من الاعتقال إلى الحرية..”العمق” تعيد تركيب قصة سقوط “طبيب الفقراء”
شهرة الدكتور التازي بالإحسان لكونه أحد مريدي الزاوية البودشيشية، جعل منه قبلة لبعض الفقراء العاجزين عن سداد تكاليف العلاج، لكن ذلك لم يشفع له أمام القانون، حيث اعتقل طبيب التجميل الشهير، ومن معه، وتوبع بتهمة “الاتجار بالبشر عن طريق الاستدراج والنصب والاحتيال”، مما عمق الصدمة لدى محبيه ومتابعيه، وبدأ الكل يتساءل، بين متعاطف ومن اعتبر أن سهم العدالة لا يخطئ.
كابوس “الاتجار بالبشر”
التهمة كانت ثقيلة ومفاجئة لمحيط وأسرة طبيب التجميل الحسن التازي، مرت حوالي سنة بين البحث التمهيدي والتحقيق التفصيلي وبت الغرفة الجنحية، ثم أحيل قرار المتابعة الأخير على جلسات المحاكمة. تمسك الدفاع منذ انطلاق جلسات محاكمة الطبيب وزوجته وشقيقه ومستخدميه الأربعة، بانتفاء عناصر وأركان جريمة الاتجار بالبشر.
عيّن “طبيب الفقراء” خمسة محامين من هيئة الدار البيضاء والرباط، وتكلّف بمحامين لبعض مستخدميه، خاصة “أمينة.ف” الممرضة التي ما لبت يمدحها خلال الاستماع إليه أمام المحكمة بقوله أنها رافقته سنوات في المهنة، ومستخدمة ثانية هي “فاطمة” المسؤولة بقسم الاستقبال سابقا بمصحته.
استمرت المحاكمة لسنة إضافية، وفي كل مرافعة وكل خرجة إعلامية تترافع فيه هيئة الدفاع للمطالبة بإلغاء تهمة “الاتجار بالبشر”، هذه الجناية التي أرعبت “طبيب الفقراء” وكل المتهمين وهيئة الدفاع، لأن إثبات أركانها، يعني أن مصير المتهمين في السجن قد يتراوح ما بين 10 سنوات إلى 30 سنة.
في أولى جلسات محاكمته، لفت الطبيب الانتباه بتغير شكله، بعدما كسى الشيب رأسه، أخذ السجن من لياقته البدنية، لكنه لم يقبر ابتسامته وحاول أن يبدو قويا، كما لم يتخل عن أناقته، ففي كل جلسة كان يرتدي “هنداما” مختلفا وأنيقا، ويتابع مرافعات الدفاع والنيابة العامة باهتمام بالغ، وكان يدون على أوراق بيضاء ما يروج خلال المحاكمة لربما يستعد لتأليف كتاب حول تفاصيل “تحول طبيب متميز إلى متهم ومعتقل”.
زوجته مونية بنشقرون، حضرت كل جلسات المحاكمة، مرتدية جلبابا و”فولار” متناسقة ألوانهما، بدت امرأة مغربية بسيطة بعدما أخذ السجن الكثير من بورجوازيتها وأخفى أثار التجميل على وجهها. كانت مونية تفضل الانعزال والجلوس على حافة المقعد المقابل لهيئة المحكمة، لكنها تحوّلت للجلوس إلى جانب زوجها وشقيقه في الجلسات الأخيرة وهي تحمل “مسبحة إلكترونية” وتهمس بشفتيها لعل الله يستجيب لها ويرفع عنها هذا البلاء وتعانق الحرية. وكانت آخر كلمة لها أمام المحكمة قبل إدانتها بأربع سنوات حبسا، عندما قالت للهيئة “أنا ابتليت كثيرا، فقدت فلذة كبدي وفقدت أبي ودخلت السجن وأنا بريئة، وأمي مريضة وتشتت عن باقي أبنائي وزوجي وأتوسل الرحمة”.
ليلة “الرعب”
عاشت أسر المتهمين، والمتهمين أنفسهم، يوما عصيبا يوم الجمعة الماضي، حيث كانوا ينتظرون بقلق وتوتر شديدين قرار المحكمة بشأن مصيرهم، هل يغادرون السجن، أم سيتابعون بجناية الاتجار بالبشر ليقضوا ما تبقى من عمرهم خلف القضبان، علما أن أعمارهم تترواح بين الخمسين والستين والسبعين سنة.
لم يكن دفاع المتهمين، ولا دفاع الطبيب يتوقعون أن يعانق أحد الحرية بعد أزيد من سنتين من الاعتقال الاحتياطي بسجن “عكاشة” بالدار البيضاء، كان الجميع خائفا ومترقبا، وذلك ما أكده عضو هيئة دفاع الحسن التازي، المحامي مبارك مسكيني، عندما صرح لجريدة “العمق، قائلا: “ها نحن نترقب وما أصعب شعور الترقب أن يقرر إنسان في مصير إنسان”.
الخوف طغى على ملامح أشقاء الدكتور التازي، خاصة شقيقه الأوسط الذي لم يتمالك نفسه فأخذ يدخن سيجارة سرا رغم منع من تعاطيها بسبب مرضه، أما ابنه حمزة، الذي دأب على حضور جلسات محاكمة والديه منذ بداية المحاكمة عكس باقي إخوته، ظل يطوف بهو المحكمة طولا وعرضا، وهو يردد كلمة: “الستريس الستريس”.
طال الانتظار، دقت الساعة العاشرة مساء، الكل التزم مقعده، الكل يترقب متى يفتح ذاك الباب الصغير في زاوية القاعة 8، وتخرج منه هيئة الحكم والوكيل العام وكاتب الضبط، استمر الانتظار، امتلأت القاعة عن آخرها، لم تمنع الشرطة دخول أسر المتهمين للاستماع إلى الحكم الابتدائي النهائي على غير العادة.
النطق بالحكم
لحظات قليلة، ثم خرج أعضاء الهيئة، يتزعمهم القاضي الرئيس علي الطرشي، وقف الحضور احتراما، ثم جلست الهيئة، لكن الحضور ظلوا واقفين، استهل القاضي نطقه بالحكم بالقول: “باسم جلالة الملك والقانون… ثم انطلق يقول.. قررت المحكمة رفض الدعوى العمومية والقول ببراءة جميع المتهمين… لم يكمل القاضي جملته حتى اهتزت القاعة صراخا بالفرح، اعتقادا منهم أن القاضي سينهي قوله ببراءة المتهمين براءة تامة من جميع التهم، بعدها طلب رجال الأمن والمحامين من الحضور الهدوء احتراما للهيئة والسماح لهم بإكمال منطوق الحكم في جو هادئ”.
استرسل القاضي علي الطرشي كلامه وهو يقول:” قررت المحكمة القول ببراءة جميع المتهمين من جناية الاتجار بالبشر، فاستبشر المحامون، ثم أكمل القاضي كلامه، كما قضت ببراءة عبد الرزاق التازي وفاطمة.ح من تهمة النصب، وتمت مؤاخدة جميع المتهمين في الباقي بحسب كل واحد وما نسب إليه، وقضت المحكمة بإدانة الحسن التازي بثلاث سنوات حبسا نافذا في حدود سنتين وموقوف التنفيذ في الباقي وغرامة مالية قدرها 20.000 درهم” وأكمل عقوبات باقي المتهمين.
وقد تمت مؤاخذة شقيق التازي بالحبس 5 سنوات نافذة وغرامة 20.000 درهم، وحكمت على زوجته، مونية بنشقرون بأربع سنوات حبسا نافذا وغرامة قدرها 20.000 درهم. أدانت المحكمة المتهمة “سعيدة.ا” المكلفة بقسم الحسابات سابقا بمصحة الشفاء بـ4 سنوات حبسا نافذا وغرامة 20.000 درهما، كما قضت في حق فاطمة.ح المكلفة بقسم الاستقبال بمصحة الشفاء سابقا، بالحبس أربع سنوات نافذة وغرامة مالية قدرها 20.000 درهم، وفي حق أمينة.ف الممرضة، بثلاث سنوات حبسا نافذا وغرامة قدرها 20.000 درهما.
وأدينت زينب.ب المساعدة الاجتماعية التي كانت تتوسط بين المحسنين والمرضى بمصحة الشفاء، بخمس سنوات حبسا نافذا وغرامة قدرها 20.000 درهم، وأدينت فاطمة الزهراء.ك المستخدمة بقسم الفوترة بمصحة الشفاء والتي كانت المتهمة الوحيدة المتابعة في حالة سراح، بسنة واحدة موقوفة التنفيذ وغرامة قدرها 10.000 درهم.
التازي يغادر “عكاشة”
الساعة تشير إلى الواحدة صباحا، وبعد ترقب طويل، فُتح باب “عكاشة”، أخيرا ظهر التازي يمشي صوب سيارته حيث الصحافة وأسرته بخطوات متعبة، ممسكا بيده اليمنى ابنه حمزة، وعلى يساره مستشاره القانوني.
اقترب التازي من وسائل الإعلام مبتسما، حيث بدأ أقاربه بالزغاريد والصلاة على النبي في أجواء يعمها الفرح. غير أن المثير، هو بروز أحد المحامين الذي رافع في هذا الملف كخصم للتازي، بجانب السيارة التي من المفترض أن تقل الطبيب.
أثار هذا المحامي تساؤلات الحاضرين عن سبب تواجده لاستقبال التازي في الوقت الذي أدينت فيه موكلته بأربع سنوات حبسا نافذا، بادر بعناق التازي، وأسرع في إدخاله إلى السيارة ليمنع الصحفيين من توجيه أسئله لطبيب التجميل.
البعض من الحاضرين تساءلوا كيف يعيش محامي لحظة فرح عارم، وموكلته أدينت بأربع سنوات حبسا نافذا، وكيف يسبق أسرة الطبيب في احتضانه والاحتفال به.
امتطى التازي سيارة فارهة يقودها سائقه الخاص، وركب بجانبه ابنه حمزة، ثم انطلقت السيارة بسرعة مبتعدة عن “عكاشة” تاركا خلفه زوجته مونية التي أدينت بأربع سنوات، وشقيقه الأكبر عبد الرزاق المدان بخمس سنوات.
التحق بسيارة سائق الطبيب، إخوته وباقي أفراد أسرته ومحاميه مبارك مسكيني، وظل أمام المركب السجني سيارات وعناصر الشرطة وصحافيين لحظات، ثم اتجه كل واحد صوب وجهته الخاصة عندما كانت الساعة تقترب من الثانية صباحا.
غادر الطبيب سجن “عكاشة” ليكمل عقوبته مستنشقا نسيم الحرية، ليسدل الستار على ملف شغل الرأي العام. في انتظار فتح صفحة أخرى من هذه القضية في مرحلة الاستئناف، حيث يتوقع أن يطالب التازي بالحرية لزوجته، خاصة وأنه ترجى رحمة وشفاعة الملك والقضاء في كلمته الأخيرة قبل النطق بالحكم، والتي تجاهل فيها ذكر اسم شقيقه عبد الرزاق الذي أدين بخمس سنوات حبسا نافذا.
المصدر: العمق المغربي