الثلاثاء 19 غشت 2025 22:48
يلجأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى لعبته المفضلة: ابتزاز العالم بورقة معاداة السامية. هذه المرّة، يوجّه سهامه نحو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لمجرّد أن باريس قررت اتخاذ خطوة شجاعة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية. فجأة يصبح الاعتراف بحق شعب مسلوب “وقودًا للكراهية”، وتتحول الدبلوماسية إلى “تشجيع للإرهاب”، وفق القاموس السياسي الإسرائيلي.
لكن الحقيقة جلية: من يساوي بين معاداة السامية وبين دعم حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، إنما يسيء إلى اليهود قبل غيرهم. فرنسا لم تكن يومًا بحاجة إلى دروس من نتانياهو في حماية مواطنيها اليهود، فهي التي واجهت النازية وحررت أوروبا من جحيمها. أمّا نتانياهو، فيريد أن يجعل من كل نقد لسياساته العدوانية “جريمة كراهية”، وأن يُخضع الضمير الإنساني لرقابة لوبياته.
ماكرون أصاب حين أكد أن فرنسا “تحمي مواطنيها اليهود وستظل تحميهم”، لكنه في الوقت نفسه يرفض أن تُستخدم اليهودية كدرع أخلاقي لجرائم دولة محتلة. هنا تكمن المعادلة التي يحاول نتانياهو تدميرها: مناصرة فلسطين لا تعني معاداة اليهود، بل العكس؛ إنها دفاع عن قيم العدالة التي تحمي كل الشعوب من الاضطهاد، أيًا كان دينها أو عرقها.
خطورة تصريحات نتانياهو أنها لا تعكس فقط خوفه من موجة الاعترافات الدولية بفلسطين التي وصلت إلى أكثر من 145 دولة بل تكشف أيضًا ذعره من سقوط آخر أوراق التوت التي تغطي مشروع الاحتلال. إذا اعترفت باريس، الدولة الأوروبية المركزية وصاحبة الوزن التاريخي والسياسي، فستتجرأ دول أخرى على اتخاذ الخطوة نفسها. لذلك، يصرخ نتانياهو بـ”معاداة السامية”، لأنه يعرف أن المعركة الحقيقية لم تعد عسكرية فقط، بل معركة على الشرعية الدولية.
الحقيقة أن من يهدد اليهود الفرنسيين اليوم ليس ماكرون ولا الاعتراف بفلسطين، بل السياسات الإسرائيلية التي تجعل من كل انتقاد للاحتلال ساحة صراع مفتوح. حين يقتل الاحتلال أطفال غزة، ويهدم بيوت الضفة، ويحاصر شعبًا بأكمله، فهو لا يحمي اليهود بل يضعهم في قلب مواجهة أخلاقية لا ذنب لهم فيها.
لقد آن الأوان أن يُفصل بين اليهودية كديانة وحقوق الفلسطينيين كقضية تحرر. الاعتراف بفلسطين ليس تنازلًا ولا “استرضاءً” كما قال نتانياهو، بل خطوة طبيعية في مسار عدالة تاريخية تأخرت كثيرًا. أما أن تُحوَّل هذه الخطوة إلى “جريمة معاداة السامية”، فذلك هو الابتذال بعينه، والمهانة الأخلاقية التي فضحها ماكرون.
نتانياهو يلعب لعبة خاسرة: يساوي بين بقاء إسرائيل كدولة محتلة وبين أمن اليهود حول العالم. لكن فرنسا، ومعها كل من يملك ذرة ضمير، تقول بوضوح: حماية اليهود واجب، والاعتراف بفلسطين واجب آخر. ولا تناقض بين الاثنين إلا في عقلية احتلال يعيش على الكذب والابتزاز.
المصدر: هسبريس