تمهيد :

يمكن تسميتها نكاتا أو طرائف أو مستملحات، أتحفتنا بها وزارة الداخلية مشكورة، من خلال طرح مشروع قانون يجرم التشكيك في نزاهة الانتخابات، ممنوع منعا كليا قول إن الانتخابات “مزورة”، هذا القانون “النكتة” قبل أن يكون مثيرا للجدل فهو بلا شك مثير للضحك والسخرية، كيف لشخص عاقل مسؤول أن يمنع ملايين المغاربة من التعبير، وخاصة أن الحدث وطني كبير ولا يمكن لجم الناس عن الخوض فيه سلبا أو إيجابا، كما هي العادة منذ فجر الاستقلال، فلو كان شيء يستحق فعلا حماية القانون من التشكيك فيه، لكان قرآن رب العالمين المنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي تعرض لحملات عنيفة من التشكيك، سواء من المستشرقين نصارى ويهود أو من علمانيي العرب، يحدث هذا مع أقدس كتاب عند العرب و المسلمين على الإطلاق، فهو بلا شك وحي من رب العزة نزل به جبريل على أكرم خلق الله، فهل ترقى الانتخابات إلى درجة الوحي بحيث لا يجوز التشكيك أو الطعن فيها..؟ وهل أصبحت الانتخابات مقدسة بلا اخبار مولاي الدستور..؟ لا يمكن لمن له ذرة عقل أن يطرح هذا القانون، وخاصة في بلد اختار التعددية الحزبية والسياسية، فيه تيارات من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، في الحقيقة هذا من أهم أسباب معارضتي لتقنين القنب الهندي، لأن الإكثار من”الشقوفا” أمر لا تحمد عقباه وخاصة في الميدان التشريعي و السياسي…!!

ـ البصري يعلن تزوير الانتخابات على الهواء مباشرة..!!

نعم هذا صحيح لقد شاهدته مباشرة، على قناة ” إـ ت ـ م” و كما يقول المثل المغربي : ( أو على عينك يا بن عدي )، أيام كانت تلقب فيها وزارة الداخلية بـ”أم” الوزارات، وكان سي إدريس أقوى وزير داخلية عرفته البلاد بعد الاستقلال. إن مشروع قانون ( تجريم التشكيك في نزاهة الانتخابات)، بلا شك يدين بأثر رجعي وزير الداخلية السابق سي ادريس، و يتيح لوزير الداخلية اللاحق إمكانية اعتقاله و تغريمه، قصة سي ادريس مع حدث اعترافه الضمني بالتزوير، ابتدأت عندما بالغت المعارضة في الكلام عن تزوير الانتخابات، وكانت اللازمة التي يرددها قادتها هي : ( ما بني على باطل فهو باطل )، إضافة إلى قولهم : ( انتخابات مزورة لا يمكن إلا أن تعطي حكومة مزورة )، وكانت المعارضة آنذاك مشكلة من : ( الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و التقدم و الاشتراكية وحزب الاستقلال ثم منظمة العمل )، لقد جرت العادة أن تتحدث المعارضة عن تزوير الانتخابات، لكن لمدة شهر أو حتى ثلاث إلى أربع اشهر ثم يطوى الملف، لكن يبدو أن المعارضة كانت في عملية تسخين، لإعلان الكتلة الديمقراطية والتي أعلنت فعليا في 1992، وهذا التصرف من المعارضة استفز” أم ” الوزارات المشرفة على الانتخابات، عندها تقدم سي ادريس أمام البرلمان في كامل أناقته، متأبطا ملفا أخضر يمشي بخطوات ثابتة نحو المنصة، وبعد أن حيا رئيس البرلمان و النواب المحترمين، و النائبتان المحترمتان توجه بنظراته نحو قادة المعارضة، وقال بلهجة عروبية فصيحة : ( الناس اللي كي هضرو على تزوير الانتخابات راه حتى واحد ما “صافي” أو راه عندي ملفات)، يعني أن التزوير استفاد منه الجميع لا معارضة ولا أحزاب إدارية، إنه اعتراف ضمني بحدوث تزوير انتخابي شامل، وأن كلام المعارضة عن نبذ التزوير ماهو إلا مسرحية، وهذا ضرب لـ ( الكتلة الديمقراطية ) في مقتل، بعدها سكن ضجيج المعارضة المطالبة بكشف المستفيدين من التزوير….

ـ قانون : ( قولوا العام زين ) ..

قولوا الانتخابات “نزيهة” يالمغاربة قولوها قولوها…

يقول المثل المغربي 🙁 لعشا الزين من العصر تعطيك ريحتو )، هكذا يبدو أن الإنتخابات القادمة ستكون” نزيهة ” بل “شفافة” و “دموقراطية” كذلك، إن المغاربة دفعوا من دمائهم بسخاء، لقد حاربوا الرومان و البزنطيين و الإسبان و الفرنسيين، من أجل العيش بحرية فوق هذه الأرض وتحت سمائها، لهذا لا يحق لوزير أو مجموعة من النواب لجم المغاربة، و التعامل معهم كقطيع من الأكباش يساق دون إرادته، إضافة إلى أن البرلمان لا يمثل كل المغاربة، في إحصاء رسمي لوزارة الداخلية هناك الملايين لم يصوتو أصلا، لقد قال الملك الحسن الثاني رحمه الله : (.. المغاربة ليسوا أكباشا ..)، أنا لا أفهم لماذا يصر البعض على اعتبارهم كذلك…؟ لا تقل يا مواطن الانتخابات “مزورة” لا تشكك في نزاهتها، لا تنتقد العملية سلم تسلم قل دائما “العام زين”، لقد ذكرني قانون الداخلية هذا بلقطة طريفة من فلم عادل إمام ( الإرهابي )، عندما أمر أمير الجماعة عادل إمام بتنفيذ العملية حيث قال له : ( لا تناقش ولا تجادل أخ علي وإلا وقعت في المحظور..!!)، هل يريد البعض أن نصل لهذا الحال..؟ تصور معي لو أن كل الوزارات اختارت نهج وزارة الداخلية، وقدمت مشاريع قوانين تمنع انتقاد أعمالها أو محاسبتها… كارثة… إن مشروع قانون يجرم مجرد التشكيك أو قول كلمة”مزورة”، يعد إرهابا وسيفا مسلطا على رقاب المعارضة والصحافة المستقلة و المدونين، النتيجة عنوان فلم عادل إمام : ( شاهد مشافشي حاجة..)، وهذه أول خطوة على طريق الإستبداد والدكتاتورية…

ـ قصة طريفة عن حرية التعبير…من زمن الاتحاد السوفييتي :

يحكى أنه في زمن الاتحاد السوفييتي البائد، كان هناك رعب شديد وخوف من سطوة أخطر جهاز مخابرات”KGB “، وفي عهد القائد الدموي الحديدي الرفيق ( جوزيف ستالين )، أرادت الحكومة إرسال كتيبة من الجنود الروس، لمنطقة نائية لحراسة الحدود، وكانت منطقة مقفرة قاحلة شديدة البرودة، لكن الدعاية الحكومية صورتها على أنها جنة فوق الأرض، وطلبت من الجنود التطوع و ملء الإستمارة، لكن أحد الجنود طلب مهلة للتفكير بعد أن اتفق مع زميله، حيث قال له : ( إذا كانت الأمور جيدة كما زعمت الحكومة، فارسل لي رسالة بخط أخضر وإن كان ذلك غير صحيح، اكتب لي بلون أحمر )، وبعد أسبوع أرسل إليه رسالة بخط أخضر جميل، و استبشر الرفيق وظن أن الأمور على ما يرام، ثم بدأ في قراءة الرسالة التي جاء فيها : ( لقد صدق الرفيق جوزيف ستالين، إن المنطقة فعلا جنة الله على أرضه، الأزهار والورود مع الخضرة اليانعة على مد البصر، أما عن الأكل يا رفيقي فحدث ولا حرج ألذ الأطباق من تونة، ولحم مشوي و الكفيار و انواع السجائر و الخمور، و سهرات مع فتيات شقراوات رقص وغناء إلى الفجر…. فرصة إياك أن تضيعها… تحياتي أخوك الرفيق فلاديمير تشيكوف آسف لم أجد يا رفيقي قلم أحمر ..!! )، إن بهذه الطريقة يتفادى الروس رقابة المخابرات على المراسلات، هل سيصبح المغاربة مثل هؤلاء الجنود الروس..؟، لا يسمون الأشياء بأسمائها خوفا من قانون الانتخابات، مثلا قد يقول المغربي عن الانتخابات المزورة : ( إنها كانت نزيهة بل شفافة و دموقراطية لم يشهد المغرب مثلها..!! ) متأسف إخواني ليس عندي قلم أحمر….!!! هذه نتيجة إرهاب قانون الداخلية … النفاق

المصدر: العمق المغربي

شاركها.