معتصمون ينادون بالشغل في أزيلال

في قلب ساحة “بين البروج” وسط مدينة أزيلال، يخوض عدد من المعطلين اعتصاما مفتوحا منذ أيام، معلنين عن دخولهم مرحلة جديدة من الاحتجاج تحت شعار “المعطل يعاني والمسؤول لا يبالي”، مطالبين بتحقيق فرص عمل تضمن لهم كرامتهم في ظل انسداد أفق البطالة، ومعبرين عن فقدانهم الأمل في وعود المسؤولين الذين لم يُنفّذوا أيا من تعهداتهم.
أحمد (اسم مستعار)، حاصل على شهادة جامعية، لم يكن يتصور أن سنوات الدراسة والاجتهاد ستنقلب إلى مشهد يومي من العراء واليأس، يقول: “أربع سنوات من الانتظار والوعود التي لا تُنفذ، واليوم لم نعد نملك شيئا نخسره، حتى الأمل فقدناه”. هذه الكلمات لا تعكس الألم الذي يشعر به أحمد، بل هي لسان حال العديد من المعطلين الذين يجدون أنفسهم في مواجهة جدار من الفشل في إيجاد فرصة عمل.
ما كان يوما فضاء عموميا للتنزه، تحوّل اليوم إلى ما يشبه مخيما احتجاجيا مفتوحا؛ بطانيات مهترئة، أكياس بلاستيكية تحتوي على طعام، قنينات ماء، ولافتات مكتوبة بخط اليد تصرخ بالمطالب. وعلى الرغم من هذه الظروف، إلا أن خلف هذا المشهد تتراكم حكايات معاناة جماعية تركز على أزمة “الإقصاء في زمن الشهادات”.
لا يتوقف الاعتصام عند مطلب الحصول على الشغل، بل يمتد ليشمل تشريحا أعمق لجذور الأزمة. أحد المعتصمين، فضل عدم ذكر اسمه خوفا من التضييق، أوضح قائلا: “المشكل ليس فقط في الوظيفة، بل في غياب العدالة المجالية. نحن من أزيلال، الإقليم الذي نسيه الجميع رغم غناه بالطاقات والثروات”.
بحسب تقارير حقوقية متطابقة، تعدُّ أزيلال واحدة من أكثر الأقاليم تهميشا في جهة بني ملالخنيفرة. العديد من شباب الإقليم الذين أنهوا دراساتهم العليا في كليات ومدارس وطنية يجدون أنفسهم يعودون إلى دواويرهم بدون أمل، في ظل غياب مشاريع إنتاجية أو استثمارات حقيقية توفر فرص العمل. “نعيش على هامش الوطن. لا فرص، لا حوار، فقط صمت يعمّق أوجاعنا”، يقول محمد، ثلاثيني حاصل على شهادة الإجازة في العلوم مشارك في الاعتصام منذ بدايته.
ورغم تكرار الوقفات والنداءات، لم تبادر أي جهة رسمية إلى فتح حوار مع المعتصمين. هذا التجاهل، حسب المحتجين، لم يزد الوضع إلا تعقيدا. “نحن لم نعد نطلب المستحيل، فقط نريد أن يتم الاعتراف بوجودنا”، يقول محمد، مضيفا: “لسنا خصوما، نحن أبناء هذا الوطن، نطالب فقط بحياة تحفظ كرامتنا”.
في السياق ذاته، كشف أعضاء التنسيقية الإقليمية للأطر المعطلة بأزيلال “أنهم خاضوا منذ السنة الماضية سلسلة من الأشكال النضالية السلمية في الشارع العام، شملت وقفات ومسيرات واعتصامات أمام مقر العمالة، لكنهم قوبلوا بالقمع والتضييق، بل ومحاولات التشكيك في كفاءاتهم العلمية”، وأوضحوا أن “الاعتصام المفتوح بساحة بين البروج، هو جزء من خطوات احتجاجية متواصلة تحت شعار: لا عودة حتى تحقيق مطلبنا العادل والمشروع”، كما وجهوا انتقادات لاذعة إلى المنتخبين، لا سيما البرلمانيين، بسبب صمتهم وعدم الترافع عن معاناة المعطلين.
ولا تقتصر مطالب المعتصمين على الشغل فقط، بل تشمل أيضا مراجعة شروط الولوج إلى الوظيفة العمومية، خاصة في ما يتعلق بتسقيف سن التوظيف، الذي يرونه إقصاء ممنهجا لآلاف الشباب. كما يُطالب المعتصمون بتكافؤ الفرص في مباريات التوظيف المحلي، مستنكرين “الغموض والشبهات” التي تحوم حول نتائج بعض المباريات في الجماعات الترابية.
وفي خضم الهتافات اليومية التي يرددها المعتصمون، لا يزال المشهد مفتوحا على كل الاحتمالات. هم لا يهددون ولا يبتزون، بل يحلمون؛ “نحلم بوطن لا نُضطر فيه للاعتصام من أجل البقاء”، “نحلم بأن نساهم في تنمية بلدنا من مواقع العمل، لا من أرصفة الاحتجاج”، يكتب عضو في التنسيقية الإقليمية للأطر المعطلة على صفحته.
وفي غياب أي رد رسمي، تبقى ساحة “بين البروج” شاهدة على قصة معطلين اختاروا أن يحتجوا بكرامة حتى وهم يبيتون تحت السماء، ورمزا لمعاناة جماعية وشهادة على أمل لا يموت في ظل الصمت الرسمي.
المصدر: هسبريس