كشفت مذكرة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2026 عن تقدم ملموس في تنزيل ورش الإصلاح الهيكلي لقطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، وذلك في إطار الاستراتيجية الوطنية التي يقودها الملك محمد السادس، والرامية إلى تقويم الاختلالات الهيكلية التي تعيق فعالية هذه المؤسسات، وضمان تكامل مهامها وتناسق أدوارها، إلى جانب تعزيز نجاعتها الاقتصادية والاجتماعية.
ويأتي هذا الورش في سياق وطني يسعى إلى توطيد أسس الدولة الاجتماعية وترسيخ مبادئ العدالة المجالية، عبر إصلاح شامل يشمل مختلف القطاعات الحيوية التي تمس حياة المواطن بشكل مباشر.
وفي هذا الإطار، أكدت المذكرة التقديمية أن الإطار التشريعي والتنظيمي للإصلاح شهد تطورًا ملحوظًا، حيث تمت المصادقة إلى حدود الساعة على تسعة نصوص قانونية، فيما لا تزال نصوص أخرى قيد المصادقة أو في طور الصياغة، وهو ما يعكس الدينامية القانونية والتنظيمية التي تؤطر هذا الورش الوطني الكبير. وقد باشرت قطاعات استراتيجية عدة، خطوات عملية في هذا الاتجاه من خلال إعادة هيكلة شاملة تروم ترشيد المحفظة العمومية ورفع مردوديتها.
في قطاع الصحة والحماية الاجتماعية، أكدت الحكومة أن الإصلاح يهدف إلى إرساء منظومة حكامة موحدة وفعالة، تنسجم مع ورش تعميم الحماية الاجتماعية. وفي هذا السياق، تم إحداث اثني عشر مجموعة صحية ترابية، شرعت أولى هذه المجموعات في ممارسة مهامها بجهة طنجةتطوانالحسيمة.
كما تم تقديم مشروع قانون جديد يهدف إلى توحيد تدبير التأمين الإجباري الأساسي عن المرض من خلال إسناد هذه المهمة إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بدلًا من الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي، ما يمثل خطوة حاسمة في مسار تبسيط المنظومة وتجويد خدماتها.
أما في قطاع توزيع الماء والكهرباء، فقد تم اعتماد القانون المتعلق بالشركات الجهوية متعددة الخدمات، في تحول مؤسساتي يروم توجيه المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب نحو أداء مهامه الاستراتيجية، وفسح المجال أمام هذه الشركات للاضطلاع بخدمات التوزيع، بما يضمن تحسين الأداء والإنصاف الترابي في الولوج إلى الماء والكهرباء.
وفي ميدان التعمير والإسكان، أشارت الحكومة أنه تم إطلاق ورش إصلاح عميق من خلال المصادقة على مشروع قانون يحدث الوكالات الجهوية للتعمير والسكنى، لتعويض 29 وكالة حضرية قائمة، وذلك بهدف توحيد الرؤية الجهوية، وتبسيط المساطر، وتقوية فعالية السياسات العمومية في مجال السكن.
وبحسب مذكرة تقديم مشروع قانون المالية لسنة 2026، فقد لعبت الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة دورا رئيسيا في تأطير هذه التحولات، من خلال مواكبة عمليات إعادة التموقع المؤسساتي داخل عدد من القطاعات، أبرزها القطاع السمعي البصري، الذي شهد تجميع مختلف الفاعلين ضمن قطب عمومي مندمج، تقوده الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة بعد استحواذها على قناة “ميدي 1” وإذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية، وبدء عملية إلحاق شركة صورياد “دوزيم”.
وفي قطاع الطاقة، أطلقت الوكالة دراسة استراتيجية لإعادة تحديد تموقع المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، في أفق بلورة سيناريوهات ملائمة تواكب التحولات المتسارعة التي يشهدها القطاع.
كما تم وضع مشاريع قوانين لتحويل مؤسسات عمومية ذات طابع تجاري إلى شركات مساهمة، من بينها المكتب الوطني للهيدروكاربورات والمعادن، الذي تمت المصادقة على مشروع تحويله في يونيو 2025، إلى جانب مؤسسات أخرى كالمكتب الوطني للمطارات والمكتب الوطني للصيد البحري وصندوق التجهيز الجماعي.
وفي سياق موازٍ، تم تعزيز الإطار الحاكم لتدبير هذه المؤسسات باعتماد السياسة المساهماتية الجديدة للدولة، والتي تم نشرها في الرسمية في 30 دجنبر 2025، إضافة إلى إصدار الميثاق الجديد للممارسات الجيدة لحكامة المؤسسات والمقاولات العمومية، بموجب مرسوم صدر في أبريل 2025. وتهدف هذه الوثائق المرجعية إلى ترسيخ قواعد الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتوجيه المؤسسات نحو أداء أكثر فعالية واستدامة.
وأكدت مذكرة تقديم مشروع قانون المالية أن هذه الإصلاحات، إلى جانب الأوراش المفتوحة، تندرج ضمن رؤية شمولية لإعادة هيكلة القطاع العمومي، بما يجعل من المؤسسات والمقاولات العمومية رافعة حقيقية للتنمية، وشريكًا فاعلًا في تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، وفق نموذج تنموي متجدد ومتكامل.
المصدر: العمق المغربي