رصدت تقارير صادرة عن المفتشية العامة لوزارة الداخلية التي انجازها بين سنتي 2019 و2022 عدة اختلالات شابت مختلف مراحل مشروع تهيئة ملاعب القرب الذي كان من المنتظر أن يعزز البنية التحتية الرياضية لفائدة شباب مدينة الجديدة، من إعداد الاتفاقية إلى إبرام الصفقات وتنفيذ الأشغال.
وحسب التقرير الذي اطلعت عليه جريدة “”، فإن المشروع الذي يندرج في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تم تقسيمه إلى صفقتين رئيسيتين: الصفقة رقم 01/APDS/INDH/2019، التي تهم تهيئة أربعة ملاعب رياضية بمختلف أحياء مدينة الجديدة بغلاف مالي يناهز 1.329.600,00 درهم، والصفقة رقم 02/APDS/INDH/2019، التي تهم إنجاز ملعب قرب بحي غزوة، بكلفة 669.240,00 درهم.
وأشار التقرير إلى أن المشروع موحد من حيث النشأة، إذ تم تحديد حاجياته من طرف اللجنة المحلية للتنمية البشرية (CLDH) بتاريخ 16 يناير 2017، فقد تمت المصادقة عليه مرتين من طرف اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية (CPDH)، الأولى بتاريخ 9 فبراير 2017، والثانية بتاريخ 30 نونبر 2018.
وزاد: “غير أن فحص مختلف مراحل المشروع أظهر ملاحظات جوهرية، تمس كل من مرحلة إبرام الصفقات وتنفيذ الأشغال، فضلا عن وجود تضارب مصالح مثير للقلق. فقد تم منح مبلغ 2.000.000,00 درهم بموجب الاتفاقية رقم 43/2018/INDH، بتاريخ 12 دجنبر 2018، لفائدة جمعية “APDS” التي كان يشغل أمينها العام، (عبد الإله.ج) ، منصب رئيس مصلحة التنشيط الرياضي والثقافي داخل قسم العمل الاجتماعي (DAS) وقت المصادقة على المشروع، ويشغل حاليًا منصب رئيس مصلحة البرنامج 3 داخل نفس القسم.
كما سجل تقرير المفتشية العامة لوزارة الداخلية خلل آخر تمثل في مشاركة (سعيد.أ)، رئيس مصلحة البرنامج 4، في مرحلة إبرام الصفقات، بدل المسؤول المكلف ببرنامج PL.
وبالإضافة إلى هذه الإشكالات، أكد التقرير أن أشغال المشروع عرفت تأخرا كبيرا، حيث لم يصدر أمر الانطلاق إلا بتاريخ 8 أكتوبر 2019 بخصوص الصفقة رقم 02، و4 نونبر 2019 بخصوص الصفقة رقم 01، رغم أن المصادقة على المشروع تعود لسنة 2017.
كما كشف أيضا مراجعة بنود الاتفاقية رقم 43/2018/INDH عن عدة نواقص وثغرات، أبرزها: عدم توقيع جماعة الجديدة على الاتفاقية بصفتها مالكة للمشروع، حيث وقع رئيسها بصفته رئيسًا للجنة المحلية للتنمية البشرية فقط، وغياب تحديد دقيق لعدد الملاعب والمواقع المعنية، رغم أن التشخيص التشاركي حددها في محضر CLDH ليوم 16 يناير 2017، بالإضافة إلى عدم الإشارة لطبيعة الوعاء العقاري أو مساهمة الجماعة في توفيره، رغم أن الملاعب تقع على أراضيها.
وشرح التقرير أنه “من بين النواقص نجد عرض تقديري غير مفصل للتكلفة الإجمالية للمشروع بقيمة 2 مليون درهم، دون تحديد دقيق لمكوناته، مع تحمل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لكافة تكاليف الإنجاز، بينما اقتصرت مساهمات الشركاء الآخرين على التأطير والتكوين والتسيير، إضافة إلى غياب أي إشارة لآلية صرف الدعم، حيث تم تحويل المبلغ دفعة واحدة، دون ربطه بمراحل المشروع (الدراسة، الصفقات، التنفيذ، التسليم).
وسلط تقرير مفتشية الداخلية الضوء أيضا على اتفاقيتين تم توقيعهما بتاريخ 30 شتنبر 2021 و22 فبراير 2022 بين جمعيتي PAPDS والنادي الأولمبي للجديدة، دون حضور ممثلي اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية والمديرية الإقليمية للشباب والرياضة، على الرغم من أن هذه الأطراف الأربعة معنية بشكل مباشر بتدبير هذه الملاعب وفقًا لما تنص عليه الاتفاقية الإطار رقم 43/2018/TNDH.
وأفادت نفس المصادر أن الاتفاقيتين الثنائيتين أسفرتا عن إعفاء النادي الأولمبي للجديدة من مهمة تدبير الملاعب، وإسناد هذه المهمة لجمعية PAPDS، رغم أن النادي كان قد تم تعيينه سابقًا للقيام بهذا الدور بموجب المادة الرابعة من الاتفاقية رقم 43/2015/INDH.
وفقا للتقرير، فقد جاءت الاتفاقيتان لتكريس هذا التغيير، بالإضافة إلى تحديد الالتزامات المالية المترتبة على النادي، حيث تم تخصيص منحتين لفائدة PAPDS، الأولى بقيمة 96.000,00 درهم عن أشهر شتنبر وأكتوبر ونونبر 2021، والثانية بقيمة 192.000,00 درهم عن شهر دجنبر من نفس السنة وخمسة أشهر من سنة 2022. غير أن الجمعية لم تتوصل سوى بالمنحة الأولى بتاريخ 25 فبراير 2022.
وأوضح المصدر أنه في غياب أي ضمانات تضمن استمرارية المشروع، تبقى التدابير المتخذة محدودة وغير واضحة زمنيًا، ما يجعل تدخل جمعية PAPDS لتدبير الملاعب دون أفق واضح أو مستدام.
من جانب آخر، طالت انتقادات لجنة التفتيش الدراسة التقنية المتعلقة بالمشروع، حيث تم تسجيل غياب المنافسة في صفقة الدراسة التي أبرمت عن طريق التفاوض المباشر مع مكتب الدراسات “M.C.T” بمبلغ 48.000,00 درهم، بموجب اتفاقية مؤرخة في 4 مارس 2019.
ويظهر من خلال تحليل اللجنة التي تضم قضاة المجلس بنود هذه الاتفاقية وجود عدة نواقص، منها أن المادة الأولى تنص على موضوع عام يتعلق بتهيئة ملاعب القرب بمدينة الجديدة دون تحديد عددها أو أماكنها، كما أن المادة الرابعة تشير إلى تعويضات إضافية في حالة الدراسات التكميلية دون تحديد مضمون هذه الدراسات.
أما المادة العاشرة المضمنة في التقرير الخاص بالمفتشية العامة لوزارة الداخلية، فتشير إلى مبلغ جزافي يبلغ 48.000,00 درهم مقابل إعداد المشروع، وملف طلب العروض، والتتبع، والاستلام، دون فصل واضح بين المراحل المختلفة، وهو ما سمح بإمكانية أداء مبالغ إضافية بدون إطار دقيق، كما أن المادة 13 تنص على تعويضات أخرى تتعلق بمصاريف التنقل دون تحديد نقطة الانطلاق أو المسافة.
والمثير للانتباه حسب ما جاء في التقرير، هو غياب أي بند يحدد أجل إنجاز هذه الدراسة أو تاريخ انتهائها، ما يجعل من هذا العقد مفتوحًا وغير محدد المدة، قابلا للتطبيق على ملاعب أخرى، ويفتح المجال لتكرار نفس المنهج مع نفس المكتب في دراسات يمكن إنجازها داخليا دون تحميل ميزانية المشروع مصاريف إضافية.
وخلص التقرير إلى أن النفقة المخصصة للدراسة والمقدرة بـ48.000,00 درهم لم تكن فعالة، خصوصًا أن جمعية PAPDS كان من المفترض أن تتلقى الدعم من مصالح العمالة ومجموعة OCP، التي سبق لها أن أعدت وثائق مماثلة بإمكانياتها الخاصة، مما يجعل جودة الوثائق المنجزة من طرف مكتب الدراسات محل تساؤل إضافي.
وأكمل التقرير أن “دفتر الشروط الإدارية العامة (CPS) مستوحى جزئيا من دفتر الشروط الإدارية العامة الخاص بمجموعة OCP، كما هو الحال بالنسبة للمواصفات التقنية التي تم نقلها حرفيا من نفس الدفتر، ولكن مع اعتماد مقتضيات أخرى تم اختيارها بطريقة تتيح للشركة التحرر من التزاماتها القانونية المتعلقة بضمان حقوق صاحب المشروع. إذ لم يتم اشتراط التأمين ضد العيوب التي تظهر خلال عشر سنوات (الضمان العشري) في الصفقتين رقم 01/2019/APDS/INDH ورقم 02/2019/APDS/INDH، بخلاف دفتر الشروط المعتمد من طرف مجموعة OCP، والذي ينص على هذا التأمين طبقا للمعايير الجاري بها العمل في هذا المجال”.
نفس الوثيقة تحتوي على نواقص أخرى، من بينها عدم تحديد طبيعة وتواتر الاختبارات التي ينبغي أن يخضع لها الطلاء السطحي من مادة الراتينج، علما أن هذه الأشغال تستوجب عناية خاصة من حيث المتابعة والمراقبة. كما أن هناك غياب لتحديد التسامحات المقبولة بخصوص نعومة السطح وانحداره، وإدراج سعر خاص بأرضية خرسانية بسمك 7 سم ضمن الكشف التقديري، رغم أن الأراضي المعنية بالتأهيل تتوفر مسبقًا على أرضيات خرسانية.
“عدم جدوى التعاقد مع مكتب دراسات تقنية (BET) في هذه الحالة يتجلى من خلال قصر المدة الفاصلة بين تاريخ توقيع عقد الدراسة (04/03/2019) وتاريخ فتح الأظرفة (15/03/2019)”، يضيف التقرير.
ولفت التقرير إلى أن “عدم لجوء APDS إلى تصحيح إعلان طلب العروض رقم 02/2019/APDS/INDH ونشره من جديد، رغم أن الإعلان في الجرائد تضمن إنجاز ملعبين للقرب، في حين أن الطلب شمل في الواقع ملعبا واحدا فقط، كما أن الكلفة التقديرية التي نشرت كانت 1.090.800,00 درهم، ثم تم تخفيضها لاحقا إلى 669.240,00 درهم. ونفس الملاحظة تنطبق على الضمان المؤقت الذي كان من المفترض تعديله بما يتناسب مع الحجم الجديد للأشغال”.
وأردف المصدر أن “نفس الملاحظة تنطبق على طلب العروض رقم 01/2019/APDS/INDH، حيث إن الكلفة التقديرية المعلنة في الجرائد كانت 1.187.520,00 درهم، بينما الكلفة الموجودة في وثائق مكتب الدراسات (M.E.C.T) كانت 1.305.600,00 درهم”.
ورصد التقرير عدة تجاوزات واختلالات في مقدمتها: “عدم تحديد عدد ومواقع الملاعب التي سيتم تهيئتها ضمن إعلان طلب العروض رقم 01/2019/APDS/INDH، وغياب محضري فتح الأظرفة المتعلقين بطلبَي العروض رقم 01/2019/APDS/INDH و02/2019/APDS/INDH، والتي لم تشهد مشاركة أي متنافس حسب ما صرح به نائب رئيس جمعية APDS وكاتبها العام.
وذكر التقرير أن لجوء الجمعية إلى طلبَي عروض محدودين بعدما لم تُسفر طلبات العروض المفتوحة الأولى عن أي منافس. وتجدر الإشارة إلى أن مجرد إعلان جلسات فتح الأظرفة غير مثمرة لا يخول للجمعية المذكورة حق اللجوء إلى هذه الطريقة من التعاقد، طبقًا لمقتضيات المادة 42 من مرسوم الصفقات العمومية، التي تنص على ضرورة إعادة إطلاق طلبات العروض مرة ثانية في هذه الحالة.
وأظهر التقرير أيضا أن تفويض إنجاز مثل هذه المشاريع لجمعيات لا تتوفر على بنية تنظيمية أو كفاءة تقنية أو موارد بشرية كافية يحرمها من استعمال وسائل الإعلان المنصوص عليها في القوانين الجاري بها العمل، مثل إلزامية نشر البرنامج التوقعي لصفقاتها السنوية والإعلان عن طلبات العروض ذات الصلة في البوابة الوطنية للصفقات العمومية.
وحسب المصدر ذاته، صياغة محضري تقييم العروض بشكل لا يتماشى مع مقتضيات المادة 43 من مرسوم الصفقات العمومية، حيث لوحظ غياب معلومات من قبيل الكلفة التقديرية لصاحب المشروع، ومراحل تقييم العروض (الملفات الإدارية، الملفات التقنية، مبالغ العروض المالية بعد التحقق منها، وتبريراتها إن وجدت).
تشير وثائق ومعطيات تقنية إلى استشارة متكررة لنفس الشركات في إطار صفقات عمومية مرتبطة بأشغال التكسية بالراتنج، رغم غياب مراجع تقنية لها تتوافق مع طبيعة هذه الأشغال.
ويتعلق الأمر بشركات التي تم اللجوء إليها دون أن تتوفر على مراجع تقنية تماثل طبيعة الأشغال المقررة من طرف برنامج P’APDS. فالشهادات المرجعية التي قدمتها هذه الشركات تتعلق بأشغال لا تمت بصلة للتكسية بالراتنج، بل تخص مجالات مثل تهيئة التجزئات، بناء المباني، تبليط الأرضيات، وتهيئة المسالك.
وشددت المفتشية على أن شركة وحيدة هي التي قدمت شهادة مرجعية ذات صلة بالملاعب الرياضية والتي سبق لها تنفيذ أشغال تهيئة ملعب رياضي لفائدة جماعة الجديدة، بكلفة بلغت 1.492.417,09 درهم، إلا أن الأشغال المنجزة لم تشمل التكسية بالراتنج.
أما الشركة التي تم إعلانها فائزة في الصفقتين، فقد أوردت في ملفها التقني مجموعة من الأشغال لا تدخل ضمن نطاق الأشغال المعنية.
وكشف التقرير أنه تم قبول ترشيح شركة في مرحلة فحص العروض المالية، رغم عدم مطابقة ملفها التقني لأحكام المادة 25 من مرسوم الصفقات العمومية.وسجل التقرير أنه شابت ملفات شركات أخرى نفس الخروقات، من خلال تقديم شهادات مراجع لا تتضمن سنة إنجاز الأشغال أو تقييم صاحب المشروع، مما يمس بجدية الوثائق المقدمة.
وتؤكد مصادر من لجنة التتبع أن الأشغال المرتبطة بتكسية الملاعب بالراتنج، المصنفة ضمن التأهيلات الخاصة، تستوجب تدخل شركات مؤهلة، وهو ما لم يتوفر في الشركة المذكورة، الأمر الذي انعكس سلبًا على جودة الأشغال التي تعرف حالياً تدهورًا ملحوظًا، إلى جانب افتقارها لشروط السلامة كالحماية من الصدمات والراحة في الاستعمال.
و أوضح التقرير أنه تم إسناد صفقتين تتعلقان بتهيئة ملعب وبناء أربعة ملاعب أخرى، لنفس الشركة، دون اللجوء إلى مقتضيات المادة 41 المتعلقة بتبرير الأسعار غير العادية، سواء المنخفضة منها أو المرتفعة. وتشير وثائق الصفقة عدد 01/APDS/INDH/2019 إلى تسجيل أسعار مبالغ فيها، وأخرى منخفضة بشكل غير مبرر.
ويشار إلى أن نفس الأسعار الوحدوية المعتمدة في الصفقتين رقم 01/2019 و02/2019 تم اعتمادها في صفقة سابقة تحت رقم 22284/19 مما يعزز فرضية نسخ نفس الإجراءات دون تكييف أو تقييم جديد. ويطرح هذا المعطى تساؤلات حول مدى مشروعية إعادة التعاقد مع نفس الشركة رغم الإخلالات المسجلة.
أما على مستوى المراقبة الميدانية، فقد سجلت المهمة المكلفة عدة ملاحظات مقلقة، أبرزها: غياب الصيانة والحراسة في بعض الملاعب (حالة الغزوة والمويليحة)، بسبب عجز الجمعية المشرفة عن أداء رواتب الحراس منذ أكتوبر 2022، وافتقار التكسية السطحية للخصائص المقاومة للانزلاق، خصوصًا في الظروف الرطبة، مما أدى إلى وقوع حوادث، حسب تصريحات المستفيدين ومؤطريهم.
وسجلت أيضا غياب اختبارات تقنية أساسية، إذ أن المحاضر المتوفرة اقتصرت فقط على اختبارات دمك الأرضية ومقاومة الخرسانة بعد 7 أيام، دون وجود اختبارات تؤكد جودة الراتنج المستعمل.
المصدر: العمق المغربي