حين يصمت العالم تتكلم القلوب وحين تُغلق الحدود تُفتح دروب الضمير، أرواح تتجه إلى هناك، حيث الجرح النازف في خاصرة الأمة العربية والإسلامية، حيث فلسطين تحصي شهداءها.

آلاف الشباب من أكثر من 50 دولة قرروا المشاركة في مسيرة الأحرار العالمية لكسر الحصار اللاإنساني على غزة، رافعين أعلام القضية وقلوبهم مشتعلة بالغضب في مسيرة لا تحمل السلاح، بل تلوح بلواء الكرامة متجهين نحو معبر رفح.

آلاف المغاربة من ربوع المملكة لبوا النداء وعزموا على أن يكونوا جزءا من الحشد العالمي نحو أرض العزة. شباب وشابات، أمهات وآباء يحملون في شرايينهم روح التضامن مع إخوانهم في فلسطين المحتلة، لم يمنعهم قرار السلطات المصرية الرافض لتنظيم المسيرة على ترابها والذي لم يكن معلنا في البداية من المشاركة في مسيرة الأحرار العالمية.

ورغم تعقيدات السفر إلى مصر فإن هؤلاء المغاربة قرروا ايجاد طريقا لهم إلى أرض الكنانة بشتى الطرق. لينضموا إلى “المسيرة العالمية نحو غزة” والتي كان من المقرر انطلاقها من القاهرة في 13 يونيو 2025.

صدمة الترحيل

لم تكن “الرحلة الإنسانية” بالنسبة للمغاربة سهلة، فما إن وطأت أقدام بعض من تحدوا العراقيل مطار القاهرة حتى اصطدموا بقرار المنع والترحيل إلى بلادهم.

بدأت عملية الترحيل قبل يومين من موعد انطلاق المسيرة، لتُتبع ببلاغ متأخر صادر عن وزارة الخارجية المصرية يُعلن ضمنيًا منع تنظيم المسيرة على التراب المصري، بدعوى عدم الحصول على ترخيص رسمي، رغم أن المنظمين إلى جانب عدد من النشطاء من مختلف أنحاء العالم تواصلوا في وقت سابق مع السلطات المصرية سعيا للحصول على موافقة رسمية، لكنهم لم يتلقوا سوى الصمت جوابا.

بنبرة يملؤها الأسى تحكي الطبيبة المغربية شيماء تفاصيل لحظات الترحيل قائلة: “بمجرد وصولنا إلى المطار والكشف عن هويتنا المغربية تم اقتيادنا إلى غرف تحقيق فردية، حيث تم استنطاقنا لساعات حول سبب قدومنا، قبل أن يُعجّلوا بترحيلنا إلى المغرب بسرعة فائقة”.

أما يونس (اسم مستعار)، الشاب المغربي وأحد منسقي المسيرة العالمية، والذي كان صلة الوصل بين المنظمين الدوليين والمشاركين المغاربة، أفاد لجريدة “العمق” أنه تمكن من تجاوز شرطة الجوازات متخفيا في هيئة سائح، رفقة عدد من رفاقه، بعد صعوبة بالغة. غير أنه وفور خروجه من مطار القاهرة، أعلن عن ترحيل أكثر من 70 في المئة من المنسقين المغاربة الذين كانوا معه على نفس الرحلة.

من بين هؤلاء صامد، أحد المنسقين المغاربة الذين تم ترحيلهم فور وصولهم إلى مصر رفقة 11 مشاركا آخر، قال في تصريح لجريدة “العمق”: “تعرضنا لمعاملة سيئة من قبل الشرطة المصرية في المطار، حيث تم توقيفنا لساعات طويلة، وكان محور التحقيق يدور بشكل متكرر حول المسيرة وموعد انطلاقها”.

وأضاف “استنكرنا بشدة الأسلوب الذي تم التعامل به معنا، لكن الرد كان صارما إذ هددنا بالاحتجاز في غرف معزولة لفترة طويلة إن لم نرضخ لأمر الترحيل الفوري، فلم يكن أمامنا سوى القبول بالعودة.”

قصص تحد ملهمة تجسد روح التضامن العميقة التي يحملها المغاربة تجاه أشقائهم الفلسطينيين، ولعل من أكثرها إثارة ما حدث مع عباس القادم من مدينة الدار البيضاء.

آمن عادل(اسم مستعار)، الشاب المغربي العامل في مجال التدريب، بأن نداء الإنسانية يتجاوز كل الحدود. لم يثنه خبر ترحيل مغاربة قبل يومين من موعد انطلاق المسيرة العالمية نحو غزة عن خوض رحلة التحدي نحو القاهرة.

يقول عادل، في حوار مطول مع جريدة “العمق” بنبرة حازمة”كنت مدركا تماما أن استقبالنا في مصر قد لا يكون مرحبا به، وأن احتمال ترحيلي من المطار فور الوصول كان قائما بقوة”.

لم يُثنِ هذا الإدراك عزيمته بل دفعه هو ومن كان يرافقه في الرحلة إلى التفكير في خطة بديلة لتفادي الوقوع في قبضة الأمن مبكرا، يقول عباس “قررنا ألا نظهر كمجموعة واحدة وحذفنا من هواتفنا كل التطبيقات والمحادثات التي قد تشير إلى المسيرة. دخل كل واحد منا من بوابة مختلفة في المطار، لكننا صُدمنا بتعامل متشدد مع كل من يحمل جواز سفر مغربي أو تونسي أو جزائري”.

يسترسل عادل بأسى “تم استنطاقنا واحدا تلو الآخر بأسلوب فيه تهكم كبير، كما صودرت هواتفنا وجرى تفتيشها بدقة بحثا عن أي إشارات تتعلق بالمسيرة، يضيف” ورغم حذفنا لكل شيء، لم أتوقع أن مجرد بحثهم عن عبارة ‘march to Gaza’ سيعيد أرشيف محادثات قديمة. كما عثروا في هواتف بعض رفاقي على ما يكشف نيتنا الواضحة.”

يتابع حكيه بدهشة “ورغم معرفتهم بنيتنا في المشاركة في “مسيرة الأحرار” سمحوا لنا بالدخول ومواصلة الرحلة داخل مصر، ولا أعرف إن كان الأمر مقصودا أو جزءا من سياسة مرنة ظاهريا، الله وحده يعلم.”

أكمل عادل مغامرته المجهولة المصير محمّلاً بالأمل والخوف معا، واستقر رفقة رفاقه في فندق قريب من نقطة انطلاق المسيرة العالمية في منطقة تسمى “الدقي” في انتظار اليوم الموعود.

طريق الإسماعيلية المحفوفة بالحواجز

رغم الجهود الميدانية التي بذلها المنظمون الدوليون على التراب المصري، ومحاولاتهم الحثيثة للتفاوض مع السلطات، جاء القرار الرسمي حاسما ومنعو منعا كليا انطلاق المسيرة من القاهرة.

هذا المنع بعثر أوراق المنظمين وغير مسار المسيرة التي كان من المقرر أن تنطلق من العاصمة نحو مدينة الإسماعيلية.

هناك، تشتّت الحلم بين من استطاع التسلل خلسة إلى نقطة التجمع ومن تم اعتراض طريقه عند الحواجز الأمنية المنتشرة بكثافة.

طريق الإسماعيلية تحولت إلى ما يشبه الطريق إلى المجهول، نقاط تفتيش صارمة، وتشديد على غير المصريين عبور الضفة الأخرى. ومع مرور الساعات بدأت وفود المسيرة تتكدس في نقاط متفرقة حيث تم التوقيف، تجمعات تضم شعوبا وديانات وثقافات مختلفة، جمعهم قلب واحد ينبض بالتضامن مع فلسطين، وأعلام ترتفع وشعارات تهتف بنصرة غزة.

ينقل لنا عادل، الشاب المغربي الذي نجا من الترحيل في مطار القاهرة، فصولا جديدة من رحلته الاستثنائية نحو التضامن مع غزة، فبعد تغيير نقطة التجمع وتاريخ انطلاق المسيرة. يقول في حديثه لجريدة “العمق” “كان علينا الامتثال للقرار الجديد والتوجه نحو الإسماعيلية، استعنا بتطبيق ‘إن درايف’ لكن رحلتنا لم تكن سهلة، فقد واجهتنا عدة نقاط تفتيش أمنية قبل أن يوقفنا حاجز أمني كبير، صادروا جوازات سفرنا وكان شرطهم لإعادتها إلينا هو العودة الفورية إلى القاهرة، الأمر الذي رفضناه أنا والمجموعة التي كانت معي”.

بعينين يملؤهما الإصرار والأمل، يتابع عادل حديثة “رغم كل المنع والتضييق وجدنا مشهدا مهيبا، مئات من المتضامنين من شتى الجنسيات والديانات والثقافات، يهتفون بفلسطين. كان مشهدا يثلج الصدر وشعرت أننا لسنا وحدنا”.

ويضيف”بدأنا في رفع الشعارات وعرقلة الطريقما دفع الشرطة المصرية إلى إعادة جوازات سفرنا فورا مقابل فك التظاهر وفتح الطريق”.

يحكي عادل موقفا طريفا وسط التوتر قائلا: “وقف شرطي فوق إحدى السيارات وأخذ ينادي على أصحاب الجوازات بطريقة غريبة، وهو متذمر من كثرتها وسط شمس حارقة وانتظرنا أكثر من ساعتين تحت أشعتها لنستعيد وثائقنا”.

لكن المفاجأة الكبرى كانت في في رد فعل المشاركين. يقول عادل بابتسامة تحمل عنادا مسالما “رغم حصولنا على الجوازات قررنا مواصلة التظاهر، كنا نعلم أن الشرطة كانت تراهن على أن نستسلم ونعود، لكننا خيبنا ظنهم وواصلنا الهتاف لغزة وهو ما زاد من غضبهم”.

وفي الوقت الذي كانت فيه “المجموعة الثائرة على الظلم” تواصل هتافاتها في وجه القمع متحدّية صرامة الشرطة المصرية، كان شباب آخرون لا يزالون يبحثون عن حلول بديلة ويبذلون جهودا جبارة للالتحاق بمكان التجمع رغم الحواجز الأمنية المكثفة. من بينهم المشارك هشام، مهندس مغربي من الجالية المقيمة بفرنسا، اختار طريقا شاقا وسط الأرياف للوصول إلى الإسماعيلية.

يروي هشام تفاصيل مغامرته لجريدة “العمق” قائلا “استجبنا للنداء أنا وصديقي، وحجزنا فندقا وهميا في بور سعيد ثم استأجرنا سيارة أجرة من القاهرة في اتجاه الإسماعيلية. عند أول حاجز أمني بمدخل المدينة، تم توقيفنا وسحب جوازات سفرنا، لكن بمجرد اطلاع الشرطة على حجز الفندق أعادوا إلينا الجوازات”،يضيف المتحدث “لكن الحاجز الأمني التالي كان أشد تعقيدا، فقرر سائق التاكسي إنزالنا قبل نقطة التفتيش خوفا من الملاحقة الأمنية. اضطررنا حينها إلى مواصلة السير على الأقدام وسط الأرياف تحت شمس حارقة، وقطعنا مسافة طويلة في طريق مجهول قبل أن نتمكن من دخول الإسماعيلية عبر ممر فرعي، متجاوزين نقطة الاعتصام الرئيسية”.

ويتابع هشام بحسرة “بحثنا عن مكان نضع فيه حقائبنا تفاديا لأي شكوك ثم حاولنا حجز غرفة بأحد فنادق المدينة، لكننا وجدنا صعوبة بسبب الاستنفار الأمني الكبير هناك. وعندما نجحنا أخيرا في تأمين مكان للمبيت صُدمنا بخبر فض الاعتصام بالقوة. شعرنا آنذاك بحزن عميق، لأننا لم نتمكن من إيصال صوتنا، ولا من الالتحاق بالتجمع، رغم كل الجهد والتحديات التي تكبدناها”.

بلطجية في مواجهة الاعتصام

تحول التجمع السلمي عند مدخل مدينة الإسماعيلية إلى اعتصام ليلي محاصر بقوات الجيش، ارتفعت فيه الهتافات نصرة لغزة ورفضا للعدوان “الوحشي” الإسرائيلي عليها. لكن هذا الصمود لم يدم طويلا، حيث تم فض المعتصم بالقوة، وسط فوضى عارمة واعتداءات شنها من وصفهم المعتصمون بـ”البلطجية”.

يواصل عادل، الشاب المغربي الذي كان جزءا من هذا الاعتصام حكيه عن رحلته المليئة بالتحدي والتضامن “حين رفضنا فك الاعتصام الذي كان سلميا بالكامل، تفاجأنا بحشود ضخمة من الجيش تطوّقنا من كل جانب. طُلب منا إخلاء المكان فورا، وعندما تمسكنا بموقفنا في التظاهر، أطلقوا علينا رجالايرتدون جلابيب بيضاء ويحملون هراوات وانهالوا علينا بالضرب”.

يضيف عادل بأسى “حاولنا حماية النساء وأحطنا بهن كدروع بشرية، لكنهم بدأوا في السحل والضرب دون تمييز بين رجل وامرأة، في مشهد غابت عنه كل معاني الإنسانية”.

ورغم قسوة المشهد بقي عادل وفيا للميثاق الأخلاقي الذي وقعه قبل مشاركته في المسيرة والذي ينص على عدم الرد على العنف بالعنف. يقول “وسط كل هذا الضرب والصراخ تذكرت أننا تعهدنا بالالتزام بالسلمية مهما حدث. وفعلا لم نرد العنف بالعنف، كنا نعلم أن أخلاقنا هي سلاحنا في وجه هذا القمع”.

في شهادة مؤثرة تختزل معاني البطولة والإنسانية يروي عباس، الشاب المغربي لحظات عصيبة عاشها خلال فض اعتصام المتضامنين مع غزة. لم يتردد لحظة وكأي رجل حر تؤجّج غيرته على بني جلدته حين رأى “البلطجية” ينهالون على النساء بالعنف والسحل. يقول بقلب موجوع “ارتميتُ بقوة على “البلطجية” وهم يسحلون بعض الفتيات نحو الحافلة وتمكنت بالفعل من منعهم”.

لكن هذا التدخل الشجاع لم يمر دون ثمن فقد تم سحله مكانهن بعنف إلى الحافلة، وعندما أبدى مقاومة يضيف “انهالوا عليّ بالضرب على مختلف أنحاء جسدي دون رحمة”.

داخل الحافلة المكتظة كشف عباس عن مشاهد أكثر قسوة يصفها قائلاً “رأيت فتاة مغربية كنتُ أعرفها من الفندق تُعنّف وتُسحل أمام عيني دون أي شفقة. ظلوا يجلبون المعتصمين واحدًا تلو الآخر، بالسحل والضرب في مشهد لا يمتّ للإنسانية بصلة.”

وفي محاولة يائسة للنجاة، يحكي عباس أنه حاول الخروج من نافذة صغيرة بالحافلة، لكن “الأيادي الغليظة” أعادته بقوة وعنف أكبر لتلقي به في “مصفحة” صغيرة خالية من النوافذ وسط حراسة مشددة من الجيش المصري داخلها.

كان هاجس علم أسرته باعتقاله يثقل كاهله، خاصة وأنه أبقى سبب زيارته إلى مصر طي الكتمان. يروي عباس هذه اللحظة بحسرة “كنت أُخفي وجهي أثناء الضرب، وأدع أجسادهم تنهال علي رفسا ولكما حتى لا تبقى آثار العنف ظاهرة على ملامحي.

يضيف عادل أن المصفحة التي زُج فيها رغم ضيقها، امتلأت بعشرات المعتقلين وكان من بينهم مغربي فرنسي، وخمسة جزائريين وتونسي وأردني ويهودي من جنسية أجنبية، وإيطالي، وأمريكي، ويؤكد أن الجنود رفضوا منحهم حتى شربة ماء لمدة قبل أنه يزودوهم بقطرات من قنينات ملقاة أرضا في مشهد لا يقل قسوة عن الاعتداء نفسه.

وأوضح عادل أنه بالطريقة ذاتها فُضت باقي الاعتصامات وانتهى التجمع السلمي بالاسماعيلية بالقوة، لتبدأ فصول أخرى من الإعتقال التعسفي والاستنطاق.

ليلة سوداء في سجون مصر

لم تنته معاناة المتضامنين الذين صدحت حناجرهم بنصرة غزة على طريق الإسماعيلية بفض الاعتصام، بل بدأت فصول أكثر قسوة من التعذيب النفسي والتنكيل في مراكز الاحتجاز المصرية.

يقول عادل الذي عاش تلك التجربة المريرة في تصريح لجريدة “العمق”، “قبل اقتيادنا إلى السجن فوجئنا بإطلاق سراح أحد المتظاهرين لمجرّد كونه أمريكي الجنسية، فيما تعرّضنا نحن لتجريد عنيف من هواتفنا، وتم اقتيادنا نحو مؤسسة تابعة لأمن الدولة دون توضيحات”.

ويضيف “كان برفقتي شاب أردني تحدّث إليّ بحرقة عن شعوره بالإهانة بعدما تعرّض لتحرّش جنسي من طرف أحد عناصر الشرطة لإجباره على الصعود إلى الحافلة”.

ويستطرد عادل في وصف ما عاشه داخل المعتقل”احتُجزنا في غرفة ضيقة تفتقر لأدنى شروط الكرامة، بمرحاض بلا باب وفي وضعية لا إنسانية. تمت مصادرة أموالنا بالكامل، ولم يُترك لنا سوى 100 جنيه، كما حُرمنا من الطعام والماء لساعات طويلة. ولما احتجنا إلى ضروريات الحياة، اضطررنا لشراء الماء والخبز بأسعار خيالية، وسط تهديد صريح بمنع التعامل بالعملة الصعبة”.ويختم شهادته بمرارة “في النهاية استسلمت أجسادنا المنهكة من الضرب والإجهاد للنوم رغم الخوف والظروف المهينة”وكأن النوم كان مهربنا الوحيد من هذا الجحيم.

الفجر الأخير.. من الزنزانة إلى الترحيل
في ساعات الفجر الأولى، وتحديدا عند الساعة الرابعة صباحا من اليوم الموالي، داهمت قوات الأمن المصرية الزنزانة التي احتُجز فيها عباس ورفاقه، يقول عادل في شهادته لـ”العمق”، “استيقظنا على صراخ وأوامر بالوقوف، وسط ركلات وضربات مباغتة من عناصر الأمن، بعد ذلك أعادوا لنا الأموال المصادرة منا، لكننا صُدمنا بخطوة مفاجئة، قُيّدت أيدينا بالأصفاد، حينها أدركنا أننا على وشك الترحيل إلى بلداننا”.

ورغم العنف الجسدي والنفسي الذي تعرض له المتضامنون، ظل الحماس للقضية متقدًا في عروقهم، يقول عادل”بمجرد وصولنا إلى محيط المطار وعلى مقربة من مدرج الطائرات، صرخنا عاليا Free Palestine، متحدّين القمع حتى آخر لحظة”.

يتابع عادل تفاصيل الرحيل: “ركب كل واحد منا الطائرة المتجهة إلى بلده، وصعدتُ بدوري إلى الطائرة المتوجهة إلى المغرب، ولا زلت محروما من هاتفي، إذ لم يُعاد إليّ إلا بعد إقلاع الطائرة، عندما أصبحت خارج نطاق شبكة الإنترنت.”

وبعد وصوله إلى مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، أفاد عادل أنه خضع لإجراء أمني روتيني من قبل الشرطة المغربية، حيث تم استنطاقه حول تفاصيل الرحلة، يقول “كنت صريحا تماما مع الأمن المغربي، وشرحت لهم أنني سافرت للمشاركة في المسيرة العالمية نحو غزة” وبعد إنهاء التحقيق تم إخلاء سبيله ليضع بذلك نقطة النهاية في فصل حافل بالأحداث والتضحيات.

مداهمة الفنادق.. نهاية قاسية لحلم التضامن

لم تنته قصة التضامن الملهمة التي صنعها شباب مغاربة بمشاركتهم في “مسيرة الأحرار العالمية نحو غزة”، عند فضّ المعتصم بمدخل الإسماعيلية، بل زادت التجربة من حماستهم لإعادة المحاولة، منتظرين قرار المنظمين، الذين استمروا في التفاوض مع السلطات المصرية في الأيام المواليج رغم تمسك الأخيرة بقرار المنع.

تحوّلت مجموعة محادثة عبر أحد تطبيقات الهواتف الذكية إلى منبر لاستقبال صرخات المغاربة الذين تعرضوا للمعاملة القاسية من طرف الشرطة المصرية، حيث لجأ إليها العديد من المشاركين لتوثيق معاناتهم ومشاركة قصصهم عن القمع والتعنيف الذي تعرّضوا له على يد الجيش المصري ومن طرف ما وصفوهم بـ”البلطجية”.

أما من لم يُكتب له الوصول إلى نقطة الاعتصام، فقد عاش لحظات من الحزن العميق والإحساس بالذنب، رغم أن المانع كان خارجًا عن إرادته.
خالد، حسن، رانية،… أسماء تخفي وراءها أرواحا ثائرة على الصمت وعن عزيمة لا تلين في وجه قرارات المنع. أصواتا أبت أن تُقبَر تحت ركام الخوف وأصرّت على مواصلة طريق التضامن رغم كل العراقيل.

لكن في المقابل، قرر المنظمون الدوليون للمسيرة بعد فشل المفاوضات مع السلطات المصرية اعلان نهايتها رسميا، تجنّبا لمزيد من التصعيد الأمني. خبرا نزل كالصاعقة على الشباب المغربي خاصة من لم يحالفهم الحظ نيل شرف المشاركة في معتصم الاسماعيلية.

غير أن السلطات المصرية واصلت ملاحقتها للمشاركين، حيث شنت حملة مداهمات على الفنادق التي كان يقيم فيها عدد من النشطاء.

وكان من أبرز المستهدفين الدكتور المغربي الحامل للجنسية الإسبانية هشام الغاوي، وهو أحد الوجوه البارزة التي ساهمت في إطلاق فكرة “مسيرة الأحرار”، إذ تم اعتقاله لأكثر من 36 ساعة، بينما تم ترحيل زوجته على الفور إلى جنيف، قبل أن تُخلي السلطات المصرية سبيله قبل أيام فقط.

خطة “مداهمة الفنادق” التي تلت فض الاعتصام، أرغمت العديد من الشباب المغاربة على تغيير أماكن إقامتهم، أو الإسراع بمغادرة الأراضي المصرية قبل موعد رحيلهم المُخطط له، تفادياً لأي اعتقال محتمل.

مسيرة الأحرار.. امتداد لحراك عالمي متصاعد

لم تكن “مسيرة الأحرار إلى غزة” حدثًا معزولًا، بل حلقة ضمن سلسلة من المبادرات التضامنية الدولية التي يتقدمها “أسطول الحرية” مثل”سفينة مادلين”، أما “قافلة الصمود” المغاربية فكانت جزء من مسيرة الأحرار. بالمقابل أعلنت مؤسسات مجتمع مدني ماليزية عزمها تجهيز ألف سفينة إنسانية لفك الحصار على غزة.

إنه حراك عالمي متواصل، تتوالى فيه المحاولات وتختلف الواجهات، لكن الهدف يظل واحدا، تكثيف الضغط على المنتظم الدولي لكسر حاجز الصمت، ووقف الإبادة الجماعية والحصار الخانق الذي يسحق شعبا أعزلا، جائعا، لا يملك من السلاح سوى صموده الأسطوري وإيمانه العميق بحقه في الأرض”.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.