أعلنت جبهة البوليساريو الانفصالية عن تشكيل مجموعة خاصة لمتابعة ما تسميه “ملف الثروات الطبيعية والقضايا القانونية المرتبطة به”؛ وذلك بموجب تعليمات رسمية صادرة عن زعيم الجبهة إبراهيم غالي.

وبالتوازي مع هذا الإعلان أصدرت منظمة موالية للجبهة في فرنسا، تعرف بـ”مركز تحليل الصحراء الغربية”، بيانا أكدت فيه عزمها تحريك دعاوى قضائية ضد شركات أجنبية تستثمر في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، بداية من يناير 2026، مستندة إلى مساطر القضاء الفرنسي ومعايير أوروبية ودولية.

ويعكس هذا التحرك المزدوج محاولة واضحة من الجبهة لإعادة تدويل ملف الصحراء من بوابة المحاكم الأوروبية، وتحديدا الفرنسية، في وقت باتت المواقف الدبلوماسية للدول الكبرى، وعلى رأسها فرنسا، تدعم بشكل واضح مبادرة الحكم الذاتي المغربية والانخراط الميداني في مشاريع تنموية نوعية داخل الصحراء المغربية.

وتراهن البوليساريو على استغلال الأدوات القانونية المرتبطة بالامتثال البيئي والاجتماعي من أجل إثارة الجدل حول أنشطة اقتصادية مشروعة، رغم أن السياق الدولي لم يعد يُصغي إلى الخطابات التقليدية التي تفتقر للواقعية السياسية.

ويرى مراقبون أن هذا النوع من التحركات لا يعدو أن يكون محاولة لتسجيل حضور رمزي في معركة أصبحت محسومة لصالح المغرب من حيث الدينامية الميدانية والاعترافات المتزايدة؛ إذ باتت الرباط تتعامل بثقة مع تحديات الملف، مدعومة بشرعية مؤسساتية قوية، وانخراط متزايد لشركاء دوليين في مسار تنموي يعتبر نموذجا قاريا في الاستقرار والنجاعة الاقتصادية.

تشويش قانوني

عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، قال إن التقارير الإعلامية التي تتحدث عن تحركات البوليساريو المرتبطة بالثروات الطبيعية في الأقاليم الجنوبية تسير خارج السياق العام لتدبير ملف الصحراء المغربية، مؤكدا أن “الاستثمارات الأجنبية التي تشهدها هذه الأقاليم من مختلف دول العالم تجعل من غير الممكن للبوليساريو مواجهة هذا الزخم عبر أسلوب التقاضي”.

وأضاف البلعمشي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه المحاولة الجديدة ليست سوى خطوة يائسة للتشويش، وتسعى إلى الإيحاء بأن البوليساريو مازالت تتمتع بنوع من الحضور السياسي، في حين أن كل المنازعات القانونية التي خاضتها الجبهة بمباركة الجزائر لم تُفضِ إلى أي نتيجة تُذكر، سواء على مستوى الاتحاد الأوروبي أو القضاء البريطاني”.

ولفت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش الانتباه إلى أن هذا التحرك يعكس ارتباك الجبهة بعد التحول الجوهري الذي شهده مسار النزاع، الذي بات يقترب من الحسم في اتجاه يتجاوز مطالب البوليساريو أو حتى التفاوض معها بشأن آفاق الحل، إذ أصبح النقاش السياسي والدبلوماسي منحصرا في جوهره بين المغرب والجزائر، باعتبارها الطرف الحقيقي في النزاع؛ وهو ما يعكس بحسبه “تغيرا في طبيعة التعاطي الإقليمي والدولي مع الملف”.

وأوضح الخبير ذاته أن “هذه التحركات كانت دائما تنتهي بالفشل، رغم ما يُروَّج له إعلاميا بين الفينة والأخرى”، مشيرا إلى أن “كل الوسائل التي كانت تعتمد عليها البوليساريو، خصوصا تلك المرتبطة بالشق الترابي والقانوني، لم تعد ذات جدوى في السياق الحالي”.

وخلص البلعمشي إلى أن “الواقع اليوم يكشف عن تجدد شرعية المبادرة المغربية لحل النزاع، وتزايد الإقرار الدولي بسيادة المغرب على كامل ترابه الوطني؛ وهو ما يجعل البوليساريو أمام خيارين: إما القبول بالواقع كما هو، أو الاستمرار في تحركات لا تتجاوز دائرة الاستهلاك الذاتي”.

خطاب دعائي

من جانبه سجل سعيد بوشاكوك، الباحث المهتم بقضايا التنمية والمجال، أن جبهة البوليساريو الانفصالية تواصل البحث عن “حصان طروادة” عبر محاولات يائسة تهدف إلى التشويش على الدينامية التنموية بالأقاليم الجنوبية، وذلك من خلال تشكيل مجموعة لمتابعة ملف الثروات الطبيعية والقضايا القانونية، بدعم من هيئات لا تأثير فعليا لها في موازين القوى الدولية، وبتوجيه مباشر من النظام العسكري الجزائري.

وأضاف بوشاكوك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “معركة الثروات الطبيعية ليست وليدة اللحظة، بل سبق أن طُرحت على مستوى محكمة العدل الأوروبية، وكانت نتائجها لصالح المغرب، الذي رسّخ شراكات اقتصادية وتجارية متينة مع الاتحاد الأوروبي”، مبرزا أن “خطوة تشكيل هذه المجموعة القانونية تعكس تناقضات قيادة البوليساريو، ومحاولة مكشوفة لإثارة ملفات تفتقر لأي تأثير حقيقي على مسار النزاع، في وقت جعلت المملكة المغربية من أقاليمها الجنوبية منصات استثمارية واعدة خلقت تنافسية دولية للاستفادة من المؤهلات الاقتصادية التي تشهد توسعا متزايدا، بأثر إيجابي محلي وجهوي وقاري”.

وأوضح المحلل السياسي ذاته أن “الغاية الخفية من هذا التحرك هي ضرب مصداقية الورش التنموي الذي تعرفه الأقاليم الجنوبية، رغم أن الواقع الميداني يكشف بوضوح عن نتائج ملموسة في البنيات التحتية، من طرق وموانئ ومطارات ومؤسسات تعليمية وصحية وسكنية، ومرافق تزود بالكهرباء والماء الصالح للشرب، ناهيك عن فرص الشغل المتنامية، مقابل الوضع المأساوي في مخيمات تندوف، حيث يسود الحصار وسوء التغذية، وتُسجّل فضائح في التلاعب بالمساعدات الإنسانية تؤدي إلى الاحتجاجات والاحتقانات الدائمة”.

واعتبر المتحدث ذاته أن “هذه التحركات أشبه بتقارير طبية تمدح تقنية جراحية حديثة أجريت على مستوى العيون رغم أن المريض فقد بصره”، في إشارة إلى عبثية الخطاب الذي تروجه الجبهة، لافتا إلى أن “ما تقوم به قيادة البوليساريو، تحت ضغط داخلي وخارجي، هو في الواقع رد فعل على الوضع المريح الذي يعيشه المغرب تنمويا وسياسيا، لكنه لا يعدو أن يكون مضيعة للوقت ومحاولة عقيمة لخلق مظلومية لم تعد تقنع أحدا”.

وفي ختام حديثه لهسبريس طرح بوشاكوك سؤال: “إلى متى ستستمر قيادة البوليساريو وأنصارها في وضع الحواجز أمام أي حل جدي للنزاع المفتعل؟”، مشددا على أن “المنتظم الدولي أصبح أكثر وعيا بخلفيات هذا الخطاب الدعائي الذي تجاوزته الأحداث والمعطيات الواقعية على الأرض”.

المصدر: هسبريس

شاركها.