دعت رئاسة النيابة العامة، في دليل استرشادي موجَّه إلى قضاة النيابة العامة بشأن تنفيذ العقوبات البديلة، إلى ضرورة مراعاة الوضعية الاجتماعية والصحية والمهنية للمتهم قبل تقديم أي مقترح لاستبدال العقوبة السالبة للحرية بعقوبة بديلة.

كما أوصت، في الدليل نفسه، بضرورة “الإسراع والتعجيل بتجهيز الملفات المطعون فيها”، موضحة أن تحقيق الغاية المرجوة من القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، والمتمثلة أساساً في تعويض العقوبات السالبة للحرية بعقوبات بديلة، يقتضي التنفيذ السريع للأحكام أو القرارات الصادرة، خصوصاً في قضايا المعتقلين، بما يتيح الإفراج عنهم في أقرب الآجال.

توجيهات واضحة

وجاء في الدليل، الذي اطلعت عليه جريدة هسبريس، أن “الطعن في المقرر القاضي بالعقوبة البديلة من طرف النيابة العامة يترتب عنه الإبقاء على الشخص المحكوم عليه رهن الاعتقال إلى حين البت في القضية من طرف المحكمة المطعون لديها”؛ وهو “ما يفرض على النيابات العامة المبادرة إلى اتخاذ التدابير الكفيلة بتجهيز الملفات المطعون فيها، وإحالتها على محكمة الطعن داخل آجال معقولة”.

وسعيا إلى تحقيق هذا الهدف، أشار الدليل إلى أنه “يجب على النيابات العامة عند الطعن في الحكم أو القرار القاضي بعقوبة بديلة التقيد بالعمل على تتبع الحكم القاضي بالعقوبة البديلة المطعون فيه بالاستئناف، والتنسيق مع رؤساء المحاكم الابتدائية من أجل تجهيزه داخل أجل معقول”، مؤكدا “الحرص على إعداد التقارير الاستئنافية أو مذكرات الطعن بالنقض داخل أقصر الآجال وبمجرد التوصل بالملف”.

كما تتضمن التوجيهات ضرورة “جرد وتجهيز ملفات الطعن، وإحالتها على الجهة المطعون لديها في أقرب الآجال الممكنة، على اعتبار أن أي تأخر في هذا الشأن سيؤثر على وضعية المحكوم عليه”. وأشار الدليل إلى أنه “في حالة صدور قرار استئنافي يقضي بعقوبة بديلة، يتعين إذا ما وافقت النيابة العامة عليه وعدم طعنها بالنقض التعجيل بإحالة هذا القرار، رفقة شهادة بعدم الطعن بالنقض وبالموافقة الصادرة عنها في شكل ملتمس مكتوب، على وكيل الملك المختص قصد تجهيز الملف وإحالته على قاضي تطبيق العقوبات لإصدار مقرره التنفيذي”.

آلية الاقتراح

وبما أن النيابة العامة تعتبر، وفق الوثيقة ذاتها، “سلطة اقتراحية للعقوبة البديلة، إذ خولها القانون أن تلتمس تلقائيا تطبيق هذه العقوبة، سواء في مرحلة المحاكمة، إذ يمكن لقاضي النيابة العامة أثناء مناقشة القضية أن يلتمس الحكم بها، فإن الملتمس يكون جزءا لا يتجزأ من مضمون المرافعة التي يقدمها، أو في مرحلة لاحقة عندما يكون الحكم القاضي بعقوبة حبسية نافذة قد استنفد طرق الطعن العادية والطعن بالنقض لفائدة الأطراف”.

وحتى إذا صار حائزا قوة الشيء المقضي به، “يجوز للنيابة العامة أن تلتمس من قاضي تطبيق العقوبات، في إطار المادة 22647 من قانون المسطرة الجنائية، استبدال العقوبة الحبسية بعقوبة بديلة”. وأوضح الدليل أن “المشرع لم يحدد الشكل الذي يجب أن تُقَدَّمَ به ملتمسات النيابة العامة لإعمال العقوبة البديلة، مما يجعلها بحسب الأصل مقبولة، سواء قدمت شفويا أو كتابيا، إلا أن التفعيل الأمثل لمضامين القانون يقتضي أن تكون هذه الملتمسات كتابية حتى تكون معللة وتوضح الأسباب الداعية إلى اقتراح العقوبة البديلة”.

غير أن هذا لا يمنع، إذا تعلق الأمر بمقترحات قدمت أثناء مناقشة القضية في جلسة المحاكمة، حيث تكون المرافعة شفوية، من اعتماد ملتمسات شفوية على أن يبسط قاضي النيابة العامة في مرافعته الأسباب المعتمدة لاقتراح العقوبة البديلة وتضمن في محضر الجلسة. ويمكن لتدعيم هذا المقترح أن يحرر ملتمسا كتابياً فيما بعد يرفع إلى هيئة الحكم.

محددات أساسية

وأوصت رئاسة النيابة العامة قضاتها بالتأكد بداية، عند تقديم ملتمساتهم بشأن إعمال هذه العقوبات، من “توفر الشروط القانونية”، و”مراعاة بعض المحددات المهمة التي تتصل بالجدوى والفعالية من اقتراح العقوبة”، مبرزة أن “حسن تطبيق قواعد النجاعة يقتضي أن تكون العقوبة البديلة المقترحة مناسبة وتتلاءم مع خصوصية المحكوم عليه لتفعيل عملية تنفيذها”.

ومن الضوابط الواجب مراعاتها “طبيعة الفعل الجرمي المرتكب وشخصية الجاني، وهنا تبرز خبرة قاضي النيابة العامة، الذي يجب أن يكون ملما بوقائع القضية ومدى الخطورة التي تتصل بشخص الجاني والسلوك الجرمي الصادر عنه”. كما “يمكن لقاضي النيابة العامة أن يحدد في ملتمسه نوع العقوبة المقترحة كالعمل لأجل المنفعة العامة أو المراقبة الإلكترونية أو هما معا أو غيرهما”.

وفي هذه النقطة لا بد من مراعاة قدرة العقوبة المقترحة على “إعادة تأهيل المحكوم عليه وتقويم سلوكه وتفادي العود إلى الجريمة، وأن تتناسب مع جنس وسن المحكوم عليه ومؤهلاته البدنية أو حرفته أو وظيفته ودخله”. وإذا كان المحكوم عليه حدثا وجب أن تكون العقوبة المقترحة “قادرة على إصلاحه، وتراعي مصلحته الفضلى، وقدرته البدنية والنفسية، وحاجيات تكوينه وإعادة إدماجه في النسيج المجتمعي”.

ولا بد كذلك من “التثبت من انتفاء السوابق القضائية في حالة العود الواقعية، فأحيانا يدان المتهم من أجل جرائم خطيرة، إلا أنه عندما يتم الرجوع إلى البطاقة رقم 2 الخاصة به تجدها لا تتضمن الإدانات الصادرة في حقه بسبب التأخر في تضمين وتحيين بطائق السجل العدلي الخاصة به”؛ وفي هذه الحالة “يتعين العمل بيقظة وتفادي اقتراح العقوبات البديلة بشكل لا يتلاءم مع روح التشريع وغاياته”.

من جهة أخرى، يتعين أن “يكون مقترح العقوبة البديلة منسجما مع ما راج في الجلسة من مناقشات وما تم استجلاؤه بخصوص وضعية المتهم الاجتماعية والصحية والمهنية، مع إمكانية تقديم ملتمس للمحكمة بإجراء بحث اجتماعي عند الاقتضاء”. كما “يستحسن أن يكون مقترح تطبيق العقوبة البديلة في شكل ملتمس مكتوب معلل تعليلا كافيا، ومرتكز على أساس قانوني وواقعي، مع إمكانية إرفاقه ببحث اجتماعي حول وضعية المتهم الاجتماعية والمهنية والصحية وسوابقه القضائية”.

ترشيد الطعون

وفي إطار مواكبة تفعيل القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة والمرسوم التطبيقي له، الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من اليوم الجمعة 22 غشت 2025، جدد الدليل توجيه النيابة العامة إلى “عدم الطعن في الحكم القاضي بالعقوبة البديلة”، والتأكيد على “موافقتها على تنفيذ الحكم القاضي بالعقوبة البديلة”.

وتابع “يجب التوضيح في هذا الإطار بخصوص الشروع في تنفيذ الحكم القاضي بالعقوبة البديلة أن مباشرة النيابة العامة للطعن بالاستئناف أو النقض، فذلك يعني حتما أن هذه الأخيرة غير موافقة على مضمون الحكم المطعون فيه، وبالتالي لا مجال للحديث عن تنفيذ العقوبة البديلة”، مشيرا إلى أنه “بالمقابل إذا كان المحكوم عليه طعن لوحده في الحكم دون أن تطعن فيه النيابة العامة، في هذه الحالة وإن كان الملف سيرفع إلى محكمة الطعن للبت فيه، إلا أن النيابة العامة يمكنها أن توافق على تنفيذ العقوبة البديلة فيشرع في ذلك ولو لم يصدر بعد حكم حائز لقوة الشيء المقضي به في القضية”.

ونظرا لكون موافقة النيابة العامة وعدم طعنها في الحكم يؤديان إلى التنفيذ المباشر للعقوبة البديلة، ينبغي، حسب الوثيقة، أن “تكون هذه الموافقة مكتوبة وتضم إلى ملف القضية، الذي سيحال على قاضي تطبيق العقوبات، مع الإشارة إلى أن هذه الموافقة قد تكون سواء عند انتهاء أجل الطعن دون إعماله من النيابة العامة أو قبل انقضائه”، مضيفة “هنا يجب أن يتضمن كتابة موافقة النيابة العامة على الحكم القاضي بالعقوبة البديلة وعدم عزم النيابة العامة على الطعن فيه”.

المصدر: هسبريس

شاركها.