قبل أيام من القمة المرتقبة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب في ألاسكا يوم 15 غشت الجاري لمناقشة الحرب في أوكرانيا، تعود الأضواء إلى ربع قرن من العلاقات المتقلبة بين الكرملين والبيت الأبيض منذ صعود بوتين إلى السلطة أواخر عام 1999، وهي علاقات تداخلت فيها لحظات تقارب محدودة مع فترات طويلة من التوتر والاتهامات المتبادلة.

مع نهاية ولاية بيل كلينتون كان المشهد الدولي لا يزال يتأثر بتداعيات حرب كوسوفو، التي أفسدت الأجواء الإيجابية، التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي. وباستقالة بوريس يلتسين في الحادي والثلاثين من دجنبر 1999، رحبت واشنطن بخليفته بحذر، إذ وصفت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت بوتين بأنه “رجل حازم وعملي”، ودعت إلى مراقبة أفعاله عن كثب. وفي أول قمة ثنائية عام 2000 أشاد كلينتون علناً بقدرته على بناء “روسيا مزدهرة وقوية تحترم الحريات وسيادة القانون”.

مع وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض بدأ التفاعل إيجابياً، إذ قال بوش في أول لقاء عام 2001 إنه “نظر في عيني بوتين ورأى روح رجل مخلص لوطنه”. وتوطدت العلاقة بعد هجمات الحادي عشر من شتنبر حين أبدى بوتين دعماً واضحاً فيما عرف بـ”الحرب على الإرهاب”. غير أن الانسحاب الأمريكي من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية في دجنبر من العام نفسه فتح الباب لفتور متصاعد، سرعان ما تعمق بالخلاف حول غزو العراق عام 2003 وأحداث “الثورة البرتقالية” في أوكرانيا عام 2004.

في عهد باراك أوباما شهدت العلاقات انطلاقة دافئة عام 2009 مع إطلاق مبادرة “إعادة الضبط” في ظل رئاسة ديمتري ميدفيديف. لكن سرعان ما ظهرت التوترات، خصوصاً بعد منح روسيا اللجوء لإدوارد سنودن عام 2013، وهو ما دفع أوباما إلى إلغاء قمة مع بوتين. ثم جاء ضم شبه جزيرة القرم في 2014 والتدخل الروسي في سوريا عام 2015 ليعيد الأجواء إلى ما يشبه الحرب الباردة.

دونالد ترامب، خلال ولايته الأولى، وعد بعلاقات أفضل مع موسكو، لكن هذه الوعود اصطدمت باتهامات تدخل روسيا في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، وهو الملف الذي ألقى بظلاله على مجمل العلاقات. وقد أثار مؤتمره الصحافي مع بوتين في هلسنكي عام 2018 جدلاً داخلياً واسعاً بعد أن أبدى شكوكه حول استنتاجات الاستخبارات الأمريكية بشأن التدخل الروسي، وتأكيده على انسجامه الشخصي مع الرئيس الروسي.

مع جو بايدن اتخذت العلاقة منذ البداية منحى متوتراً، وبلغت القطيعة مستويات غير مسبوقة عقب الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، إذ قطعت واشنطن الاتصالات المباشرة، ووجهت دعماً عسكرياً كبيراً لكييف تجاوز 70 مليار دولار. ولم يتردد بايدن في استخدام أوصاف شديدة بحق بوتين، من قبيل: “قاتل” و”مجرم حرب” و”جزار” و”وغد مجنون”.

بين هذه المحطات ظلت علاقة بوتين بالرؤساء الأمريكيين مرآة دقيقة لمستوى التوتر أو الانفراج بين القوتين، إذ تعكس كل مرحلة مواقف الطرفين من القضايا الدولية الكبرى، من مكافحة الإرهاب والحد من التسلح إلى النزاعات الإقليمية وصراعات النفوذ.

وفي ظل استمرار الحرب في أوكرانيا وما تثيره من تداعيات على النظام الدولي، يترقب العالم ما إذا كانت قمة ألاسكا ستفتح نافذة جديدة للحوار، أم ستكرس الانقسام القائم منذ سنوات.

المصدر: هسبريس

شاركها.