مكافحة تعنيف المرأة تتطلب مخاطبة الأجيال الصاعدة
قالت باتريسيا يومبارت كوساك، سفيرة الاتحاد الأوروبي بالمغرب، إن “العنف ضد النساء والفتيات يعد أحد انتهاكات حقوق الإنسان الأكثر شيوعا في العالم؛ ويتعلق الأمر بأشكال مختلفة من العنف، منها العنف النفسي والاقتصادي والجنسي”، مؤكدة، في مقال لها، على أنه “في المغرب تم إحراز تقدم كبير في ما يتعلق بالإطار القانوني ووضع السياسات والإستراتيجيات المعنية بالمساواة بين الجنسين، مثل اعتماد القانون المتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة”.
هذا نص المقال:
شهد اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة إطلاق الحملة العالمية لمناهضة العنف ضد النساء والفتيات على مدى 16 يوما. سنة أخرى مرت والوضعية مازالت مؤسفة. مازلنا مضطرين لتخصيص يوم كل سنة للتذكير بضرورة مكافحة هذا العنف الذي لم نتمكن من القضاء عليه بعد، بل على العكس من ذلك فهو مازال ينمو. والحال أن هذا العنف يُمارَس ضد النساء والفتيات لمجرد أنهن نساء وفتيات، كما أنه لا تظهر ملامحه بشكل جلي.
ويعد العنف ضد النساء والفتيات أحد انتهاكات حقوق الإنسان الأكثر شيوعا في العالم. ويتعلق الأمر بأشكال مختلفة من العنف، منها العنف النفسي والاقتصادي والجنسي. ويحدث هذا العنف في كل مكان، سواء في المجال الخاص أو في مكان العمل أو في الفضاء العام أو الرقمي.
ووفقا لآخر إحصائيات منظمة الصحة العالمية فقد عانت امرأة من كل ثلاث نساء تقريبا في الاتحاد الأوروبي وفي العالم بأسره من العنف الجنسي و/أو الجسدي مرة واحدة على الأقل. وفي المغرب، ووفقا للأرقام الصادرة عن المفوضية السامية للتخطيط، تعرضت أكثر من 8 من كل 10 نساء لشكل واحد على الأقل من أشكال العنف خلال حياتهن. ورغم الجهود التي يبذلها الجميع، مازالت النساء والفتيات عرضة للخطر. وتترتب على العنف عواقب وخيمة تعاني منها الضحايا، جسديا وعقليا، وتؤثر على كرامتهن وسلامتهن واستقلالهن الذاتي، كما يكبد المجتمعَ تكاليف باهظة.
إن مكافحة العنف ضد المرأة تتطلب منا التدخل على عدة جبهات، كما أنه التزام مستمر من جميع الفاعلين في المجتمع من أجل تقديم إجابات ملموسة ومنسقة لمكافحة هذه المعضلة. ونؤكد هذا الالتزام مع المغرب كل عام في إطار الحملة الدولية التي تدوم 16 يوما بغية الحد من هذه الآفة.
ومن الطبيعي أن يستجيب الاتحاد الأوروبي للدعوة لأن المساواة بين الجنسين مكفولة في المعاهدة التي أُسِّس عليها. وينعكس ذلك بطبيعة الحال في مختلف البرامج والإجراءات والإستراتيجيات المنفذة سواء داخل الاتحاد أو بالتعاون مع البلدان الشريكة. ورغم التقدم الذي أُحرِز إلى غاية الآن إلا أنه لم يرْقَ بعد إلى مستوى طموحاتنا.
حملة الأمم المتحدة لهذه السنة انطلقت تحت شعار “كلنا متحدون من أجل القضاء على العنف ضد النساء والفتيات”، ومن ثم يجب أن تشكل الوقاية والتوعية عنصرا محوريا في جهودنا الرامية إلى القضاء على هذا العنف، كما يجب أن تكون استثماراتنا التقنية والبشرية والمالية منسجمة مع بعضها البعض.
وإذ تجب مكافحة العنف ضد المرأة منذ الصغر فإننا بحاجة إلى تعزيز الوقاية منه في المدارس من خلال مخاطبة الأجيال الصاعدة، وتعبئة الأسر والمجتمع. وهذه خطوة رئيسية في تغيير السلوكات ومكافحة التحيز الجنسي الذي يعتبر أرضية خصبة للعنف ضد للنساء.
ويجب أن تكون منظومتا العدالة والصحة قادرتين على التصدي بفعالية لهذه الآفة، ليس من خلال تدابير وأدوات وقائية وتصحيحية فحسب، بل من خلال تدابير عقابية أيضا.
في هذا السياق، يستثمر الاتحاد الأوروبي بكثافة في الوقاية لتعزيز آليات الحماية من خلال تنفيذ برامج طموحة، مثل خطة العمل للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، وخطة العمل المعنية بحقوق الإنسان والديمقراطية.
في أكتوبر 2023 قام الاتحاد الأوروبي بخطوة هامة أخرى في هذه المعركة، حيث أصبح طرفا في اتفاقية إسطنبول، وهي اتفاقية مجلس أوروبا لمكافحة العنف ضد المرأة والوقاية منه.
وفي المغرب كذلك تم إحراز تقدم كبير في ما يتعلق بالإطار القانوني ووضع السياسات والإستراتيجيات المعنية بالمساواة بين الجنسين، مثل اعتماد القانون 103.13 المتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة (2019)، الذي يمثل تقدما هاما في الترسانة القانونية للمملكة، ويعكس إرادتها السياسية القوية في هذا المجال.
كما أن الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي من أجل ازدهار مشترك تُترجَم على أرض الواقع من خلال تعاونهما الملموس وتبادل التجارب والخبرات بينهما حول الآليات التشريعية والمؤسساتية والعملية في هذا الميدان.
ويتعلق الأمر كذلك بتنفيذ الإطار الإستراتيجي للمساواة بحلول سنة 2035 من خلال عدد من الإجراءات في إطار خطة الحكومة للمساواة من أجل مكافحة العنف ضد النساء.
وتتطلب مكافحة العنف ضد المرأة اليقظة والتشاور المستمربين مختلف الأطراف المعنية. وإذ مازالت شراكتنا متواصلة علينا أن ندفع بجهودنا المشتركة للقضاء على هذه العنف. وتقوم هذه الشراكة على طموح مشترك لتعزيز آليات الحماية والوقاية وتمكين النساء والفتيات، لاسيما اللواتي عشن صدمة العنف. لنشارك إذن في تغيير الأمور! ولنتحد جميعا للقضاء على العنف ضد النساء والفتيات!.
المصدر: هسبريس