أكد إدريس لشكر، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن المغرب يمتاز بخاصية فريدة في العالم، تتمثل في أن الملكية “نظام مواكب لعصره وقريب من هموم الحاضر ومستشرف لتطورات المستقبل”.
وأوضح لشكر، في كلمة ألقاها مساء الجمعة بالجلسة الافتتاحية للمؤتمر الوطني الثاني عشر، أن دستور 2011 أضفى صفة جديدة على مؤسسة الملك “معتبرا إياها السلطة الفصل التي يلجأ إليها المغاربة لتصويب مسار السياسة التنفيذية”.
أضاف الكاتب الأول لحزب “الوردة” مقطرا الشمع على المسؤولين الحكوميين: “أمام هذا الوضع، أصبح بعضهم يختبئ وراء المؤسسة الملكية بهدف التصدي للأصوات المخالفة أو المنتقدة وتهميش المعارضة المؤسسية. وهذا الأمر عائق خطير للسير الطبيعي والناجع لدواليب الدولة.
وتابع المتحدث نفسه أن الملك “لم يعبر يوما في سلوكه ولا خطاباته عن نية الانفراد بالسلطة أو تهميش المؤسسات والفاعلين السياسيين؛ بل على العكس، لا يتغاضى عن الممارسات المخلة بالصالح العام. وكم من مرة دق ناقوس الخطر، ونبه إلى الانزلاقات وأطلق الأوراش البنيوية وفتح آفاقا مشرقة داخليا وخارجيا. لذلك، لا يمكن لعاقل أن يعتبر أن هناك من يضع الملك والملكية في الميزان. وحين نتوجه إليه بمطالب الإصلاح فإن الهدف الأول والأخير هو منح الدولة فعالية أكثر وتناسقا أوسع مع تطلعات المجتمع”.
وعبّر زعيم الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في معرض كلمته، عن استغرابه من خضوع المؤسسات المنتخبة من طرف الناخبين للمراقبة، في الوقت الذي لا تخضع فيه مؤسسات أخرى لأية مراقبة على الرغم من الصلاحيات الاستراتيجية الممنوحة لها.
في هذا الصدد، أشار لشكر إلى أن “مؤسسات الحكامة، على سبيل المثال، حدد لها المشرع إطارا واضحا يَفترض أنها مؤسسات تداولية واستشارية ليس إلا، وأن التشريع والتنفيذ يعود إلى المؤسسة البرلمانية والحكومة؛ لكن وبعد مرور أكثر من عقد على ممارسة هذه المجالس لمهامها يبدو من الضروري أن نقوم بتقييم أدائها، خاصة من وجهة التناسق المؤسسي العام حتى نتجنب أي اختلال في تناسق الخطط الاستراتيجية وحتى لا تكتسح هذه المؤسسات مجالات التخطيط والتدبير المنوط بالحكومة أو أن نسقط في هندسة ازدواجية أو تهريب القرار إلى دوائر غير خاضعة للمساءلة”.
وأردف بالقول: “صحيح أن هذه المؤسسات تشكل ممرا لإشراك فاعلين وخبراء وأخصائيين؛ لكن المطلوب أن تجد مقترحاتها الطريق إلى المؤسسات المنتخبة والتنفيذية كلما تعلق الأمر بالتنبيه والنصيحة والاقتراح البناء”.
وعاد لشكر إلى الحديث عن الدور المحوري الذي تلعبه الدولة باعتبارها فاعلا مركزيا، سواء من حيث التخطيط أو التنفيذ أو قيادة الرؤية؛ غير أنه بالرغم من تحقيق نتائج على مستوى البنيات التحتية والصناعات الصاعدة “مع ذلك، الفوارق لا تزال فاحشة، وثقة المجتمع في تراجع مستمر”، لافتا إلى أن “الإدارة تحولت إلى آلة تُغذّي مؤشرات الأداء لصندوق النقد، لا لحاجيات المواطنين. التنمية صارت أرقاما وحسابات، لا مشروعا تحرريا يُنقذ المواطن”.
ودعا المتحدث نفسه، في هذا الصدد، إلى “اتخاذ خطوات جريئة نحو مستقبل أكثر استدامة. لا يمكننا الانتظار أكثر؛ يجب أن نبدأ الآن في بناء اقتصاد قوي يضمن إدماج كل الفئات ويعيد الأمل في الازدهار للأجيال المقبلة”.
وسجل الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أمام أعضاء الحكومة وممثلي أحزاب المعارضة وباقي ضيوف المؤتمر الثاني عشر لحزب “الوردة” أنه “لا مفر من إصلاح جذري للسياسات العمومية، حيث يجب إدماج المواطن في التشخيص وفي التنفيذ وفي التقييم. لا يكفي الاستماع إليه في الحملات، ثم تجاهله عند اتخاذ القرار؛ فالديمقراطية الاجتماعية تبدأ من الميدان”، مضيفا: “لقد آن الأوان للانتقال من دولة مسعفة إلى دولة محفّزة، تضمن تكافؤ الفرص في الوصول إلى المعرفة، والبنية الرقمية، والدعم المؤسساتي. تفسح المجال للمبادرات، تشجع التجريب، وتراهن على الذكاء الجماعي. كما تتحرر من الوصاية التقنية للممولين الدوليين، وتستعيد سيادتها في تحديد أولوياتها الاجتماعية.
وأوضح إدريس لشكر، وهو يوجه رسائله إلى الحاضرين، أن الميثاق الاجتماعي الجديد “يجب أن يقوم على أساس الحقوق، لا على هواجس الاستهداف والتصنيف. والدولة الاجتماعية التي نطمح إليها ليست أداة لتعويض الفقر، بل لبناء شروط التحرر منه. إنها دولة استباقية، لا تُرقع، بل تُؤسس”.
المصدر: هسبريس