اخبار المغرب

مرميد يترنم بموسيقى الصويرة وينتقد “زحمة المهرجانات” في نفس الموعد

في كل المهرجانات الكبيرة التي تحضرها خارج البلد تعثر في الغد على المدعوين من أهل الفن والسياسة والاقتصاد وقد كتبوا سطوراً يُفضون من خلالها برأيهم بكامل الوضوح وبدون عقد، وعندنا يحضر مئات من مدعوين في كل المهرجانات وفي أحسن الأحوال تعثر على صورهم في “إنستغرام”.

بعض من مثقفينا وسياسيينا وفنانينا ينالون الدعوات، ويحضرون، ليزاحموا مؤثري ومؤثرات الشبكات الاجتماعية. يعسر علي حقاً أن أتخيل شخصاً قطع مئات الكيلومترات ليصل إلى أرض الصويرة دون أن يكتب نصّاً أو فقرةً، أو على الأقل سطراً أو اثنين نميزه بهما عن الكائنات الإنستغرامية التي نغرقها يومياً بالانتقاد والاستصغار والاحتقار.

مثل كل تلك المساءات الجميلة التي تعيد فيها منح حواسك فرصة إعادة اكتشاف الصويرة، بعد سنوات طويلة من غياب..

في الصويرة، ضيوف تسعفهم الموسيقى، وضيوف تسعفهم أشياء أخرى، فيما تسعفني فيها شخصياً العبارة. في الصويرة، أكتب في كل مكان أعبر منه. حتى حين أحضر حفلا أكتب بعيني، وأشاهد بقلبي، وأتصالح مع قلمي، وأعطف على سطور كل الآخرين التي لا تكتب، وأبتسم حين أرى الشباب يرقص، وأغضب من مسؤولين يفتعلون الرقص، ويبقون حبيسي لغتهم الخشبية رغم نزعهم ربطات العنق. هو سحر المكان، وفي هذا المكان عبرت من منصة مولاي الحسن، ومن فضاء برج باب مراكش لأتابع فهد بنشمسي يمتع بحفله ويستمتع.

مررت من بيت الذاكرة، ومن دار الصويري، ومن منصة الشاطئ التي لم تتسع جنباتها لاستقبال كل الراغبين في متابعة حفل كناوة ديفيزيون الذي كان أكثر إقناعاً من البقية. غناوة ديفيزيون بقيادة أمازيغ كاتب الذي يغني بقلبه، ويقنع بمزجه، وينطلق ليفضي مرة أخرى بحبه كجزائري للمغرب ولكرم المغرب ولأهل المغرب، وليذكر الخلق بأنه لم يستنشق يوماً غاز بلاده، في إشارة إلى أن الرجل كان وسيبقى دوماً وفياً لمبادئه. كناوة ديفيزيون في الصويرة، وأمازيغ كاتب اختار بعناية المقاطع التي شارك في أدائها مع عشرات الآلاف من حاضرين يحفظون أغانيه. في كل مرة كان ضيف الصويرة يمرر رسائله، يلتفت ليقتسم ابتسامته الساخرة مع Pti Moh الذي روض آلة الموندول كعادته فوق منصة مهرجان ينظمه بلد ألف إكرام وفادة ضيوفه.

كل عقلاء الجيران يعشقون المغرب، ويحترمون المغرب، ولا يفوتون الفرصة للتعبير عن هذا الحب. قدر أمازيغ كاتب وقدر كثير من فنانين جزائريين من أمثاله أن يختاروا السخرية حين يتذكرون المآسي التي يرتكبها مسؤولون صغار، يضعون لبعضهم البعض رتب الكبار هناك عند الجيران. قدر أمازيغ كاتب أن يجد في المغرب تلك الأرض التي تمنحه الفرصة في شمال إفريقيا ليغني بحرية أمام عشرات الآلاف..

بحرية غنى يا لايمي، وبحرية غني دوغا دوغا، وبحرية عبر نحو تيمبوكتو، وبحرية تواصل مع الجمهور، لأن المغرب بلد يترك للضيوف الذين يحترمونه ويحترمون تاريخه وهيبته الحرية الكاملة لكي يعيشوا لقاءات لا تنسى، مع جمهور لا ينسى، وفي مدينة لا تنسى هي الصويرة. على خلاف كثيرين، أسعفتني العبارة مساء أول أمس خلال اللقاء مع أمازيغ كاتب لأخبره بكل هذا الكلام.

في التوقيت نفسه كانت هناك حفلات تحتفي أكثر بالمعلم الكناوي، لكني اخترت حفل كناوة ديفيزيون لأنه الحفل الذي كان يحمل بالنسبة لي دلالات كثيرة. يفيق أمازيغ كاتب قال كلمته وغنى ثم غادر، والصويرة احتضنت من جديد مئات الآلاف من الضيوف، وبدأت منذ يوم أمس استعادة هدوئها… الصخب يليق بها، تماما مثلما يليق بها سكونها المعتاد.

في الصويرة، يسَّر المنظمون لقاء عابراً مع أمازيغ كاتب بعد نهاية حفله الذي امتد على مساحة زمنية تناهز الساعتين؛ وجهت له الدعوة ليحضر في مواجهة “إف ب إم” لأنه يستحق، ولأنه جعل الناس ينسون غياب كي ماني مارلي لأسباب لم أمنح نفسي الوقت للبحث فيها وعنها. هناك أمر يهمني أكثر، وأود أن أطرح بخصوصه سؤالاً وحيداً: نصوم كثيراً عن تنظيم المواعيد الفنية والثقافية وحين نفطر ننظم مهرجانات كثيرة في التوقيت نفسه.

ما الحكمة من هذه الزحمة ما دمنا نتوفر على عشرات الأسابيع في السنة؟ حقا لا أعرف.

عبرت من الصويرة، ولها خصصت ركناً يليق بها وبمهرجانها، في انتظار ركن آخر يخص مهرجان مراكش للفنون الشعبية. نعم سأكتب، لأني لا أتقن أي شيء أكثر من الكتابة، وهو ما يسعد كثيرين ويقلق قليلين. سعيد بالفئة الأولى، وسعيد بالخصوص بالفئة الثانية، والسلام.

  • مسؤول القسم الثقافي بميدي1 وميدي1تيفي

المصدر: هسبريس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *