اخبار المغرب

مقترح قانون فرنسي جديد يهدد بفقدان وظائف في مراكز النداء المغربية

صادقت الجمعية الوطنية الفرنسية على مقترح قانون جديد يحظر المكالمات التسويقية دون موافقة مسبقة من المستهلك؛ ما شكل تهديدا جديدا لأنشطة مراكز النداء المغربية، حيث تمثل هذه الأنشطة 20 في المائة من مداخيلها. ويهدف هذا الإطار التشريعي إلى الانتقال من نظام “الاشتراك الضمني” (optout) إلى “الاشتراك المسبق” (optout)؛ ما يزيد من صعوبة التسويق الهاتفي بالنسبة إلى الفاعلين المغاربة في هذا القطاع الخدماتي الحيوي.

وجاءت الخطوة الجديدة من قبل جهة التشريع الفرنسية تفاعلا مع استياء الفرنسيين من المكالمات الهاتفية لمراكز النداء، حيث أظهر استطلاع للرأي أنجزته مؤسسة UFCQue Choisirأن 97 في المائة من المستجوبين منزعجون منها؛ فيما تواجه المراكز المغربية تحديات جديدة للتكيف مع هذه التغييرات، خاصة الشركات الصغيرة التي تعتمد بشكل أساسي على التسويق الهاتفي.

ويوجه مقترح القانون، الذي ينتظر مراجعته من قبل لجنة الشؤون الاقتصادية في الجمعية الوطنية قبل إقراره نهائيا، المستهلكين إلى الإبلاغ عن رفضهم تلقي المكالمات التسويقية، وطلب الانتقال إلى نظام “الاشتراك المسبق” (optin)، حيث لا يمكن للشركات الاتصال بهم إلا إذا أعطوا موافقته الصريحة بشأن ذلك.

ويشكل التسويق عبر الهاتف في المغرب قطاعا حيويا للعديد من الأجراء العاملين في مجال التعهيد الخارجي (offshoring)، وخاصة في مراكز النداء المتخصصة في تدبير العلاقات مع الزبائن (CRM). ووفقا لفاعلين مغاربة في القطاع، فإن هذه الأنشطة تمثل حوالي 20 في المائة من رقم أعمال مراكز النداء. ومن المتوقع أن تكون المراكز الصغيرة الأكثر تأثرا بالتشريعات المرتقبة، على عكس المجموعات الكبرى التي وسعت بالفعل نطاق خدماتها.

خطر فقدان آلاف المناصب

تعتمد القوانين الفرنسية على نظام “الانسحاب”، حيث يتعين على المستهلكين التسجيل في قائمة لمنع تلقي المكالمات التجارية. أما القانون الجديد، فستفرض نظام “الاشتراك”، ما يعني أن الشركات لن تتمكن من الاتصال بالمستهلكين إلا بعد الحصول على موافقتهم الصريحة. ويمثل هذا التغيير تحولا كبيرا قد يقلل بشكل واضح من عدد الزبائن المحتملين الذين يمكن الوصول إليهم عبر مراكز الاتصال التي سيتعين عليها إعادة التفكير في نموذجها الاقتصادي للبقاء في ظل بيئة تنظيمية متزايدة التعقيد، خصوصا أنها أحدثت خلال السنتين الماضيتين، على التوالي، 10 آلاف منصب شغل و15 ألفا. وتؤكد هذه الحالة أهمية تنويع أنشطة التعهيد الخارجي في المغرب والاستعداد للتغيرات التشريعية الدولية.

وأوضح خليل الخباط، إطار مالي ومحلل الأسواق التجارية، أن “التحول نحو نظام (الاشتراك) في المكالمات التسويقية في فرنسا يمثل تحديا كبيرا لقطاع مراكز النداء في المغرب، الذي يعتمد بشكل كبير على السوق الفرنسية”، لافتا إلى أن “هذا التغيير سيؤدي إلى انخفاض حاد في عدد الزبائن المحتملين، ما قد يؤثر على نمو القطاع واستقراره الوظيفي”.

وأضاف الإطار المالي، في تصريح لهسبريس، أن “قطاع مراكز النداء يعد من المحركات الأساسية للاقتصاد الوطني، حيث يساهم بحوالي 14 مليار درهم سنويا، ويوفر أكثر من 100 ألف منصب شغل، معظمها موجه للشباب. ومع هذا الإجراء الجديد، قد نواجه خطر فقدان آلاف الوظائف، ما لم يتم تبني استراتيجيات بديلة”.

في السياق ذاته، أضاف الخباط أن “التجربة السابقة مع خدمة (Bloctel) التي أطلقتها فرنسا سنة 2016 أظهرت تأثير السياسات التنظيمية على نشاط مراكز النداء المغربية، حيث تراجع حجم الأعمال بسبب القيود المفروضة على المكالمات التجارية. اليوم، مع التشديد الإضافي، سيكون التأثير أكبر وأكثر حدة”، مؤكدا ضرورة “تنويع الأسواق المستهدفة وتقليل الاعتماد على السوق الفرنسية عبر التوسع نحو بلدان ناطقة بالفرنسية، مثل بلجيكا وكندا، إلى جانب الاستثمار في تطوير خدمات ذات قيمة مضافة مثل الدعم التقني والاستشارات الرقمية، لضمان استمرارية القطاع في ظل التحولات التشريعية”، مردفا أنه “في ظل هذه التحديات، فإن تبني أحدث التقنيات الرقمية وتعزيز جودة الخدمات والاستثمار في تكوين الموارد البشرية سيُمكن مراكز الاتصال المغربية من التكيف مع التغيرات الجديدة وتعزيز تنافسيتها على الصعيد الدولي”.

مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي

يواجه قطاع مراكز النداء تحدي الذكاء الاصطناعي، الذي ينظر إليه أحيانا كمنافس؛ لكنه يمثل فرصة لإعادة ابتكار الخدمات، من خلال الجمع بين التكنولوجيا والتفاعل البشري. فالأشخاص الذين يستخدمون (الذكاء الاصطناعي) بذكاء، سيتفوقون على من لا يستفيدون منهن حيث تساهم هذه التكنولوجيا في تحسين الإنتاجية عبر التشغيل الآلي للمهام البسيطة، ما يتيح للمكلفين بخدمة الزبائن التركيز على الاستشارات الشخصية. كما يواجه القطاع ظاهرة العمل الحر، لكنها لا تزال محدودة في المغرب، علما أن هذا النموذج يوفر مرونة، لكنه يطرح تحديات تتعلق بجودة الخدمة والتكوين. لذلك، تظل عقود الشغل المفتوحة (CDI) هي القاعدة لضمان الاستقرار والجودة.

وأفاد محمد يازيدي شافعي، خبير اقتصادي متخصص في الشؤون الاستثمارية، بأن “قطاع مراكز النداء في المغرب يواجه تحولات جوهرية مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي، فيما ينظر إلى هذه التقنيات أحيانا كمنافس، لكنها في الواقع توفر فرصة حقيقية لإعادة ابتكار الخدمات وتعزيز الكفاءة التشغيلية. وتمكن الاستفادة الذكية من الذكاء الاصطناعي من التشغيل الآلي للمهام الروتينية، ما يتيح للوكلاء التركيز على تقديم استشارات ذات قيمة مضافة للزبائن”، موضحا أن “العديد من المراكز في المغرب بدأت بتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي في خدماتها. وتستخدم هذه لتكنولوجيا في المهام البسيطة، مثل توفير الخدمة الذاتية الآلية للزبائن، وروبوتات المحادثة التي تجيب على الأسئلة المتكررة، والمساعدات الافتراضية التي تساعد الزبون في التنقل والبحث. وهذه الأدوات تعمل على مدار الساعة؛ ما قلل الحاجة إلى التدخل البشري في المكالمات الروتينية. كما يساهم هذا التبني في تخفيف عبء العمل على المستخدمين، ما يجعل العمل أكثر كفاءة وأقل إجهادا”.

وأوضح يازيدي شافعي، في تصريح لهسبريس، أنه “يجب مراعاة أن الاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعي قد يدفع بعض الشركات إلى تقليص عدد المستخدمين بهدف خفض التكاليف. لذا، من الضروري إيجاد توازن بين تبني التكنولوجيا والحفاظ على فرص اشغل. وفي هذا الإطار، توصي منظمة العمل الدولية بضرورة التعاون بين أرباب العمل وممثلي المستخدمين من أجل وضع استراتيجيات تضمن إدماج الذكاء الاصطناعي، دون التأثير السلبي على العاملين”، مشددا على أن “القطاع يواجه تحديا آخر يتمثل في ظاهرة العمل الحر. وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة ما زالت محدودة في المغرب، فإنها توفر مرونة في العمل، وتطرح تحديات تتعلق بجودة الخدمة والتدريب المهني. لذلك، تظل عقود الشغل المفتوحة هي القاعدة لضمان الاستقرار والجودة في تقديم الخدمات”.

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *