصدر: العمق المغربي