من فيينا إلى قبائل زعير والشاوية..النمساوية “ترلان” تغوص في الدارجة المغربية عبر رسالة دكتوراه (فيديو)
من المألوف أن نرى طلبة أجانب منكبين على تعلّم اللغة العربية الفصحى، سعيا وراء فهم ثقافتنا وإتقان لساننا. لكن نادرا ما نجد من يظهر اهتماما خاصا بالدارجة المغربية، تلك اللغة الغنية بمفرداتها وتعابيرها، والتي تُشكل جزءا لا يتجزأ من ثقافتنا وهويتنا.
ترلان، طالبة دكتوراه نمساوية، تخوض رحلة استثنائية لاكتشاف أسرار لهجة الدارجة المغربية و”العروبية” منها بالخصوص، حيث قررت التعمق فيها وجعلها موضوع بحث دكتوراه.
الفتاة الثلاثينية القادمة من مدينة الأحلام، فيينا، نشأت في النمسا بعد انتقالها من أذربيجان في سن الخامسة، حاملة شغفا مبكرا باللغات.
تحكي ترلان في مقابلة خاصة مع جريدة العمق، أنها كانت تفكر في البداية في دراسة اللغة التركية لقربها من لغتها الأم، قبل أن يبهرها سحر اللهجة المغربية، وتقرر الغوص في أعماقها.
تخطو ترلان خطوات ثابتة في مجال الدراسات الاستشراقية، بعد حصولها على شهادة الماجستير في العلوم السياسية بمدينة فيينا. تكمل ترلان رحلتها الأكاديمية ببحث دكتوراه ينصب على اللهجات المغربية، مستوحاة من حبها الشديد للمغرب، وثقافته الغنية وتنوعه الفريد.
زيارات سابقة للمغرب، تركت في قلب ترلان انطباعا عميقا، فمنذ عشر سنوات، بدأت في استكشاف مدن المغرب، معجبة بجمال طبيعتها ولذة أطباقها وثقافتها الأصيلة.
بلهجة مغربية متقطعة، تواصل حكيها عن رحلتها الفريدة التي بدأت حينما قررت قبول عرض أستاذها لإجراء بحث حول الدارجة المغربية. تقول ترلان، “وافقت دون تردد، ووضعت نصب عيناي تحدي إنجاز بحث شامل عن المصطلحات الشعبية التي تزخر بها اللهجة “العروبية”، وفق تعبيرها.
لهجة “زعير” نموذجا
اختارت ترلان لهجة بادية زعير نموذجا لبحث دكتوراها، لما تتمتع به هذه اللهجة من غنى في المفردات الشعبية العريقة.
في هذا الإطار أوضحت ترلان أن الدراسات حول اللهجات المغربية الأخرى كثيرة، بينما تعد اللهجة “الزعرية” شبه غائبة عن البحوث الأكاديمية. باستثناء كتاب للكاتب الفرنسي فيكتور لوبناك الذي تناول اللهجة الزعرية، أيام الاستعمار الفرنسي، لكن أبحاثه في هذا الإطار لم تكتمل بسبب وفاته. تضيف المتحدثة.
كرم الضيافة والاستقبال الحار ببادية زعير، يلامسان قلب ترلان، بينما تغني قاموسها بالمصطلحات الشعبية. تتعلم معنى “الفلاحة” و”الكسيبة” و”البهايم” و”النعجة” و”الغلم”.
مفردات شعبية غنية، تشد اهتمام ترلان، وهي تجوب قرى ومدن منطقة زعير، تسافر بين عين عودة والروماني وزحيليكة والبراشوة ومولاي ادريس أغبال، تتجول في الأسواق الأسبوعية، وتطلع على عادات وتقاليد أهل المنطقة.
تدخل الطالبة النمساوية بيوت الأسر المغربية وتستمع لحكايات من عاصروا أجيالا سابقة، تسأل عن طريقة العيش قديما، وتستفسر عن مصطلحات وجدت صعوبة في فهمها مثل، “المطمورة”، و”الجوجة”..
تحكي ترلان وهي منتشية بما خزنته ذاكرتها من مفردات شعبية، “أعجبت كثيرا بعادات وتقاليد المنطقة، أكلت اسفنج الصباح، في سوق مولاي ادريس اغبال، وتناولت وجبة السمك المقلي بالطريقة الخاصة في الأسواق”.
من زعير إلى الشاوية
وهي تُواصل رحلتها في البحث عن “الدارجة العروبية” متجهة نحو منطقة الشاوية، تحكي ترلان عن زيارتها لدوار بني مسناوي: “زرت قرية بها منازل قليلة لا تتجاوز 10 منازل، وحظيت باستقبال حار من قبل أصدقاء لي أمكث عندهم في كلّ زيارة”.
خلال 3 أيام، لاحظت ترلان بعض الاختلافات بين لهجة بادية زعير ولهجة الشاوية، تقول: “تختلف بادية زعير عن بادية الشاوية من حيث الفلاحة ونطق الكلمات، لكن تشتركان في كرم الضيافة والبساطة.”
لم تكن رحلة ترلان سهلة، فقد واجهت العديد من التحديات، بدءا من صعوبة نطق اللهجة، وصولًا إلى الفروق الثقافية بينها وبين ثقافتها الأصلية. لكنها لم تستسلم، بل واجهت هذه التحديات بعزيمة وإصرار، متحمسة لإغناء قاموسها وإنجاز بحثها بالشكل الذي تريد.
المصدر: العمق المغربي