تشرفت أمس، السبت 31 ماي 2025 الموافق 04 ذو الحجة 1446 هــ، بحضور أشغال المجلس الوطني لحزب الأصالة والمعاصرة في دورتها الثلاثين. هذا الحزب الذي تربطني به علاقة غير قابلة للعد والحساب والتسعير ولا لمنطق الربح والخسارة. فقد أصبح ملمحا أساسيا لهويتي السياسية والفكرية وذاكرة تأبى النسيان أو التلف في سياق ديمومة الزمن وتحولات التاريخ. كيف لا وقد ساهمت إلى جانب مناضلين ومناضلات اخربن من مختلف مناطق المغرب و بوعي نقدي مسؤول في تأسيس هذا الحزب الذي تعامل معه البعض بنقد موضوعي و تعامل معه اخرون بخلفيات سياسية عقيمة ومتحاملة وعدوانية سعت إلى اجتثاثه. هذا الحزب الذي ولد ” متـــهما ” و محــاصرا من طرف كل قــــوى حراســــة الانتماء لزمنية جــــامدة،ثم فـــــرض وجوده ككيان سيــــاسي تحركه كل أطيـــــاف المجتمع،بما فيهم هؤلاء القادمـــــون من الهامـــش، حيث لا نملك شيئا أكثـــــر من غصن الوفـــاء الجميــــل، غصن الوفـــــاء الثقيل. ولأن الأفكار القوية والمنبثقة من المجتمع لا تموت تحول هذا الإطار السياسي الحزبي الوطني إلى قوة سياسية فاعلة وموثوقة وحائز على مشروعية مجتمعية ووطنية لا جدال فيها.
تباغتني العديد من الذكريات قبل سبعة عشرة سنة و روحي ممتلئة بالحماس والثقة والأمل في بناء تجربة حزبية سياسية تفتح إمكانات العمل السياسي الديموقراطي المنظم في وجه الشباب، وتحقق الإنصاف على قاعدة الخبرات والكفاءات والانتماء للمشروع الحزبي. وليس سرا أن واقع السياسة الحزبية في ذلك الوقت كان منفرا وغير مقنع للكثير من الشباب، فكان الجو العام مؤسسا على التشكيك في التجربة الحزبية ومدى قدرتها على خلق الأمل وصناعة سياسات عمومية.
أتذكر العديد من المناضلين الذين وضعوا الحجر الأساس لهذا الحزب ولم تحملهم المياه التي مرت من تحت الجسر إلى أي مكان، واختاروا الوفاء للفكرة والانتصار للمشروع والسعي إلى إبداع واقع حزبي يعطي للسياسة معناها النبيل ويكون في مستوى الطموح الملكي، فنحن جيل التحولات البنيوية ندرك جيدا عمق الثورة الإصلاحية التي يقودها الملك محمد السادس نصره الله ونعي قيمة المجهودات الملكية التي عملت على تغيير ملامح المغرب ضمن تصور تنموي شامل وبنيوي.
هؤلاء المناضلون الذين كانوا جزءا من هذا الحــــزب،في لحظــــاته القاسيـــة و الصعبة و كان إيـــــمانهم بالسفينة أكـــــبر من مخاوف البحــــر الهائج و أســــاطيـــره، هــــــؤلاء وجهنــــا النــــاصع أمام الشعب و نبضنا الحي من داخــــــل الشارع، إنــــــهم الأمـــل، بهم نحلـــم و ننتصر. إن هؤلاء الرفاق و الرفيقات أبــــناء طبيعيين للجـــرار؛ تعاقــــــداتهم أخلاقية أولا؛ فلــــيكن الحزب و ليعش الحزب أولا ثــــــم لاشيء ثــــم، لأن الحزب فكـــرة متجردة من الطـــــابع الأداتي الذي يجعلها وسيلة أمــــــام هواجس الناس و انتظــــاراتهم، لأننا جـــزء من حركة هذا الكــل و لعل بداهة عقلية ديكارتية واضحة تنص على أن الكل أكبــــر من الجزء.
سعيد جدا برؤية هؤلاء الشباب يتحملون العديد من المسؤوليات التنظيمية داخل الحزب و هذا مؤشر على صحة الحزب وعافيته السياسية والتنظيمية وعلامة مطمئنة بخصوص مستقبله باعتباره حزبا سياسيا فاعلا في المجتمع ومخاطبا لقواه ومكوناته وتعبيراته وليس عدة تنظيمية منفصلة عن المجتمع ومتعالية عن نبضه. الأمر الذي يجعله قادرا على المساهمة في الرهانات المجتمعية لبلادنا.
جدير بالذكر أن الدورة الثلاثين لحزبـــنا تأتي في سيــــاق خـــاص، ليس ارتباطـــا بالاستحقاقات الانتخــــــابية فقط أو بمشــــروع التنمية الضخم المتعلق برهانــــــات المونديال و آفــــاقه ضمن خريطة سياسية متــــحركة بل بمطـــلب أعمق و أشـــــمل : تذليــــل الحواجــــز بين المجـــتمع و السياســـة و هي المهمة التــــــي بذلت من أجلها القيــــــادة الســـياسية جهدا كــــبيرا عبر قراءة واقعــــــية لاحتيـــــاجات الحاضر و المستقبل.
البام حزب المغاربة
المصدر: العمق المغربي