كشفت دراسة أكاديمية حديثة للدكتور عمر احرشان، أستاذ العلوم السياسية والقانون العام بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن وسائط التواصل الاجتماعي أحدثت تغييرات جوهرية في الثقافة السياسية وطبيعة الحركات الاحتجاجية في المغرب ما بعد الربيع العربي، محولة إياها من مجرد أداة للتواصل إلى سلطة مؤثرة ولكنها في الوقت ذاته تمثل سلاحا ذا حدين له قدرة على الحشد كما له حدود وتأثيرات سلبية.

وأوضح إحرشان في دراسته، المنشورة بالعدد الأخير من “مجلة القانون الدستوري والعلوم الإدارية”، أن العلاقة بين الحراكات الميدانية ونشاط العالم الافتراضي ليست علاقة جامدة، بل تختلف في تأثيرها مع كل حراك، وقد انتقلت هذه الوسائط من كونها مجرد داعم مكمل إلى الاعتماد عليها كأساس لبعض الاحتجاجات.

وأشار الباحث إلى أن هذه المنصات مكنت في وقت قصير من استقطاب جمهور واسع، حيث ساهمت في انفتاح المغاربة على العالم وتحولاته وفتحت شهيتهم لنموذج “المواطنة المعولمة”، وهو ما واكبه تنامي ثقافة الاحتجاج.

وأضاف الأكاديمي أن هذه الوسائط تحولت من “خدمة إلى سلطة”، ومن وسيلة تواصل شخصية إلى إعلام جديد غطى على الإعلام التقليدي، وباتت تشكل تحديا لسيادة الدول بفعل انتشارها العابر للحدود وعدم خضوعها للقوانين المحلية بشكل كامل.

وتابع إحرشان أن السلطات، في مقابل هذا التأثير، انتبهت لضرورة التضييق على فضاءات اشتغالها، واستعملت في المقابل فضاء مضادا عبر توظيف حسابات وهمية وروبوتات، وهو ما جسدته مجموعات “حركة الشباب الملكي” وظهور مصطلح “العياشة” بعد عام 2013 لتشويه المعارضين وتخوين الحركات.

وبين المصدر ذاته أن الاعتماد الكلي على هذه الوسائط كان أحيانا سببا في ضعف الحراكات نفسها، حيث تفتقد للقيادة والتنظيم والتراتبية، كما تتأثر بفلسفة اشتغال هذه المنصات القائمة على المزاجية وعدم القدرة على الاستمرار وغياب النفس الطويل، مما جعل السلطات أكثر خبرة في التعامل معها.

واستشهدت الدراسة بكون فعالية هذه الوسائط قادت إلى تكثيف استعمالها، خاصة في الحراكات ذات النطاق الترابي الهامشي مثل حراك الريف، كما برز دورها المحوري في حملة “مقاطعون” الافتراضية عام 2018 التي كان أثرها الواقعي قويا رغم أنها بقيت حبيسة العالم الافتراضي.

وأكد عمر إحرشان أنه بالرغم من أن هذه المنصات أفرزت حقلا افتراضيا مساندا للاحتجاج، إلا أن السلطة استوعبته وتأقلمت معه وهيأت فضاء افتراضيا مضادا له، وهو ما يطرح إشكالية الفراغ والغموض التشريعي الذي يحيط باستخدامها.

وخلصت الدراسة إلى أن العلاقة بين استعمال وسائط التواصل والحراكات الشعبية لم تنته بعد، وتعرف لحظات مد وجزر، وأنها بحاجة ملحة إلى الموازنة بين النضال الميداني والافتراضي، ووجوب البحث عن التكامل بينهما، لأن قدرات هذه الوسائط تكون هائلة في الحشد والتواصل ولكنها ضعيفة في التنظيم والتوجيه والصمود والاستمرار.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.