تستعد المملكة المغربية لاستحقاقات انتخابية جديدة سنة 2026، في سياق وطني وإقليمي حافل بالتحديات والرهانات الكبرى، أبرزها ترسيخ المسار الديمقراطي وتعزيز الثقة في المؤسسات المنتخبة. ومع اقتراب هذا الموعد، تبرز إرادة سياسية واضحة لإعادة ترتيب البيت الداخلي للحياة الحزبية، وإدخال دماء جديدة في شرايينها من خلال مراجعة القوانين التنظيمية المؤطرة للعملية الانتخابية، وفي مقدمتها مشروع القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، الذي جاء ليضع لبنة جديدة في مسار الإصلاح السياسي بالمغرب.
ضمن هذا السياق، شكلت المبادرة الرامية إلى تحفيز الشباب دون 35 سنة على ولوج الحقل السياسي إحدى أهم المقتضيات في مشروع القانون الجديد، من خلال تبسيط شروط الترشح، سواء عبر التزكية الحزبية أو بصفة مستقلة، وتمكينهم من دعم مالي يغطي 75% من مصاريف حملاتهم الانتخابية. هذه الخطوة ليست مجرد إجراء تقني، بل هي إعلان سياسي عن مرحلة جديدة، تؤكد أن الرهان على الشباب لم يعد شعاراً انتخابياً بل توجهاً مؤسساتياً يرمي إلى تجديد النخب وبناء جيل سياسي جديد يعبّر عن طموحات مغرب ما بعد 2030.
إن هذا التوجه الجريء ينسجم مع التحولات التي يعيشها المغرب، خصوصاً مع اقترابه من احتضان كأس العالم 2030، وما يقتضيه ذلك من صورة حديثة تعكس بلداً يتجدد بقواه الحية، وفي مقدمتها شبابه. غير أن هذه الخطوة الحكومية لن تكون ذات أثر فعلي ما لم تتجاوب معها الأحزاب السياسية بصدق وإرادة حقيقية، من خلال فتح المجال أمام الكفاءات الشابة داخل تنظيماتها، وتمكينها من مواقع القرار والتأثير، بدل الاكتفاء بإشراكها في الأنشطة الشكلية أو تقديمها كواجهة تزيينية في المواسم الانتخابية.
وفي الأقاليم الصحراوية، تكتسي هذه الخطوة بعداً خاصاً، إذ يواجه الشباب هناك صعوبات إضافية مرتبطة بطبيعة البنية الاجتماعية والقبلية التي ما تزال تمنح سلطة القرار لكبار السن والوجهاء، مما يجعل مشاركة الشباب في الحياة السياسية محدودة ومشروطة بولاءات تقليدية. كما أن ضعف الإمكانيات المادية وعدم تكافؤ الفرص داخل المشهد الحزبي يزيد من صعوبة خوض غمار السياسة بالنسبة لمن لا يملكون شبكات دعم أو نفوذ مالي محلي. يضاف إلى ذلك عزوف شريحة واسعة من الشباب، الذين اختار كثير منهم البقاء في “قاعة الانتظار” مترقبين ما قد يأتي أو لا يأتي، تغلب عليهم الحيرة والتردد والخوف من المجهول، بل إن بعضهم لم يحدد بعد موقعه أو هويته الفكرية والسياسية.
أما فئة الأطر والدكاترة الشباب، فإنها تعاني من معضلة أخرى تتمثل في الانعزال داخل “أبراجها العاجية”، أو في الحرج من الانخراط الميداني ومخالطة الناس، ” كاذبة عليهم مرايتهم ” خذه النفسية تمنعهم من رؤية واقعهم الحقيقي، مما يجعل المسافة بينهم وبين العمل السياسي تتسع أكثر فأكثر. وفضلاً عن ذلك، توجد فئة قليلة من الشباب تتبنى أفكاراً انفصالية، تعيش بدورها في عزلة خانقة داخل قوقعة من الوهم والاغتراب، فلا هي مندمجة في المجتمع، ولا هي قادرة على الانتماء إلى مشروع وطني جامع. يغلب عليها التيه والحيرة والخوف من مواجهة الواقع، فتتأرجح بين الضياع والجبن، أسيرة أوهام الانفصال او غيره لم تعد تقنع حتى أصحابها. وهكذا، تتوزع فئات الشباب بين من ينتظر في صمت، ومن يخشى المجهول، ومن انسحب إلى برجه العاجي، ومن ضلّ الطريق بين الانتماء والانفصال، وهي جميعها مظاهر تؤكد الحاجة الماسّة إلى تجديد الوعي السياسي وبناء جسور الثقة والمشاركة الفعلية.
ولا يمكن لهذا المسار أن ينجح من دون مراجعة عميقة لطريقة اشتغال الأحزاب السياسية، وإعادة الاعتبار للتربية على المواطنة والمشاركة داخل المدارس والجامعات، وتحفيز العمل التطوعي والمبادرات المجتمعية كمدخل طبيعي للانخراط السياسي. فالشباب لا يبحث عن وصاية ولا عن تكرار خطابات الماضي، بل يريد أن يجد في السياسة فضاء للفعل والابتكار والمسؤولية، حيث تتلاقى حماسته مع حكمة التجربة، لا أن تُجهض طاقاته في دهاليز الزعامات التقليدية.
إن الانتخابات التشريعية المقبلة لسنة 2026 ستكون أول اختبار عملي لهذا الإصلاح، إذ ستمكّن من تقييم مدى قدرة الشباب على ركوب أمواج السياسة برزانة الشيوخ وبحماسة الجيل الجديد. سيكون الموعد فرصة حقيقية لقياس نجاح هذا التحول في ترجمة روح الدستور إلى واقع ملموس، وتحديد ما إذا كانت الأحزاب قد استوعبت فعلاً أن زمن الكهولة انتهى، وأن زمن الفعل الشبابي والشجاعة والمسؤولية قد بدأ.
المصدر: العمق المغربي
