من المجحف أن ينكر المرء جميل الجزائر على المغرب، أو يتنكر لأفضالها عليه؛ فلولا الحجر الصغير الذي ألقاه المقبور “بوخروبة” في حذاء المغرب أول يوم، لما انتبه العالم لعظمة هذه المملكة وعظمة شعبها وملوكها؛ بل لولاها لما فظن المغاربة أنفسهم، لعظمة تاريخهم، ورقي حضارتهم، وعلو كعبهم في مجال السياسة والدبلوماسية، والتي أدهشت كبريات الدول كأمثال فرنسا وألمانيا وإسبانيا؛ فألف شكر لدولة الجزائر “القارة” على أفضالها، وألف عذر لها أن كانت قد صرفت مئات الملايير من الدولارات، من أجل أن تجعل نجم المغرب يسطع في أعالي السماء.

لكن للأسف الشديد، كل شيء له ثمن، والثمن الذي أداه المغرب مقابل “أفضال” الجزائر عليه، أنه عانى من غيرتها المفرطة إلى حد الهوس، ومن حسدها الشديد الذي ليس له تفسير معقول أو تبرير مقبول، اللهم مرضا ليس له دواء ولا يرجى منه شفاء، توارثه الشعب جيلا بعد جيل، حتى أصبح الكراغلة لا ينامون إلا على ذكر المغرب، ولا يصحون إلا على تتبع أخباره واقتفاء أثره، وكأنهم كلاب صيد.

ما كنت لأكتب هذا المقال لو أن الأمر اقتصر على أدواء القلوب وأمراض النفوس؛ وما كنت لأخط سطرا واحدا لولا أن الأمر تطور إلى سرقة موصوفة مع سبق الإصرار والترصد، لكل ما هو مغربي أصيل، سواء في مجالات الطبخ أو الفن أو العمارة أو اللباس، أو في ميادين التاريخ والحضارة والتراث؛ وآخر هذه المحاولات البئيسة، إرسال شرذمة من المجتمع المدني بالجزائر، بتزكية من وزارة الخارجية الجزائرية، رسالة رسمية إلى “اليونيسكو” تطلب فيها أن يُدرج “القفطان” المغربي كتراث مشترك مع الجزائر، بعدما فشلت في تسجيله كتراث جزائري خالص.

العجيب في الأمر، أن هذه الرسالة الرسمية تطفح بكلمات نابية من قبيل “أولاد المخزن”، و”أبناء بوسبير”، و”مملكة مراكش” وغيرها؛ مما يدل على أننا أمام كائنات مشوهة، مزقت الغيرة كبدها، والتهم الحسد أحشاءها؛ فالأموال التي أُنفقت هباء منثورا، على “شعب” قريبا سيعود إلى حضن وطنه، والتي قال عنها “تبون” يوما بأنها تعادل مال “قارون”، لا هي طمست نجم المغرب المتوهج في كبد السماء، ولا هي جعلت نجم الجزائر المنكدر يتلألأ.

أعود لأشكر الجزائر من جديد، فلولاها لما تجند المغرب لحماية تراثه العريق من السرقة، وحضارته الرائدة من الاستيلاء، وتاريخه المشرق من الإهمال أو النسيان؛ كما أحمد الله تعالى أن صرَف لذوي النعمة حسادا يدلونهم عليها إن غفلوا، ويُذَكِّرونهم بها إن نسوا، والله المستعان على ما يصفون.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.