شهدت الدورة الأخيرة لمجلس مقاطعة عين الشق، المخصصة لمناقشة ميزانية عام 2026، إعادة تشكيل لافتة للديناميكيات السياسية الداخلية، حيث تحولت إحدى أبرز وجوه المعارضة، السيدة مريم ولهان، نائبة رئيس المقاطعة، إلى داعم رئيسي للأغلبية الحالية، في خطوة أثارت جدلا واسعا حول العلاقة بين المناصب الإدارية والمواقف السياسية.
يعزى هذا التحول الجذري في موقف السيدة ولهان، التي عرفت سابقا بقيادتها لمعارضة قوية ومنهجية، إلى حصولها مؤخرا على تفويض خاص بالتوقيع والمهام في قطاع التعمير، وهو قطاع حيوي واستراتيجي.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة الإدارية كانت العامل المحفز وراء تغيير موقفها من ملف الميزانية، حيث دعمت المصادقة عليها بقوة إلى جانب رئيس المجلس، متجاوزة بذلك التحفظات الجوهرية التي أبداها زملاؤها في حزب الأصالة والمعاصرة، الذي تنتمي إليه.
أعرب أعضاء فريق حزب الأصالة والمعاصرة عن اعتراضات واضحة على مشروع الميزانية، مشيرين إلى “غياب الشفافية في بعض البنود” ووجود “اختلالات في إدارة المشاريع السابقة”، لا سيما فيما يتعلق بالصفقات العمومية والتسيير المالي.
ورغم هذه المؤاخذات الموضوعية، كان لموقف ولهان، مدعومة بصلاحياتها الجديدة، دور حاسم في تمرير الميزانية، مما كشف عن تصدعات داخل الحزب الواحد ووضع استقلالية قرارات أعضائه على المحك.
في تعليقه على هذا المشهد، قدم الفاعل السياسي سعيد عاتيق، في تصريح لجريدة “العمق”، تحليلا نقديا لما وصفه بـ “الانتهازية السياسية” داخل المشهد السياسي المحلي، موضحا أن النقد السياسي لا يستهدف السياسة بحد ذاتها، ولا المبادئ الديمقراطية التي تقوم عليها، بل يستهدف أولئك الذين يحرفون العمل العام لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة.
وأوضح عاتيق أن “الانتقادات الموجهة للمشهد السياسي ليست ضد الفكر الديمقراطي، ولا ضد المبادئ التي تقوم عليها العملية السياسية، بل ضد محترفي الانتهازية الذين يعتبرون العمل العام منصة لتحقيق مكاسب شخصية، دون مراعاة لمسؤولياتهم تجاه المواطنين أو المشروع الجماعي”.
وأشار إلى وجود فئة وصفها بـ”الهدامين”، الذين يترصدون كل مشروع إصلاحي أو مبادرة بناء، ويواجهون كل خطوة يسعى من خلالها المسؤولون إلى تحسين الواقع العام، حاملين معهم معاول التشكيك والعرقلة.
وأكد أن هؤلاء لا يرون في المعارضة سوى وسيلة لتوجيه الاعتراضات ورفع اللواءات ضد الرئيس أو المكتب المسير، بغض النظر عن مدى فائدة المبادرات المطروحة للمواطنين أو مساهمتها في تحقيق تقدم ملموس.
وتطرق عاتيق إلى الدور الحقيقي للمعارضة، قائلا: “المعارضة، كما يفترض أن تكون، ليست عكس الأغلبية، بل تكملها. هي صمام أمان للعملية التسييرية، ومهمتها الأساسية تكمن في الرقابة والنقد البناء، وتقديم مقترحات بديلة واقعية وقابلة للتنفيذ، وليس مجرد المعارضة من أجل المعارضة أو استعراض القوة السياسية”.
وأكد أن المشهد السياسي المحلي يعيش “واقعا مؤسفا”، مستشهدا بسلوك شائع في العديد من المجالس والهيئات السياسية: “كلما تمكن ‘المعارض’ من الوصول إلى منصب داخل المجلس أو الانضمام إلى الأغلبية، يتحول فجأة إلى مؤيد صارم لما كان ينتقده سابقا”.
وأوضح أن هذه الولاءات الجديدة غالبا ما تكون نابعة من المصلحة الشخصية أو الرغبة في البقاء ضمن مواقع القوة، وليس من قناعة سياسية أو التزام بمبادئ العمل العام.
واختتم عاتيق تصريحه بالتأكيد على ضرورة استعادة روح المسؤولية السياسية الحقيقية، والابتعاد عن الانتهازية والممارسات المصلحية التي تسيء للمشهد السياسي، داعيا كل الفاعلين السياسيين إلى ممارسة المعارضة والولاء بشكل بنّاء يخدم المصلحة العامة ويوازن بين النقد والمقترحات الواقعية.
المصدر: العمق المغربي