يعرف المغرب منذ فترة طويلة عزوفاً ملحوظاً من فئة الشباب عن ممارسة السياسة سواء من خلال الانخراط في الأحزاب السياسية أو المشاركة في الانتخابات، ازدادت حدته في السنوات الأخيرة مع الثورة الرقمية وهيمنة وسائل التواصل الاجتماعي.

وشهد المغرب في السنوات الأخيرة تحولًا ملحوظًا في المشهد السياسي والاجتماعي، حيث أصبح الشباب أكثر حضورًا في الفضاء الافتراضي، إلا أن هذا الحضور لا يوازيه فعل ميداني بنفس القوة والفعالية، خاصة في بلد يُعتبر فيه الشباب شريحة كبيرة من السكان.

غير أن النشاط السياسي التقليدي فقد جاذبيته بين الجيل الجديد، ما يدفع للتساؤل حول ما إذا كان هؤلاء يغردون خارج سرب السياسة أم أنهم يعيدون تعريفها بأسلوبهم الخاص.

وأصبحت منصات التواصل الاجتماعي الملاذ الأول للشباب المغربي للتعبير عن آرائهم حول قضايا تتعلق بالعدالة الاجتماعية والتعليم والبطالة أو حتى السياسة الخارجية، حيث جعل هذا الحضور الرقمي الكثيف من الإنترنت مساحة حيوية للنقاشات والمبادرات.

غير أن تأثير هذا الحراك الافتراضي ما يزال محدودًا على أرض الواقع، حيث لا تترجم هذه النقاشات إلى حركات جماعية قوية أو مشاريع ملموسة تُحدث تغييرات جوهرية في المشهد السياسي أو الاجتماعي.

أفكار مترسخة والفساد السياسي

يرى المحلل السياسي، محمد شقير، أن “أسباب العزوف السياسي للشباب يمكن حصرها إجمالًا في ترسبات فترة قمع وتسلط أو ما سُمي بسنوات الرصاص، حيث تحولت فيها كلمة السياسة إلى بعبع بالنسبة للأجيال التي ذاقت صنوف القمع والتعذيب والاعتقال” معتبرا أن “تداعيات هذه المرحلة ما زالت تؤثر على اهتمام الشباب بالسياسة”.

كما أشار شقير، في تصريح لجريدة “” إلى أن “الفكرة المترسخة بأن المؤسسة الملكية تحتكر صنع السياسة العامة بالمملكة تُكَرِّس لدى الشباب بأن لا فائدة في الانخراط في الأحزاب التي لا سلطة لها في تدبير الشأن السياسي، فالملك هو كل شيء ويقرر في كل شيء، وبالتالي فما فائدة الانخراط في الأحزاب أو التصويت في الانتخابات؟”.

“زد على ذلك، فالصورة التي ارتسمت في ذهن الشباب حول فساد النخب الحزبية، وأن من يتعاطى السياسة يبحث فقط عن مصالحه الخاصة، خاصة قيادات المعارضة، حيث إن غنى بعض القيادات الاتحادية بعدما أصبحوا وزراء أو اقتناء قيادية حزب العدالة والتنمية، كرَّس هذه الصورة السلبية بأن القيادات الحزبية لا تدافع إلا عن مصالحها الخاصة”، يضيف المحلل السياسي.

حرية الفضاء الرقمي

أكد المحلل السياسي، محمد شقير، أن “شباب اليوم هو شباب الفضاء الأزرق، حيث ينخرط في شبكات التواصل الاجتماعي منذ صغره، وبالتالي يجد في هذا الفضاء مجالًا سهلًا للتعبير عن آرائه وأفكاره دون تعقيدات بيروقراطية الأحزاب، التي تتطلب الحصول على بطاقة الانخراط والانضمام إلى فروع الأحزاب بأجهزتها المحلية والإقليمية والانضباط للنظام الأساسي والداخلي للأحزاب”.

واعتبر شقير أن “غياب أو ضعف الديمقراطية داخل الأحزاب وعدم القبول بالاختلاف، يجعل الشباب يُفَضِّل اللجوء إلى الفضاء الأزرق للتعبير عن آرائه، خاصة بعدما ظهر ما أسماه بـ”عيادات” الفيسبوك وأصحاب المواقع الفردية أو ما يسمى بالمؤثرين، الذين يساهمون في خلق مجالات للنقاش المفتوح والحر بل والمَكْسِبِ لرفع نسب المشاهدة، الشيء الذي يشجع الشباب على الانخراط في هذا الفضاء. خاصة وأن أغلبهم لا يتوفر على ثقافة سياسية قوية تمكنه من فهم لوغاريتمات المشهد السياسي وتعقيداته، خاصة مع ما يميز هذا المشهد من تشرذم حزبي وتشابه في الخطابات السياسية للأحزاب”، على حد قوله.

وأوضح المتحدث ذاته أنه “في غياب دراسات علمية ومُحَيَّنة من جهات مستقلة ومؤسسة، يكون من الصعب الجزم بهذه الظاهرة وتعميمها على كل الأحزاب، مضيفا أن “الملاحظ أن هناك أحزابًا أصبحت تُؤَطِّر وجوهًا شابة كالتجمع وأحزاب أخرى، نظرًا لأنها أصبحت توظف آليات التواصل الاجتماعي والافتراضي في عملية استقطاب الشباب وأيضًا في الحشد الانتخابي”.

إلى جانب ذلك، يبرز شقير، فـ”الحضور في المشهد الافتراضي لا يعني بالأساس الحضور السياسي لفئات الشباب، حيث إن هذا الأمر يتطلب دراسات ميدانية حول المشاركة السياسية في الفعل السياسي”، متسائلا: “هل تبادل الاتهامات أو توجيه انتقادات ظرفية لبعض القرارات الحكومية أو سب أو نعت شخصية حزبية أو قيادية يعتبر عملًا سياسيًا أو فعلًا سياسيًا؟ هذا فقط نوع من التعبير الظرفي، بل يمكن نعته بالمزاجي”، وفق تعبيره.

أرقام صادمة

أظهرت نتائج استطلاع مؤسسة أفروبارومتر أن 41.2 بالمائة لم يصوتوا في الانتخابات التشريعية لسنة 2021، وعن أسباب الامتناع عن التصويت، بيٌن 17.2 بالمئة أنهم لا يهتمون بالانتخابات أو السياسة، و8.4 بالمئة لم يسجلوا في اللوائح الانتخابية، بينما يرى 4.6 بالمئة أن الانتخابات لا تحقق تغييرا ملموسا، و4.2 بالمئة لم يتمكنوا من التصويت بسبب الانشغال، و3.4 بالمئة لم يفضلوا أي حزب أو مرشح.

وخلصت دراسة ميدانية سابقة أشرف عليها معهد “بروميثيوس للديمقراطية وحقوق الإنسان”، إلى أن قناعات الشباب المغربي لم تتغير بخصوص أداء الأحزاب السياسية؛ إذ عبّر نحو 86 في المائة من هذه الفئة العمرية عن عدم رضاهم عن حضور الأحزاب في المشهد السياسي الوطني.

وأعرب 47 في المائة من الشباب المغربي، في الدراسة التي تمحورت حول تمثل الشباب للأمان الإنساني، عن عدم ثقتهم في الأحزاب السياسية، فيما أكد 26 في المائة أنهم غير مهتمين بتاتاً بالمشهد الحزبي الوطني، لكن الوثيقة سجّلت ارتفاع مشاركة الشباب في الانتخابات التشريعية لسنة 2021.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.