تشهد مجالس مقاطعات مدينة الدار البيضاء حالة توتر غير مسبوق في أعقاب التحركات المكثفة التي باشرتها لجان المجلس الجهوي للحسابات بجهة الدار البيضاءسطات، منذ بداية شهر يوليوز الجاري، حيث شرعت هذه اللجان في عملية فحص وتدقيق واسعة النطاق لمجموعة من الملفات المرتبطة بالتدبير الإداري والمالي خلال الولاية السابقة.
ووفق ما علمته جريدة “” من مصادر مطلعة، فإن هذه العملية الرقابية الشاملة أثارت حالة من الترقب والقلق في أوساط عدد من رؤساء المقاطعات السابقين، خاصة المنتمين إلى حزب العدالة والتنمية، بالإضافة إلى منتخبين من أحزاب أخرى كانت تشكل أغلبية المجالس المحلية في الحقبة السابقة.
المصادر ذاتها، أكدت أن لجان التدقيق ركزت في فحصها على ملفات تعود إلى سنتي 2020 و2021، وهي الفترة التي تزامنت مع نهاية الولاية الانتدابية السابقة، حيث كثر الحديث حينها عن إنجاز عدد من المشاريع في ظروف استثنائية بسبب جائحة كورونا.
وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن لجان المجلس الجهوي للحسابات، طلبت من مسؤولي المقاطعات تسليم وثائق دقيقة تتعلق بصفقات عمومية تم إبرامها خلال الولاية السابقة، إلى جانب ملفات مرتبطة برخص التعمير، وسجلات التسيير الإداري، وكذا الوثائق المرتبطة بتدبير الأسواق الجماعية، وهي مجالات تُعدّ من أكثر الملفات إثارة للجدل في تدبير الشأن المحلي.
عملية التدقيق، بحسب نفس المصادر، تشمل مراجعة معمقة لطرق صرف الميزانيات المخصصة للمقاطعات، وتدقيق آليات تنفيذ الصفقات العمومية، إضافة إلى دراسة مدى التزام المجالس السابقة بالقوانين التنظيمية والمساطر الإدارية والمالية المنصوص عليها.كما تشمل المهام الرقابية تقييم نجاعة المشاريع التنموية التي تم تمويلها من المال العام، خاصة تلك التي لم تكتمل أو تعثرت في مراحل إنجازها، ما يثير الشكوك حول مدى جدوائيتها أو احتمال وجود اختلالات في تدبيرها.
وفي هذا السياق، تتخوف عدد من الوجوه السياسية التي كانت تتولى مسؤولية تدبير الشأن المحلي في الفترة السابقة، من أن تُسفر تقارير هذه اللجان عن ملاحظات صادمة قد ترقى إلى شبهات سوء تدبير أو تبديد محتمل للمال العام، مما قد يفتح الباب أمام مساءلات إدارية وربما إحالات على القضاء الإداري أو حتى الجنائي.
مصدر مطلع أكد في تصريح لجريدة “العمق”، أن “بعض المنتخبين السابقين باتوا يتحسسون رؤوسهم، وهم يتابعون عن كثب تحركات اللجان الرقابية داخل المقاطعات، خاصة بعد تداول أنباء عن شروع المجلس الجهوي في تجميع معطيات حساسة حول عدة صفقات عمومية لم تكن تخلو من شبهات”.
وتندرج هذه التحركات في إطار الدور الرقابي الدستوري الذي يضطلع به المجلس الأعلى والمجالس الجهوية للحسابات، باعتبارها مؤسسات تساهم في ترسيخ مبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، وفق ما ينص عليه الفصل 147 من دستور المملكة المغربية، الذي يُمكّن هذه المجالس من فحص حسابات الجماعات المحلية وهيئاتها، وتقييم تدبيرها المالي والإداري.
ويرتقب أن تفرز هذه المهمة الرقابية تقارير مفصلة تُحال على الجهات المختصة، وقد تُساهم في تصحيح اختلالات محتملة، وتوجيه التوصيات الكفيلة بتحسين حكامة تدبير المال العام على المستوى المحلي.
وتأتي هذه العملية في وقت تعرف فيه العاصمة الاقتصادية للمملكة تحولات سياسية وإدارية مهمة، خاصة بعد نتائج انتخابات 2021 التي أطاحت بأغلبية سابقة يقودها حزب العدالة والتنمية، ووضعت مجالس المقاطعات في يد تحالفات جديدة، ما يجعل من هذه المرحلة فرصة لمراجعة الممارسات السابقة وتقييم مدى احترام مبادئ الحكامة الجيدة.
المصدر: العمق المغربي