معرض مسقط للكتاب .. حضور لـ”الرحلة المغربية” ورهان على “جيل قارئ”
يتجدد لقاء القرّاء بجديد المؤلفات في الموعد الثقافي الأبرز في سلطنة عمان “معرض مسقط الدولي للكتاب”، الذي انطلق في شهر فبراير وتستمر أطواره إلى بداية مارس الجاري.
حضر في الدورة 27 من معرض الكتاب بمسقط، المغربُ، والمنطقة المغاربية، وفلسطين المحتلة، والخليج العربي، والشرق الأوسط، ودول أخرى، من بينها المملكة المتحدة والصين والسويد وجنوب السودان وروسيا وتركيا وبروناي، وغيرها من الأقطار التي مثّلتها دور نشرها.
تشارك في المعرض 33 دولة، عبر أزيد من 800 دار للنشر، بشكل مباشر وغير مباشر، في أكثر من ألف جناح، خلال موعد ثقافيّ وصل عدد زوار دورته السابقة في يوم واحد حوالي 60 ألف زائر، وفق الإحصائيات الرسمية لهذا الموعد الثقافي.
وطيلة أيام المعرض، تحضر الزيارات المدرسية، وتكوينات الخلف من التلاميذ في الكتابة والإعلام والإبداع، في فضاء تُعرض فيه منشورات يفوق عددها نصف مليون عنوان، من بينها أزيد من ثلاثمائة كتاب عربي، وما يقرب من مائتي ألف كتاب أجنبي، وحوالي اثنين وعشرين ألف عنوان مصنّف ضمن “المجموعة العمانية”.
اهتمام بـ”الرحلة المغربية”
في هذا الموعد السنوي، اقترب الكتاب المغربي أكثر من القارئ العماني، بمواضيع تمتد من التاريخ والأدب إلى السياسة، مرورا بالإسلاميات.
من بين ما اهتمت به الكتب المغربية، علماء اللغة والنحو بالمغرب الأقصى، علماء تطوان، علاقة المغرب والأندلس، تاريخ المغاربة في بلاد الشام، تجربة الروائي محمد شكري، مقدمات صاحب “النبوغ المغربي في الأدب العربي” عبد الله كنون، الذاكرة التاريخية المشتركة المغربية الجزائرية.
واهتمت المنشورات أيضا بسيرة السياسي البارز عبد الرحمان اليوسفي، والخطابة السياسية لقائد تجربة “العدالة والتنمية” عبد الإله بنكيران، وشرح شمقمقيةِ ابن الونان، وتجربة الداعية والمسؤول الراحل فريد الأنصاري، كما حضرت الأعمال الكاملة للفقيه المتخصص في المقاصد أحمد الريسوني.
أحمد البقالي، عن منشورات “بيت الحكمة”، قال إن هذه المشاركة في معرض مسقط للكتاب تأتي “للتعريف بالكتاب المغربي والخصوصية الثقافية المغربية، والفرادة العربية للكتابة والتأليف عند المؤلّفين المغاربة، والتعريف بالتجربة المغربية عبر تاريخ التأليف”.
وأضاف في تصريح لهسبريس: “نحضر هذه الدورة في معرض سلطنة عمان للكتاب ضمن برنامج تبادل الأروقة بين معرضي مسقط والرباط، بإصدارات في مجال التاريخ، والعلوم الإنسانية بصفة عامة، واللسانيات، والأدب، والرحلة، وبعض الدراسات الموريسكية أو الأندلسية”.
ولمس البقالي عند زوار الرواق “اهتماما بمجال الرحلة المغربية إلى المشرق”، وشرح بأن “هذا موضوع يشكل للإخوة المشارقة إعادة تأويل للتاريخ المشرقي، على اعتبار أن الرحّالة في الرحلات الحجية دوّنوا ما يقع، وقدّموا بذلك مادة غنية تاريخيا”.
محمود درويش .. حر وحي يُتذَكَّر
“فأشهد أني حرٌّ وحيٌّ، حين أُنسى”، بيت لشاعر المنطقة محمود درويش، أو الشاعر، فيه دندنة عن تحرّر يُمنَحه الإنسان من قيود العتاب والتأويل والتقييم، حين يُنسى، لكنه لم يمنع استمرار الوفاء للشاعر العلَم لدى النقاد ومتذوّقي الأدب، والجمهور الواسع القارئ بالعربية، أو بـ 22 لغة ترجم إليها شعره ونثره.
ويجاور صورة درويش، بمعرض مسقط للكتاب، العلم الفلسطيني، وأحاديث عن شعره في المقاومة والحب، بمبادرة من المؤسسة الفلسطينية التي حملت اسمه منذ سنة رحيله جسدا 2008.
“مؤسسة محمود درويش” أنشئت بمرسوم رئاسي، “تقديرا للمكانة التي تبوأها في حركتي الشعر والنثر الفلسطينية والعربية والعالمية”، وتقصد المؤسسة الثقافية “جمع كل ما يتصل بتراث محمود درويش، ومتعلقاته، من أجل تعميم منجزه على أوسع نطاق، وتسليط الضوء على ما يزخر به تراثه الأدبي من قيم نبيلة”، فقد “كرّس كل جهوده الفكرية والإبداعية طوال خمسة عقود من الزمن لقضية شعبه العادلة في كفاحه من أجل الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية”.
رنين حديد، مديرة العلاقات الدولية والمشاريع بالمؤسسة، قالت إن “كل من يرى علم فلسطين يأتي إلى هذا الرواق، وهذا يدلّ على أن فلسطين في قلب عمان، وأن الاهتمام بمحمود درويش مستمر”.
وزادت المصرحة لهسبريس: “في مؤسسة محمود درويش نفتح أبوابنا للأطفال وطلّاب المدارس، والشباب والشابات، وغالبا ما تكون أسئلة الناس طلبا لاقتراح ديوان من دواوين محمود درويش، وهناك من يسأل عن دواوين محددة”.
ثم استرسلت قائلة: “لا تزال دور النشر تطلب محمود درويش للترجمة، كما أنه ما يزال هناك إقبال عال على قراءته من كثير من الفئات، وكان الإقبال طيلة الأيام السابقة من طلاب المدارس في الفترات الصباحية، والعائلات، وجميع الأعمار صراحة، وهذا يثلج الصدور لأنه ما يزال هناك إقبال على درويش”.
احتفاء بـ”جنوب الباطنة” والمخطوطِ العُماني
سُنّة سنها المعرض يتمسك بها في دورته الجديدة السابعة بعد العشرين؛ الاهتمام بمحافظة أخرى من محافظات السلطنة، هذه الدورة هي محافظة جنوب الباطنة.
في رواق “ضيف الشرف”، تحضر مخطوطات من المحافظة، وأسلحة وحليّ مشهورة بها، وصور للمعمار والسكان وأدوات العيش.
هيام سالم العوشي، المنظم الإعلامي لـ”جنوب الباطنة”، قالت إن هذا الرواق “متحف مصغر” يحوي “المخطوطات، وأهم الأمكنة السياحية بالمحافظة، والأسلحة المستعملة في الأزمنة السابقة”.
وأضافت المتحدثة لهسبريس: “يعرف المعرض إقبالا كبيرا، نظرا لموقعه، ويعرف بأبرز المعالم السياحية والأثرية، والولايات الست للمحافظة… مع تقديم نماذج مخطوطات ومقتنيات أثرية، ومجوهرات رجالية ونسائية قديمة، وصور للمناطق الأثرية”، مما يثير “اهتمام الأطفال الذين تستثير فضولهم الأسلحة والمجوهرات”.
غير بعيد عن هذا “المتحف المصغّر”، معرض موضوعُه “أوائل المطبوعات العمانية”، يقدم نظرة يسيرة الاستيعاب في تاريخ الطباعة بالسلطنة، وتاريخ المطبوعات عالميا.
يقدم هذا المعرض صورة عن الأصناف المعرفية التي اهتمت بها المطابع العمانية خلال مائة عام، منذ أواخر القرن الثامن عشر، وهي: الشريعة، والأدب، والسياسة، والتاريخ والجغرافيا، وعلوم الإدارة والاقتصاد، والمصاحف، وعلوم الفلك والبحار، واللغة. ويوضح أيضا أماكن المطبوعات العمانية، التي كانت مرتكزة أساسا بمصر، وسوريا، وزنجبار التي كانت تابعة لسلطنة عمان آنذاك.
كما تحضر بالمعرض أوائل مطبوعات وزارة التراث القومي والثقافة، بعدما أسست لـ”إحياء التراث العماني، بجمع وتحقيق ونشر أمهات الكتب العمانية” في القرن الماضي. وترافق اللوحات التعريفية، كتب معروضة لا تخلو من عتاقة في أصناف متعددة دينية، وأدبية، وعلمية.
كتابٌ ونقاش
كان زوار الدورة 27 من معرض مسقط للكتاب على موعد مع مواضيع تسائل مستقبل “السلطة الرابعة”، أو تهتم بمحمود درويش “شاعرا كونيا”، وبالروائي الليبي إبراهيم الكوني بوصفه “ذاكرة الصحراء”، أو بتطوير صناعة النشر، والمشترك الثقافي بين العرب وإسبانيا، وكتابة اليافعين، وصناعة التأثير والمؤثّرين على وسائل التواصل الاجتماعي، والتحولات الفكرية في سلطنة عمان والعالم العربي، كما شاركوا في ورشات من بينها “العلاج بالقراءة”، وتعلّم الخط العربي، والتعرف على الفنون الصخرية.
خلفان بن محمد بن فاضل العبري، مدير دائرة شؤون معارض الكتاب بوزارة الثقافة والرياضة والشباب بالسلطنة، ذكر، في تصريح لهسبريس، أن البرنامج الثقافي للموعد يضم “أمسيات وفعاليات ومحاضرات، تزيد عن 120 فعالية، و166 فعالية خاصة بالطفل، تنظم خلال عشرة أيام”.
وواصل: “نعتبر معرض مسقط الدولي للكتاب الحدث الثقافي الأبرز في سلطنة عمان، ونلمس حاجة المجتمع لمثل هذه الفعاليات والبرامج، من خلال تعطشهم للمتابعة المستمرة لما يخص المعرض”.
ثم أردف قائلا: “هذا عرس ثقافي لنشر رسائل التسامح والمحبة والمعرفة، وهو مكان عائلي، يجمع الجميعَ بوُد، فتتعدد الجنسيات الموجودة بأروقة معرض مسقط الدولي للكتاب، وخاصة من الدول المجاورة، وهي دول مجلس التعاون الخليجي، نظرا لسهولة التنقل، ويرافق دائما معارض الكتاب بدول الخليج حراك دائم، خاصة في المعارض القريبة بالشارقة الإماراتية، والكويت، والرياض السعودية”.
ورأى المسؤول العماني أن المعرض قد حقق “ثمانين بالمائة من الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها”، وزاد شارحا: “هذا المعرض الذي انطلق سنة 1992 (…) ارتفع عدد الدول المشاركة فيه هذه السنة من 27 دولة العام الماضي إلى ثلاثة وثلاثين دولة خلال هذه الدورة، كما ارتفع عدد دور النشر؛ حيث شاركت بشكل مباشر 656 دارا”.
وذكر خلفان بن محمد أن هذه هي “السنة الثانية التي تحصى فيها أعداد الزوار، بتقنية العد الإلكتروني الدقيق جدا، الذي يفرز العدد الإجمالي بشكل يومي، دون تكرير عدَّ الأشخاص، كما يقدم أوقات الذروة”، ثم أبرز أهمية هذه الأرقام “التي نأخذها بعين الاعتبار لنطور المعرض في المستقبل، ولذا تم توظيف 30 باحثا عن عمل من أجل رصد البيانات الإحصائية الخاصة بالمعرض، عبر استمارة إلكترونية، لاستطلاع أي ملاحظات ومناقشتها”.
رهان على الخلَف القارئ
في حديثه مع هسبريس، قال مدير دائرة شؤون معارض الكتاب بعُمان إن “كل معرض للكتاب حدث ثقافي كبير ينتظره الناس، وأطفالنا يسألوننا عن مواعيد هذه المعارض، وهناك تواصل مباشر من المؤسسات التعليمية، مدارس وجامعات وغيرها، للحضور”.
ثم أجاب على سؤال الإلكترونية حول “بناء الخلف” بالقول: “لقد أصبح المعرض بيئة جاذبة بشكل عام للطفل، ولمختلف شرائح المجتمع بما يحتويه من مرافق وخدمات تمس مختلف أطياف المجتمع، ولنا ركن خاص بالطفل، وركن خاص بالفنون، وثلاثة مسارح مخصصة للفعاليات الثقافية”.
واسترسل موضحا: “ننسق مع جميع المؤسسات، سواء وزارة التربية والتعليم، من خلال المدارس التعليمية، أو وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، من خلال المؤسسات وطلاب الجامعات، ونضع جدولا لتوزيع مواقيت الحضور، وأياما خاصة للطلاب، خاصة في الفترة الصباحية”.
وأضاف: “زارت المعرض في يوم واحد من أيام الموعد 12 ألف طالبة من مختلف أنحاء السلطنة، من مسافات لا تقل في بعض الأحيان عن 300 كيلومتر، وهذا رقم مثالي بالنسبة لنا، وفيما يتعلق بالطالبات دائما ما نرصد أرقاما جيدة جدا”.
وفي ختام حديثه، أجمل خلفان بن محمد بن فاضل العبري بالقول: “ما يزال الكتاب موجودا، في ظل التطور التقني الكبير الذي يشهده العالم، وغرس أهمية القراءة الورقية لا بد منه، والحمد لله ما يزال طلابنا وأبناؤنا محافظين على النهج في قراءة الكتاب، ونعول على النشء بشكل كبير من أجل زيارة المعرض؛ لأن هذا الجيل سيكون إن شاء الله عمود مستقبل هذا الوطن”.
المصدر: هسبريس