من إيجوكاك إلى فالنسيا من إيجوكاك إلى فالنسيا
إلى كل من لا يعرف منطقة إيجوكاك الجميلة، سواء داخل الوطن أو في الخارج، إنها جماعة قروية أمازيغية على بعد 97كلم من مراكش، تقع في عمق جبال الأطلس الكبير ولها تاريخ عريق، ولقد شكلت منبع الأمبراطورية الموحدية العظمى، التي اتخذت من مراكش عاصمة لها وامتدت شرقا إلى حدود مصر، بعد أن سيطرت على كل الغرب الإفريقي إلى السودان، وشمالا إلى حدود فرنسا مرورا بالأندلس، هذه نبذة تاريخية بسيطة عن هذه المنطقة، لقد تعمدت وضع عنوان هذا المقال بهذه الصيغة : ( من إيجوكاك إلى فالنسيا) والسبب هو العلاقة التاريخية بين المنطقيين، حيث حكم ابناء إيجوكاك في عهد الموحدين منطقة بلنسية، أي في فترة الحكم الإسلامي للاندلس، حيث كان عصر ازدهار حضاري كبير اعترف به القاصي و الداني، هذا كان في الماضي البعيد أما اليوم ومع الأسف الشديد فقد وحدتهم من جديد كوارث طبيعية، حيث ضرب زلزال عنيف منطقة إيجوكاك في السنة الماضية، و اجتاحت هذه السنة منطقة فالنسيا فيضانات غير مسبوقة، لكن القاسم المشترك بين المنطقتين المنكوبتين، هو تصرف هذا الشعب المغربي العظيم مع ضحايا هذه الكوارث، نتحدث بداية عن منطقة إيجوكاك خاصة وكل مناطق الأطلس الكبير عامة، لقد هب الشعب المغربي عن بكرة أبيه، ومن كل الجهات والمناطق حيث دابت كل الفوارق الثقافية و اللغوية، وأصبح هم المغاربة الأول هو نجدة المنكوبين في أقرب وقت ممكن، لقد انخرط الجميع في مد يد العون دون انتظار إذن من أحد، لقد تجاوزوا بذلك حتى السلطات الرسمية.
حيث وصلوا إلى عين المكان قبل وصول هذه الأخيرة، ثم شرعوا مباشرة في تقديم الخدمات الضرورية للمنكوبين، وأصبح هم السلطة الوحيد هو كيفية تنظيم طوفان المساعدات، لله در هذا الشعب العظيم لم يطلب أو ينتظر مساعدة من أحد، لا من منظمات دولية أو من دول أجنبية فقط توكله على الله وحده، لقد وقف العالم كله منبهرا من تصرف هذا الشعب، ومن قوة تلاحمه و تضامنه في المحن حيث أصبح جسدا واحدا، وهذا هو الفرق يا سادة بين شعب أصيل متجذر، تضرب جذوره عميقا في التاريخ والحضارة، ودول لقيطة تم إنشاؤها بقرارات من الأمم المتحدة، أو تمت فبركتها ببساطة في مختبرات الدول الإستعمارية، ففي مثل هذه الظروف الصعبة يظهر معدن الشعوب الأصيلة من المغشوشة، عودة إلى فيضانات فالنسيا، وكيف تصرف مغاربة المهجر مع هذه الكارثة الطبيعية، لقد كان المتطوعين المغاربة سباقين إلى فعل الخير، وهذه عادة متأصلة في المغاربة أبا عن جد منذ زمن بعيد، حيث يسارعون إلى تلبية نداء المنكوب و المستغيث، لا ينظرون إلى لغته أو عرقه أو حتى ديانته فقط يقدمون له يد العون، وهذا ما حصل في فالنسيا حيث جاء المغاربة من كل مناطق اسبانيا، بل حتى من فرنسا وخاصة المدن الحدودية القريبة نسبيا من فالنسيا، وكانوا في مقدمة قوافل الإغاثة حاملين الأغطية والألبسة والماء و الطعام، بل اقاموا مطاعم في الهواء الطلق تقدم وجبات ساخنة في عين المكان، حيث اعادوا الدفئ في هذا الجو البارد و كذا البسمة للمنكوبين، كما ساهم المغاربة في تنقية الشوارع من الوحل ومن مخلفات الفيضان، ولقد تفاعلت ساكنة بلنسيا مع هذا الكرم المغربي، و شكروا صنيعهم هذا و اعتبروا ذلك من شيم الكرام، في حين احتجوا على السلطات الحاكمة و اتهموها بالإهمال، حيث نظمت مظاهرة شارك فيها أزيد من 100الف متظاهر، وتعرض ملك إسبانيا للإهانة حيث رموه بالطين، لكن المغاربة أينما حلوا وارتحلوا يتم استقبالهم بالترحاب، كيف لا وهم أحفاد طارق بن زياد و يوسف بن تاشفين.
فإن كان المغاربة الفاتحون للأندلس، قدموا على صهوات الخيول لفتح القلاع و الحصون، لكن أحفادهم اليوم قد قدموا على متن سيارات الدفع الرباعي، وقاموا بفتح القلوب وهذا في رأيي أهم من فتح القلاع و الحصون، خلاصة مسرور المراكشي يقول لكم : إن المغاربة شعب طيب و متسامح لكن في حدود، فمن جاء لا يريد إلا الخير يعش بينهم معززا مكرما، لكن من تجاوز و أراد بهم شرا لا يلومن إلا نفسه، وما أحداث امستردام عاصمة هولندا عنكم بعيدة، لقد تعرض هذا الشعب العظيم لمحاولة تقسيمه وضرب وحدته، لكنه صمد و أثبت أنه من الشعوب الأصيلة التي لا يمكن خداعها بسهولة، والشعب الأصيل يبرق معدنه في وقت الشدة و المحن، و زلزال إيجوكاك كان ضربة قوية للمتطرفين الأمازيغ، الداعين لتقسيم البلاد على أسس لغوية و عرقية، وهكذا هزم الشعب المغربي حزب فرنسا المتصهين و المدسوس، الداعي إلى تمزيق الوطن وخلق دويلات يمكن احتلالها في رمشة عين، وهكذا خرج المغرب من هذه المحنة أكثر صلابة وتماسكا، مما أجبر فرنسا على وضع خريطة المغرب كاملة في إداراتها، لكن ومع ذلك هناك جزء كبير من الوطن لازال محتلا من الجار الشرقي، إنها الصحراء الشرقية بخيراتها من البترول والغاز، ومن يدري ربما قد ننتظر زيارة أخرى لرئيس فرنسا لتكتمل الخريطة..!! حفظ الله المغرب موحدا من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه
المصدر: العمق المغربي