محكمة خميس أبكر… إنهم يتحدون الملل!

علي أحمد
سلطة الأمر الواقع في بورتسودان، أو قل “بورتكيزان” إن شئت، ليس لديها ما تقوم به من واجبات تجاه أي أحد، فلا خدمة تقدمها للمواطن ولا خدمات، لذلك تنصرف إلى اللهو والعبث. وقد قال قائلنا قديماً: (الفايق يهمز أمو)، فهي في سكونها وحركتها وتصريحاتها وبياناتها إنما تتحدى الملل!
ومن هذا الملل خرج الإعلان الذي أصدره قاضٍ ما تُعرف بمحكمة مكافحة الإرهاب والجرائم الموجهة ضد الدولة التابعة لحكومة (بورتسودان)، بمثول قادة قوات الدعم السريع وشخصيات أخرى لا علاقة لها بالعمل العسكري أمامها دون أن يقول لنا الإعلان آلية إجبارهم على الحضور أو القبض عليهم في حال رفضهم المثول وذلك فيما يتعلق بقضية مقتل والي غرب دارفور السابق، خميس أبكر. وهو إضافة إلى كوميديته ، إعلانٌ سياسي كيدي أكثر منه عدليًّا قضائيًّا، لجهة أنه لا توجد حكومة معترف بها في البلاد التي تعمّ فيها الفوضى ويغيب عنها القانون منذ انقلاب البرهان على الحكومة المدنية الانتقالية في 25 أكتوبر 2021، حيث لم تعد هناك شرعية معترف بها.
ويأتي الإعلان السخيف لإلهاء المواطنين، في وقتٍ يتجول فيه مجرمون مطلوبون للعدالة الدولية في البلاد من أقصاها إلى أقصاها بكل حرية، يأمرون وينهون ويديرون الحرب ويقيمون انتخاباتهم المضروبة تحت حراسة أجهزة الأمن والاستخبارات، بل يأمرون هذه النيابة نفسها فتسافر إلى الخارج وتدافع عنهم.
ويأتي هذا الإعلان في وقت علت فيه أصوات الناس بالحديث عن فساد الجيش، وانتهاكاته المستمرة، وسرقاته لبيوت المواطنين ولمقدرات الدولة، بجانب الفساد غير المسبوق لقيادته التي تهرّب المواشي والجبال، وتصهر النحاس وحديد (البالوعات) من أجل عيون (شقيقتهم) الأخرى!
في هذا التوقيت تأتي مهزلتهم لصرف أنظار الناس عن غياب دولة القانون وسيادة شريعة الغاب، إلى قضية مختلفٍ على أسبابها وخلفياتها، حيث يرى كثيرون أن الوالي خميس أبكر قُتل في معركة بينه وبين المواطنين العرب الذين استهدفهم وشن الحرب عليهم بالتعاون مع الاستخبارات العسكرية، فانتهى به الأمر قتيلاً في 14 يونيو 2023، وأنه كان المُبادر بالاعتداء على عُربان مدينة الجنينة.
ثم، من هو ذلك المجنون الذي لا يزال يقف الآن عند طريقة موت الوالي خميس، بعد أن تطورت الوحشية فبُقرت بطون، وخلعت عيون، وأُكلت أكباد، وأصبحت جماجم الناس كرة قدم تُمارس تحت أقدام الدواعش الجدد!
وأمام كل هذه المساخر، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا تذكر (القضاء) السياسي خميس أبكر الآن، وفي هذا التوقيت، ووضع على رأس المطلوبين للمثول أمام محكمته التي تعجز عن محاكمة المحرّمين دوليًا واللصوص والقتلة والعنصريين الذين ملأوا بورتسودان حتى ضاقت عنهم قائد الدعم السريع ونائبه وشقيقهما القوني حمدان، و(13) آخرين!
تفكّر حكومة الأمر الواقع في بورتسودان بذات (دُماغ) الكيزان الذين أداروا فترة حكم البشير، حيث كانت تستخدم القضاء في السياسة، فتصدر أحكامًا بالإعدام بحق المعارضين السياسيين المدنيين، ومن ضمنهم الإمام الصادق المهدي عليه رحمة الله وغيره، كذلك قادة الحركات المسلحة، فجميعهم محكوم عليهم بالإعدام، ابتداءً من جون قرنق وحتى نائب البرهان في “سيادته” مالك عقار ووزير ماله جبريل إبراهيم، ولم يُنفَّذ منها حكم واحد، ولن يُنفَّذ مستقبلاً أي حكم صادر عنها، لأنها في الواقع ليست محكمة، وإنما آلية تقليدية لتخويف المعارضين الذين صارت لديهم حصانة (وجلد أخرش) إزاء هذا النوع من العبثيات. ولكن الغريب هو ممارسة هذه الطريقة، التي لم تجدِ نفعًا مع المعارضين السلميين، ضد خصوم مسلحين أشداء، لهم جيش عرمرم هزم دولتهم وطردها بكاملها، من قيادتها وقائد جيشها وحتى نيابتها، التي أصبحت تمارس عبثها من أسواق بورتسودان!
تستخدم الحكومات المستبدة، وعلى وجه الخصوص ناقصة الشرعية منها، مثل هذه الإجراءات لخلق حالة داخلية من الطمأنينة بين طاقم (السلطة) على أن “نحن حكومة بالفعل”، وها هو كما يرى الجميع بإمكان قضائنا إصدار الأوامر والدعاوى والأحكام المختلفة. كما تستخدمها لترسيخ فكرة أنها حكومة شرعية، وهذا هو الحلم الأول والأخير لهذه الحكومة، ينام ويصحو عليه الحالم ” ابن الحلمان” عبد الفتاح البرهان!
الأمر الأخير والأهم الذي يفسر صدور هذا الإعلان في هذا التوقيت، بالإضافة إلى تخفيف الضغط على حكومة الأمر الواقع وجيشها فيما يتعلق بحملات السرقة والنهب غير المسبوقين اللذين يقوم بهما ضباط وجنود الجيش، هو أن هناك أمرًا ما سيحدث في الأيام القادمة، وجارٍ تنفيذه لحظة صدور إعلان المحكمة، وبالتالي يصرفون الأنظار بهذه الطريقة الكيزانية المجرَّبة والمكشوفة.
إنه العبث.. من يحاكم من؟
المصدر: صحيفة الراكوبة