مصير البوليساريو يرتبط بالتحول الجزائري ونجاح الحكم الذاتي

في خضم التحولات المتسارعة التي تعرفها قضية الصحراء المغربية على المستويين الإقليمي والدولي برز تقرير “ما هو مصير البوليساريو بعد نهاية النزاع حول الصحراء؟”، كأحد الإسهامات الفكرية الرصينة التي تنتقل من تحليل اللحظة الراهنة إلى استشراف مآلات ما بعد التسوية. وقدّم التقرير، الذي أُنجز بإشراف اللجنة العلمية المكونة من الدكتور عبد الفتاح البلعمشي والدكتور محمد الزهراوي، طرحًا جريئًا يتجاوز الوصف التقليدي للنزاع نحو التفكير في ما بعده.
وفي قراءة تحليلية لهذا التقرير نوّه الأستاذ ماء العينين محمد الغيث، الخبير في قضية الصحراء وقضايا التنمية، ونائب رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، بحسن اختيار العنوان وتوقيته ودلالاته، معتبرا إياه خطوة جريئة نحو تأصيل نقاش إستراتيجي يواكب المتغيرات المتلاحقة.
ويرى الغيث أن التقرير يُعد من الأدبيات النادرة التي تتعامل مع “زمن ما بعد النزاع”، وهو زمن غالبًا ما يُهمّش لصالح التحليل السياسي اللحظي، مبرزا أن العمل تميّز ببنية تحليلية رباعية الأبعاد، تشمل: القيادات، السلاح، التنظيم، وساكنة المخيمات، ما يمنحه بعدًا إستراتيجيًا واضحًا في استشراف المرحلة المقبلة.
وأشاد الخبير ذاته باعتماد التقرير على مقاربة سيناريوهات دقيقة تستند إلى أسس واقعية، دون التفريط في الحذر المنهجي، كما نوّه بإبراز التقرير حل الحكم الذاتي كحل واقعي مدعوم دوليًا، مشيرًا إلى أن تنفيذ هذا الخيار سيطلق ديناميات اجتماعية ونخبوية جديدة داخل الأقاليم الجنوبية.
ولفت المتحدث الانتباه إلى أهمية الإشارة إلى دور المؤسسة الملكية كضامن لتوازن المرحلة المقبلة، مؤكدًا على التفريق الذكي الذي اعتمده التقرير بين “تنظيم البوليساريو” من جهة و”ساكنة المخيمات” من جهة أخرى، وإن كان هذا التفريق، برأيه، يحتاج إلى مزيد من التدقيق والتفصيل.
ودعا الغيث إلى ضرورة الانتقال من تحليل النخب إلى إعادة تشكيلها، بحيث تفرز المرحلة المقبلة نخبًا جديدة تعبّر فعليًا عن التنوع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الحقيقي في الجنوب المغربي، وذلك عبر تمكين الساكنة من آليات ديمقراطية شفافة، تُنهي منطق المحاصصة الإدارية، سواء في الضفة الغربية للجدار أو شرقه.
أشار الخبير نفسه إلى أن رفض الجزائر والبوليساريو أي إحصاء محايد، وإغراق المخيمات بأفراد من أصول غير صحراوية، يفرض على المغرب توضيح موقفه: وهو أنه لا يعارض عودة من خرج فعلاً من الصحراء، بل يعارض إدماج من لم يكن يومًا جزءًا من نسيجها الاجتماعي.
وقدم المتحدث مجموعة من المقترحات لتعزيز النسخة المستقبلية من التقرير، أهمها استثمار قدرة الدولة المغربية على هندسة مرحلة ما بعد النزاع، وذلك بإنتاج تصور متكامل حول بناء التوازنات المؤسسية وتوزيع السلطة والثروة في إطار الجهوية المتقدمة، إضافة إلى إدراج مقاربة قانونية دولية تشرح تأثير غياب الإحصاء ورفض الجزائر تدخل المفوضية السامية للاجئين، وما يطرحه من إشكالات قانونية حول وضعية الساكنة.
كما أضاف ماء العينين إلى مقترحاته دمج الاقتصاد السياسي للنزاع، من خلال تحليل بُنية الريع في المخيمات، وكيف تحولت المساعدات الدولية إلى أداة لإدامة الوضع بدل حله، والتوسع في تحليل دور الجزائر، باعتبارها فاعلًا محددًا لمصير البوليساريو، والتفكير في سيناريوهات التحول الداخلي الجزائري، سواء بفعل الضغط الدولي أو التغيرات داخل السلطة الحاكمة.
ويرى ماء العينين محمد الغيث أن تقرير “ما هو مصير البوليساريو بعد نهاية النزاع حول الصحراء؟” يضع المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات في موقع متقدم على مستوى التفكير الإستراتيجي؛ كما يُمكّنه في حال تطوير النسخة الثانية من بلورة تصور وطني عقلاني لما بعد التسوية، يوازن بين الواقعية السياسية والعمق الحقوقي والسيادة الوطنية، بما ينسجم مع الرؤية الملكية لمغربية الصحراء، ويترجم التزام المغرب الصريح تجاه شركائه الإقليميين والدوليين.
المصدر: هسبريس