قال الناقد والإعلامي المغربي بلال مرميد إن عودته إلى الكتابة بعد فترة توقف تشبه عودة لاعب كرة من إصابة طويلة، مؤكدا أن قلمه لا يُستبدل وأن الساحة الثقافية تحتاج إلى منافسة حقيقية لرفع الإيقاع وخدمة الفن والإعلام في المغرب.
وأضاف مرميد، في مقاله الافتتاحي لموسم 2025، أنه استلهم من تجربة الممثل آدم ساندلر فكرة العودة بدافع الملل والرغبة في المنافسة، مبرزا أن توقفه سمح له بمراجعة أسلوبه وتوسيع مداركه والاقتناع بضرورة دعم الشباب المغربي لما يملكه من كفاءة وقدرة على البناء المتين.
كما استحضر تجارب سينمائية عالمية مثل أفلام لارس فون ترير وما تحمله من تشاؤم يتوارى خلفه بصيص أمل، مشيرا إلى أن هذه الرسالة تقترب من وصية والده التي تلخص معنى الاستمرار، معلنا من خلال الركن الأول من موسمه الجديد عن مرحلة مقبلة أكثر جرأة وعمقا، يواصل فيها معاركه النقدية بروح جديدة وإيمان بأن القادم أفضل.
وهذا نص المقال:
كما جرت العادة..
لمدة عام كامل، كان الجسد يقول فكرة، في الوقت الذي كان فيه العقل ينتج أفكارا تعد ولا تُحصى. أكتب اليوم، وقد أتوقف غدا؛ لكني سأكتب بعد غد، هنا أو في أمكنة أخرى عديدة.
أهلا بكم في أول أركان الموسم، ومواضيع كثيرة تتسابق أمام قلمي، وسأمنحها ما تستحقه من مداد في الأيام المقبلة. من الحملة الشنيعة والممنهجة التي يتعرض لها الفنان الجزائري محمد خساني بسبب رقصه في كليب فيديو للمغربي دراغانوف، مرورا عبر مهرجان البندقية وعرض فيلم L’Étranger لفرانسوا أوزون، إلى الإدارة الجديدة للمركز السينمائي المغربي، وغيرها من مواضيع. أعود من الاثنين إلى الجمعة، بالأسلوب نفسه الذي لا يملكه آخرون، ولا أملك غيره.
لأنه الركن الأول في الموسم، من اللازم أن أمنح نفسي هامشا للكلام؛ لأن الأمر يتعلق بعودة إلى الميادين بعد فترة غياب.. مثل نجم الكرة الذي غيّبه الرباط الصليبي لمدة غير قصيرة.. حين يعود، تلزمه فترة للتأقلم ليسترجع مستواه. هو يعلم بأنه من أوائل القسم في تخصصه حتى وإن توقف، وهو يعلم بأن الآخرين على يقين بأحقيته في حمل شارة العمادة، وهو يعلم بأن الأساسي أساسي، والبديل لن يكون سوى بديل، لأن الأداء يختلف. أعرف كل هذه التفاصيل، وأعرف أن الانتظار وإن طال فهو لن يثبت سوى شيء واحد.
قلمي لا يُستبدل، وهو أمر أذكّر به نفسي قبل البقية. هل هناك مجال لتطوير الاشتغال على الشأن الثقافي في البلد على المستوى الإعلامي؟ بدون ارتياب نعم، وفي فترة التوقف تابعتُ وعاينتُ وحللتُ وناقشتُ ووصلتُ إلى خلاصة وحيدة مفادها بأن ما ينقص هو المنافسة لرفع الإيقاع أكثر، خدمة للقطاع في بلدي الذي أحبه حد الجنون.
منذ أيام، سُئل النجم آدم ساندلر في البندقية عن سبب توقفه عن التمثيل، قبل العودة والمشاركة في فيلم Jay Kelly لنواه بومباك. لم يتردد كثيرا، وأجاب بأن التوقف سببه الملل، وقلة الاقتراحات المثيرة. أما العودة فترجع إلى تلك الرغبة الكبيرة في رفع سقف المنافسة الشريفة، في مهنة فقدت كثيرا من هيبتها. جواب يمثلني، حتى وإن كنا لا نتوفر على الرصيد البنكي نفسه ولا على المهنة عينها ولا الموهبة ذاتها، ولا حتى الحظ في العلاقات الإنسانية.
فترة التوقف لها ما لها من مساوئ، ولها ما لها من محاسن؛ وفي مقدمتها مراجعة كثير من أمور، من ضمنها ضرورة الابتعاد ما أمكن عن التناول المتشنج أحيانا، والذي كان الهدف منه في فترة ما هدم كثير من أصنام. هو ما تم بنجاح، أما الهدف اللاحق فهو دعم الشباب؛ لأن شباب المغرب له ما يكفي من كفاءة في المجال الفني ليكون البناء الجديد متينا وسليما وخلاقا. فترة التوقف منحتني أيضا فرصة لتعميق معارفي، وتوسيع مداركي في مجال يحتاج الاجتهاد الدائم. أتذكر نهايات أفلام لارس فون ترير، وفي وسط كل ذلك الكم من تشاؤم تحمله أعماله، هناك تحفيز ضمني للمشاهد لكي لا يندم، لأن القادم لا يمكنه أن يحمل إلا الأفضل.
قبل أن أنهي الركن الأول في هذا الموسم الجديد من مسار طويل، أتذكر عبث المخرج العظيم لارس فون ترير، وأتذكر معه رصانة الوالد الذي علمني كل شيء. الرسالة التي تصلني من نهايات أفلام المخرج لارس فون ترير تقترب في معناها الشمولي من تلك الجملة التي كانت تصلني كل صباح من والدي شافاه الله، مثلما وصلت إلى مئات ممن تتلمذوا على يديه: “في كل مرة، من اللازم أن تبحث عن الأمل وسط ركام الإحباط”. كما جرت العادة، سأبحث ولو مؤقتا عن شيء من هذا الأمل وسط الركام، والسلام.
أول ركن لبلال مرميد في موسم 2025
ميدي1
المصدر: هسبريس