حبا الله هذه المدينة بخيرات طبيعية تتمثل في شواطئ جميلة تجعل منها جوهرة في محيط أطلسي. حباها الله بأراضٍ خصبة في قلب دكالة، جعلت منها منطقة منتجة لخيرات فلاحية، وسخر لها وسائل طبيعية. ترسخت الجديدة في تاريخ المغرب كمدينة لها قرون كثيرة في الوجود الإنساني. حضرت كمدينة قبل القرن الخامس عشر، وتهافتت على موقعها قوى استعمارها. حباها الله بموقع جعل منها ملتقى طرق بين المحيط والأطلس الكبير، وبسهول منطقة عبدة ومنطقة الشاوية. عشق هذه المدينة كثير من المغاربة والأجانب، وقالوا عنها شهادات ستظل عربون وفاء لها. وستظل ممارسة الحكامة الترابية انعكاسًا لمستوى التدبير الترابي. سيظل غياب المحاسبة مصدر ظهور كائنات انتخابية لا يهمها سوى إضعاف المؤسسات، وثقة المواطنين فيها.

نسي الكثير من مسؤولي اليوم، والذين لم يتلقوا تعليمهم فيها، ولم تترسخ في عقليتهم تلك القيم التي أسست ثقافة مدينة الجديدة. كانت أجيال الجديدة تسبح في ثقافة حديثة، وتحتفل بالإبداع المسرحي في قلب أحد أجمل المسارح ببلادنا. كان شباب الجديدة يمارسون، إلى جانب الأنشطة الثقافية، رياضات متعددة في قاعتها التاريخية التي توجد عند مدخل شاطئها المبهر بجماله. تميز رياضيو الجديدة بمهارتهم في رياضة كرة اليد، وكذلك في كرة القدم. لن ينسى المغاربة ذلك الهدف الخرافي الذي سجله لاعب فريق الدفاع الحسني الجديدي سنة 1976، والذي مكن بلادنا من إحراز اللقب الوحيد في تاريخ كأس أفريقيا.

ينسى كثير من مسيري مدينة الجديدة أنهم مؤتمنون على تاريخ كبير، وعلى مدينة كانت من أجمل مدن الشاطئ المغربي. ينسون وهم يتجولون بالحي البرتغالي، أو ما يسمى “بحي الملاح”، أن هذا المكان التاريخي يتعرض لتشويه معالمه. أغلقت السقالة منذ مدة لكي تتلقى جرعة كبيرة من الإصلاحات، ولا زالت مقفلة في وجه من يزورونها لكونها أقدم المعالم المائية البرتغالية بالمغرب. يوجد بالقرب منها أماكن “مهملة” قيل إنها سخرت للحفاظ على دور شخصيتين من أبناء الجديدة. كتبت على بعض الألواح أن المكان سيذكر بعبد الكبير الخطيبي، الذي يعتبر من أوائل مؤسسي علم الاجتماع بالمغرب. وتحمل لوحة أخرى اسم أحد أوائل كتاب الرواية باللغة الفرنسية، وهو الراحل إدريس الشرايبي صاحب “الماضي القريب”. وينسى مسؤولو اليوم أن مدينة الجديدة أعطت للمغرب مسؤولين كبارًا من طينة الجنرال بن سليمان، والجنرال القادري، والدكتور الخطيب، والشيخ العالم الدكالي، والوزيرين لمفضل لحلو، والراحل مصطفى الساهل، والمندوب السامي مصطفى الكثيري، إضافة إلى العديد من المفكرين والفنانين.

كان هذا ذلك الجانب المشرق الذي شكل جمال المدينة. ويشكل الحاضر لوحة لا تسعد الناظرين. مجالس بلدية ومسؤولون تملك تاريخهم كثير من أبناء المدينة. وقال عنهم الذكاء الاصطناعي الكثير من السوء. يوجد الكثير منهم في لائحة المحكوم عليهم بعقوبات من طرف المحاكم. ويلخص هذا الذكاء واقع تدبير مدينة الجديدة في استغلال للنفوذ، وتضارب المصالح، وشيوع الرشوة، وسوء تدبير التخطيط الحضري، وكثير من الأخطاء التي لا زالت تجبر مرتكبيها على الوقوف أمام القضاء. كانت الجديدة جميلة، لكنها تترنح اليوم في غياب النظافة، وفوضى تدبير المرور، وكثير من مظاهر البداوة على تنظيمها. غرقت الجديدة في مستنقع الهجرة القروية دون احتواء المهاجرين ثقافيًا وتربويًا.

يقول الكثير من المهتمين بالشأن المحلي لهذه المدينة إن العمل متواصل لإعادة هيكلتها. سيتم هدم الكثير من البنايات، المساكن، ومقرات بعض الإدارات لفتح المدينة على شاطئها الجميل. يتعلق الموضوع بسيطرة “الأسمنت” على إعادة إعمار مدينة. وسيظل الأمر خاضعًا لكل ما ليست له علاقة بالتربية الثقافية والفنية والرياضية. جمال مدينة الجديدة صنعه مثقفون أتقنوا فنون الإبداع المعماري والفني، وناضلوا من أجل ترقية الأذواق عبر التربية والتعليم. ويكفي القول إن نخبة اليوم تتقن، في غالبيتها، السيطرة على سوق العقار، وتشويه المجال الحضري. يرجو كل محب للبلاد ولكل أشكال الجمال أن يغيب عن تدبير الشأن العام كل من ابتلانا الله بحضورهم في أحزابنا، ومجالسنا الترابية، وفي برلماننا. ويكفي تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة لكي نقضي على الفاسدين، وإبعادهم عن يومنا وغدنا. فليرحلوا عنا إلى تلك الأماكن التي تجعلهم يؤمنون بأن الله غير ظلام للعبيد، وأن الدولة القوية تحمي جمال العيش المشترك تحت لواء العدل والجمال.

المصدر: العمق المغربي

شاركها.