مستشفى تنغير في حاجة إلى أطر
في قلب مدينة تنغير، يقف المستشفى الإقليمي الجديد كصرح ينتظر أن يكتب فصلا جديدا في تاريخ هذا الإقليم، لكن الحكاية، التي كان يفترض أن تكون بداية مشرقة، تبدو وكأنها تتجه نحو واقع قاتم، مع تحديات كبرى تحول دون تحقيق الأمل المنتظر.
جدران المستشفى الإقليمي الجديد، التي مازالت تحتفظ برائحة الطلاء الجديد، تقف صامتة، شاهدة على انتظار طويل ومعاناة مستمرة؛ فبينما كان سكان الإقليم ينتظرون افتتاح المرفق بفارغ الصبر مازالت المشاكل المتعلقة بالموارد البشرية تلقي بظلالها. السكان، الذين كانوا يحلمون بالاستفادة من خدمات صحية متكاملة، يجبرون على التنقل إلى مدن أخرى مثل ورزازات والرشيدية لتلقي العلاج.
رغم التأكيدات المتكررة من مسؤولي وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بأن المستشفى الجديد سيفتح أبوابه قريبا إلا أن السؤال الذي يطرحه الجميع حاليا بإقليم تنغير هو “ماذا بعد الافتتاح؟”، هل سيوفر المستشفى خدمات صحية شاملة أم سيكون مجرد هيكل جميل بلا روح؟.
داخل المستشفى الجديد كل شيء يبدو جاهزا من الناحية التقنية؛ أجهزة طبية حديثة، غرف مجهزة بأحدث المعدات، وأسرة تنتظر المرضى، لكن ما ينقصه هو الأهم: الأطر الطبية، إذ إن غياب التخصصات الحيوية، مثل أطباء الإنعاش والتخدير، يجعل إجراء العمليات الجراحية أمرا مستحيلا، والوضع الحالي، حسب أحمد أيت لمان، فاعل جمعوي بتنغير، “يشبه بناء سفينة دون بحارة”.
يقول أيت لمان في تصريح لهسبريس: “المستشفى هنا، لكن العلاج ليس هنا”، مضيفا بحسرة: “حتى لو افتتح المستشفى سيبقى المرضى مضطرين للتنقل إلى مستشفيات ورزازات أو الرشيدية، لأن الأطباء المتخصصين لن يكونوا موجودين، وكأن قدرنا أن نعيش بين المرض وخطر الطرقات”.
وفي وقت ينتظر سكان إقليم تنغير افتتاح المستشفى الجديد يعاني المستشفى الإقليمي الحالي من نقص كارثي في الموارد البشرية، فعدد كبير من الأطباء والممرضين الذين كانوا يعملون به تم تنقيلهم إلى مدن أخرى من قبل المصالح المركزية للوزارة، دون مراعاة الحاجيات الملحة للإقليم. هذا التنقيل، الذي لم يعوض بأطر جديدة، جعل المستشفى الحالي شبه فارغ، حيث لا يمكن لطبيب واحد أن يتحمل عبء العمل طيلة الشهر، وفق المعلومات المتوفرة لهسبريس.
يقول إبراهيم بوراس، فاعل حقوقي من الإقليم، إن “المستشفى الحالي يعاني من نقص مهول في الأطر الطبية، فيما عدد من المرضى يجبرون على التنقل لمسافات طويلة للعلاج، وغالبا ما يتوفى البعض في الطريق”، مضيفا بصوت مرتجف: “نحن لا نطلب الكثير، فقط نريد خدمات صحية تحفظ كرامتنا”.
مصادر مطلعة أفادت بأن مسؤولي الوزارة على المستوى المركزي يقومون بنقل الأطباء والممرضين من تنغير إلى مدن كبرى دون تعويضهم بأطر جديدة، ما يزيد من تعميق الأزمة الصحية في الإقليم. هذا الوضع يجعل المستشفى الحالي غير قادر على تقديم خدمات صحية كافية، ويهدد بتحويل المستشفى الجديد إلى مجرد هيكل خال من الحياة ما لم يتم تدارك الأمر بسرعة.
يرى عدد من المهتمين بالشأن الصحي أن المستشفى الجديد يجب أن يتوفر على جميع التخصصات الطبية قبل افتتاحه، بما يشمل أطباء الإنعاش والتخدير، والجراحة، وطب الأطفال، والقلب، والنساء والتوليد؛ فبدون هذه التخصصات سيبقى غير قادر على تلبية احتياجات الإقليم الصحية، وسيتحول إلى محطة عبور جديدة في رحلة معاناة المرضى.
يقول سعيد أوهروش، فاعل جمعوي بدائرة ألنيف: “نحن بحاجة إلى مستشفى متكامل. من غير المقبول افتتاح مستشفى دون أن يكون مجهزا بالأطر الطبية الضرورية”، وزاد: “إذا كانت الوزارة غير قادرة على توفير الأطباء فلماذا لا يتم فتح المجال للاستثمار الخاص؟ نحن مستعدون لدفع التكاليف إذا كان ذلك سيجنبنا مخاطر التنقل إلى مدن أخرى”.
من جانبها صرحت مصادر مسؤولة بوزارة الصحة بأن الأخيرة تعمل على معالجة الإشكالات المرتبطة بغياب الأطباء في المناطق النائية، موضحة أن الجهود الحالية تشمل تقديم حوافز مادية ومعنوية لتحفيز الأطر الطبية على العمل في هذه المناطق، بالإضافة إلى تحسين ظروف العمل والتعويضات.
وأكدت المصادر ذاتها أن الوزارة تدرك الاحتياجات الملحة للإقليم، وتسعى إلى تعزيز توزيع عادل للموارد البشرية الطبية بين جميع جهات المملكة، مع التأكيد على أن هناك خططا إستراتيجية قيد التنفيذ لتجاوز هذه الإشكالات في أقرب وقت ممكن.
ورغم هذه التصريحات يرى عدد من المهتمين بالقطاع الصحي بإقليم تنغير أن هذه الوعود مازالت بعيدة عن الواقع، معتبرين تصريحات المصادر المذكورة كلمات كبيرة تطلقها الوزارة لكنها لن تغير شيئا من المعاناة اليومية التي يعيشها المرضى، بالنسبة لهم، “فالوعود أصبحت جزءا من مشهد مألوف، والأفعال الصغيرة لا تكفي لتخفيف الألم”.
المصدر: هسبريس