“مشهد قبلة” يدفع حارس سينما إلى منع عرض فيلم “موت للبيع” بأكادير
حادثة غريبة شهدتها مدينة أكادير، بعدما اعترض مكلف بحراسة مؤسسة سينمائية على عرض فيلم مغربي لأنه يتضمن “مشهد قبلة”، واستعاض عنه في فترة غاب عنها مسؤولو دار العرض، وفق معلومات استقتها هسبريس، بفيلم كوميدي مغربي.
هذه الرقابة على فيلم “موت للبيع” للمخرج البارز فوزي بنسعيدي، الذي يعود تاريخ عرضه الأول إلى سنة 2011، لا علاقة لها بأي سلطات محلية أو وطنية، بل هي “مبادرة من موظف الأمن الذي عنده مفاتيح القاعة، بعد مشاهدته الفيلم في عرضه السابق”، وفق المعلومات نفسها.
وتم هذا خلال احتضان سينما الصحراء بأكادير لـ”بانوراما السينما المغربية” خلال شهر غشت الجاري، التي هي “مبادرة يسعى من خلالها المجلس الجماعي لأكادير إلى إعادة إحياء ثقافة السينما بالمدينة، وتنويع العرض الثقافي لساكنة أكادير وزوارها”، وفق إعلانه الرسمي.
الناقد السينمائي سعيد المزواري يرى في مثل هذا الإشكال دلالة على تحدٍّ حالي ومستقبلي يرافق إعادة فتح قاعات سينمائية كانت مغلقة، ولو أن هذه “مبادرة استبشرنا خيرا بها، حتى مع تحفّظنا على البرمجة، لأن هذه المهمة تتطلب تكوينا، لكن يبدو من هذا المستجد أن التأطير يطرح مشكلا أيضا”، وفق تعبيره.
وربط المزواري، في تصريح لهسبريس، ما حدث بـ”قطيعة تمّت بين التربة التي استُنبتت فيها السينما بالمغرب، قبل وبعد الاستقلال من خلال ثقافة الأندية السينمائية، ثم إرث المهرجانات السينمائية”، وهي الثقافة التي “اضمحلّت تدريجياً بسبب الأزمة التي شهدتها السينما منذ ثمانينيات القرن الماضي، لصالح ممارسات بهرجة تحتفي بالسينما كفرجة، ما جعل جزءاً كبيراً من المغاربة لا يتمثّلون اختلاف الفرجة السينمائية الجذري عن التلفزيون، ويجهلون طبيعتها كفنّ يخلخل التّصوّرات الدّينية والإيديولوجية، ويزعزع القناعات الاجتماعية والصُّور المُنمّطة، لصالح تصوّر أكثر تعقيداً؛ وبالتالي صدامي بالضرورة، للواقع، يدعم الحداثة، ونظرة أكثر نضجاً، تسهم في نهاية المطاف في تكوين مواطن ذي رؤية نقدية لمحيطه”.
ومع محدودية إقبال الجمهور على السينما، وغلبة مشاهدة “الكوميديا بمعناها الأوَّلي” في الشاشات الكبيرة، يتحدث الناقد عن الحاجة إلى “صناعة الجمهور، عبر التربية على ثقافة الصورة في المدارس، وهي المسألة التي كانت موضوع دعوة سابقة لفاعلين مغاربة في المجال السينمائي، لأنه عبرها يهذَّب الذوق ويصنع جمهور متطلّب، ومع العروض ونقاشات الأفلام يصير الإقبال أكثر على سينما المؤلف، التي هي الطابع المميز للسينما المغربية منذ سبعينيات القرن الماضي”.
ويرى المزواري أن إشكالية قاعة عرض أكادير من المرشّح أن تتفاقم، مع وعود وزارة الثقافة بتدشين عشرات قاعات العرض الجديدة، ولو أن هذه الخطوة “تداركٌ للعجز الحاصل في حظيرة الصالات”، إلا أن هذا ينبغي أن يرافقه تفكير “في ما لا يقلّ أهمية عن صالات العرض والتّجهيزات التّقنية، وهو العنصر البشري؛ أي من سيتكفّل ببرمجة هذه العروض وتنظيمها ومرافقتها بالتأطير والنّقاش”، وهو “سؤالٌ كبيرٌ لا أحد يفكّر فيه”.
ثم أجمل الناقد السينمائي قائلا: “أخطر ما أثبتته حادثة أكادير هو أنّ نتيجة الارتجال والعشوائية هي أنشطة تؤتي عكس المأمول فيها، لتغدو مطيّة للانغلاق وتكريس القائم ونشر اليأس، عوض أن تكون إسهاماً في بثّ الأمل والتّغيير والانفتاح”.
المصدر: هسبريس